«فايننشيال تايمز»: ضريبة التنوع البيولوجي على الشركات تُشعل نقاشاً حقوقياً
«فايننشيال تايمز»: ضريبة التنوع البيولوجي على الشركات تُشعل نقاشاً حقوقياً
قالت صحيفة “فايننشيال تابمز”، إن شركات الأدوية والتكنولوجيا الزراعية الكبرى تواجه تحديًا جديدًا يتمثل في ضريبة مقترحة على المنتجات المصنعة باستخدام البيانات الجينية من الطبيعة.
تجري هذه النقاشات ضمن مؤتمر التنوع البيولوجي "كوب 16" المنعقد حاليًا في كولومبيا، حيث تتفاوض الدول حول آلية دفع مقابل استخدام "المعلومات الرقمية التسلسلية" (DSI)، التي تعتبر أساسًا هامًا لصناعات الأدوية والزراعة.
وأضافت الصحيفة أن هذه المعلومات تجمعها فرق من الباحثين الأكاديميين من مختلف أنحاء العالم، وتتاح مجانًا عبر قواعد بيانات مفتوحة ممولة من المال العام.
تُعدّ المعلومات الرقمية التسلسلية (DSI) من الموارد الحيوية في الأبحاث العلمية والصناعات المتعلقة بالصحة والزراعة، حيث تستخدمها شركات مثل "أسترازينيكا" و"جي إس كي" و"باير" في إنتاج الأدوية والمنتجات الزراعية دون أن تدفع أي مقابل لهذه المعلومات.
ومع التنامي السريع لاستخدام هذه البيانات في الصناعات الحيوية، قررت الدول خلال مؤتمر "كوب 15" السابق إنشاء صندوق متعدد الأطراف لتقاسم الفوائد الناجمة عن استخدام هذه المعلومات، وذلك في إطار سعيها لتعزيز المساواة في توزيع مكاسب الموارد البيولوجية.
مفاوضات بشأن آلية فرض الضريبة
مع استمرار مفاوضات الأسبوع الثاني والأخير من مؤتمر "كوب 16"، تتزايد الضغوط للتوصل إلى آلية تُلزم الشركات المستفيدة بالمساهمة المالية في هذا الصندوق، وسط انقسام في الآراء حول نوع الضريبة ونسبة الاقتطاع.
تقدمت بعض الدول الإفريقية، التي تضم جزءًا كبيرًا من التنوع البيولوجي العالمي، بمقترح مثير للجدل بفرض ضريبة نسبتها 1% على قيمة التجزئة لكافة المنتجات التي تعتمد في تصنيعها على هذه المعلومات، بينما تطرح دول أخرى نسبة مئوية أقل، تُفرض على المبيعات السنوية أو أرباح الشركات.
آراء متضاربة
يعتبر بعض المفاوضين أن فرض ضريبة إلزامية على الشركات هو السبيل الأمثل لضمان تحقيق التوازن في توزيع العوائد، بينما يفضل آخرون جعل المساهمة طوعية خوفًا من تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي.
أشار الباحث في شبكة "العالم الثالث" غير الربحية التي تمتلك صفة مراقب في المؤتمر، نيثين راماكريشنان، إلى أن الدول النامية، التي تستضيف غالبية التنوع البيولوجي، تميل إلى فرض مدفوعات إلزامية لضمان تدفق الموارد المالية اللازمة لحماية مواردها البيئية.
وفي هذا السياق، قال خبير الموارد الوراثية في المجموعة الاستشارية الدولية للأبحاث الزراعية، مايكل هاليوود، إن الانقسام الجيوسياسي بين الدول المتقدمة والنامية لا يزال قائمًا منذ إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي عام 1992، إذ تدعم الدول المتقدمة المساهمات الطوعية، بينما ترى الدول النامية ضرورة إلزامية المدفوعات لتأمين الموارد.
معارضة من الشركات الصناعية
تعتبر الشركات الصناعية الكبرى مثل "باير" أن الضريبة المقترحة قد تضيف تكاليف باهظة على عملياتها، ما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار المنتجات التي تعتمد عليها الأسواق، لا سيما في قطاع الأغذية والزراعة.
وبيّنت الشركة أن هذه التكاليف لا تقتصر على مرحلة إنتاج وبيع البذور، بل تمتد إلى سلاسل التوريد بأكملها، ما قد ينعكس سلبًا على المزارعين والمستهلكين.
وتعبر شركات من قطاعات مختلفة عن مخاوفها بشأن التدابير الجديدة المقترحة، حيث اجتمع ممثلو تلك الشركات في قمة "كوب 16" بمدينة كالي لإبراز قلقهم إزاء تأثير القوانين الجديدة.
ونظمت مجموعة "الأعمال من أجل الطبيعة"، التي تضم 230 شركة من قطاعات الأدوية والأغذية والطاقة والتغليف، خطابًا مفتوحًا لحث الحكومات على التريث في فرض أي ضريبة قد تعيق تنافسية الصناعات المعتمدة على البيانات الجينية.
وفي بيان صادر مع بدء المؤتمر، حذر اتحاد تجاري عالمي لشركات الأدوية من "الآثار السلبية" المحتملة للنظام الضريبي الجديد، مشيرًا إلى أن مثل هذه التدابير قد تزيد من التكاليف بشكل ملحوظ، مما يؤثر بشكل غير متناسب على القطاعات المتقدمة التي تعتمد على الوصول الفعال للبيانات الرقمية التسلسلية.
التراجع التنافسي للشركات الأوروبية
أعربت بعض الشركات الأوروبية عن قلقها من أن القواعد الجديدة قد تضعف قدرتها التنافسية مقارنةً بنظيراتها الأمريكية، إذ لم تصادق الولايات المتحدة ودولة الفاتيكان على اتفاقية التنوع البيولوجي، ما يعني أن شركاتها لن تخضع لنفس الالتزامات المالية.
وتخشى الشركات الأوروبية أن تضعها هذه المتطلبات الجديدة في موقف ضعف بالمقارنة مع منافسيها الدوليين، ما يفتح الباب أمام تباين تنظيمي قد يشكل تحديًا للابتكار الصناعي.
وقال محامي مجموعة "كروب لايف إنترناشيونال"، المعنية بالتكنولوجيا الزراعية، دومينيك مولديرمانز، إن فرض ضريبة أو مدفوعات ضمن النظام المتعدد الأطراف قد يؤدي إلى "فسيفساء" من القواعد التي قد تعيق الابتكار في مجالات الصحة والأمن الغذائي.
وحذرت المجموعة من أن تعدد القيود المالية والتنظيمية قد يثني الشركات عن الاستثمار في مشاريع بحثية تستند إلى البيانات الجينية، ما قد يبطئ تقدم الأبحاث الحيوية في المجالات التي تسهم في تعزيز صحة الإنسان وحماية البيئة.
اتهامات بـ"القرصنة البيولوجية"
وتتهم بعض الجماعات البيئية الشركات الصناعية بالاستيلاء على المعلومات الجينية دون دفع مقابل، معتبرةً ذلك "قرصنة بيولوجية".
وأوضحت وزيرة البيئة الكولومبية ورئيسة مؤتمر "كوب 16" سوزانا موحمّد أن قضية المدفوعات تعد اختبارًا لقدرة المجتمع الدولي على تطبيق تغييرات سياسية جوهرية رغم مقاومة المصالح الراسخة، مشيرةً إلى أن تزايد استخدام الموارد الطبيعية لتحقيق مكاسب تجارية يتطلب تحقيق العدالة في توزيع العوائد للحفاظ على التنوع البيولوجي.
ويمثل مؤتمر "كوب 16" فرصة حاسمة للدول والشركات للتوصل إلى توافق حول سبل حماية التنوع البيولوجي مع ضمان استفادة عادلة ومستدامة من موارده المتنوعة، وسط تحديات سياسية واقتصادية تضفي تعقيدًا إضافيًا على عملية اتخاذ القرار.