«فايننشال تايمز»: «كوب 29» في سباق مع الزمن لتحديد مستقبل المناخ العالمي
«فايننشال تايمز»: «كوب 29» في سباق مع الزمن لتحديد مستقبل المناخ العالمي
قالت صحيفة "فايننشال تايمز"، إن ممثلي نحو 200 دولة يجتمعون في أذربيجان، للمشاركة في قمة المناخ “كوب 29”، حيث ستتم مناقشة قضايا جوهرية تهدف إلى وضع أهداف تمويل جديدة لمواجهة آثار تغير المناخ.
وأضافت "فايننشال تايمز"، اليوم الثلاثاء، أنه من المتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق على هدف تمويل عالمي جديد سيكون بمثابة استبدال للهدف الذي تم الاتفاق عليه في عام 2009.
وقالت إنه في ذلك العام، تعهدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لدعم الدول النامية في مواجهة التغيرات المناخية، وهو الهدف الذي تأخر تنفيذه لعامين وفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ويتطلع المفاوضون الآن إلى وضع هدف جديد يعكس التحديات الحالية، ويكون أكثر وضوحاً في كيفية تقسيم المسؤوليات بين الدول المتقدمة والنامية، حيث تحمل هذه المفاوضات أهمية خاصة لأن التمويل المناخي يعد عنصراً أساسياً لتحقيق الأهداف المحددة في اتفاق باريس لعام 2015.
هدف جماعي جديد
من المقرر أن يتم الاتفاق في باكو على الهدف الجماعي الجديد الكمي (NCQG)، والذي يعد بديلاً للهدف الذي تم تحديده في قمة كوبنهاغن 2009، يعتبر هذا الهدف الجديد محوراً أساسياً في الجهود العالمية للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الحد الذي تم تحديده في اتفاق باريس.
يعتبر هذا الهدف حيوياً في مساعدة الدول على التكيف مع آثار تغير المناخ، وفي الوقت نفسه ضمان أن تكون الاقتصادات في جميع أنحاء العالم قادرة على التحول إلى اقتصادات خضراء منخفضة الكربون.
ومن المتوقع أن يشمل هذا الهدف دعماً مالياً يضمن تمويل المشاريع الطموحة الخاصة بالتحول إلى طاقة نظيفة والتكيف مع التغيرات المناخية.
تحديات تواجه الهدف الجديد
تواجه المفاوضات التي جرت في الأيام الأولى في باكو تعقيدات كبيرة بسبب الخلافات بين الدول حول القيمة الفعلية للهدف المالي، وكيفية هيكلته، والمسؤوليات التي يجب أن تتحملها الدول المختلفة، حيث يرى المفاوضون من الدول النامية أن الدول الغنية يجب أن تتحمل المسؤولية الأكبر في تمويل هذه المبادرات، بالنظر إلى تاريخها في التسبب في الانبعاثات التي تساهم بشكل رئيسي في تغير المناخ.
من جانبها، أبدت الدول الغنية تحفُّظاً كبيراً في الالتزام بتقديم المنح المالية الضخمة، خاصة بعد الضغوط الاقتصادية التي مرت بها بسبب جائحة كورونا وأزمة الطاقة.
إضافة إلى ذلك، كانت الدول الغنية قد أخفقت في الوفاء الكامل بالهدف الأول المتمثل في تقديم 100 مليار دولار سنوياً، وهو ما يزيد من الشكوك حول قدرتها على الالتزام بهدف أكبر.
وطالبت العديد من الدول النامية بتحديد هدف تمويل عالمي جديد لا يقل عن تريليون دولار سنوياً، في ظل التحذيرات المتزايدة من أن الدول النامية، التي تساهم بأدنى مستويات من الانبعاثات، يجب أن تتلقى دعماً مالياً كافياً للتعامل مع التغيرات المناخية التي لا تتحمل مسؤوليتها.
ومع هذه المطالبات، أكد المفاوضون من الدول النامية أن فرض المزيد من الديون على هذه الدول سيكون غير مجدٍ ولن يحل الأزمة، خاصة وأنها تتحمل آثار تغير المناخ في شكل كوارث بيئية وفقدان التنوع البيولوجي، والتي تكون في معظم الحالات خارج نطاق قدرتها على السيطرة. في نفس الوقت، يطالب هؤلاء المفاوضون الدول الغنية بالوفاء بتعهداتها التاريخية في تمويل التكيف مع المناخ والتخفيف من آثار التغيرات المناخية.
توسيع قاعدة المانحين
في المقابل، تمثل فكرة توسيع "قاعدة المانحين" نقطة خلاف بين الدول، بموجب التصنيف الذي أقرته الأمم المتحدة منذ سنوات طويلة، تُعتبر دول مثل السعودية والإمارات والصين من الدول النامية، وبالتالي لا تُدرج ضمن الدول الملتزمة بتقديم التمويل، ترى الدول الغنية أن توسيع قاعدة المانحين سيشمل دولاً اقتصادية قوية مثل الصين، التي أصبحت من أكبر الاقتصاديات في العالم، وأدى هذا إلى تصاعد الخلافات حول مدى التزام هذه الدول بتقديم الدعم المالي.
وأشار ميشاي روبرتسون، المفاوض الرئيسي من تحالف دول الجزر الصغيرة (AOSIS)، إلى أن توسيع قاعدة المانحين قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، مثل مطالبة دول جزرية صغيرة بدفع حصة مالية أكبر، بينما قد تُعفى دول اقتصادية كبرى مثل الصين من دفع أي حصة مالية، هذه القضايا المعقدة تضيف مزيداً من التحديات إلى المفاوضات التي تجري حالياً في باكو.
الاقتصاد العالمي والدول النامية
وأشار العديد من الخبراء إلى أن المناقشات تتم في وقت حرج، حيث تتزايد الصدمات المناخية في جميع أنحاء العالم، في أمريكا الجنوبية، تعاني العديد من الدول من موجات جفاف شديدة، بينما تشهد إسبانيا فيضانات مدمرة بسبب الطقس المتطرف، هذه الظواهر المناخية تسببت في تدهور الاقتصاديات المحلية وأدت إلى تفاقم أزمة اللاجئين والمشردين بسبب الكوارث البيئية.
في إطار هذه المناقشات، أكد إيمون رايان، وزير البيئة والمناخ في أيرلندا، أن هناك حاجة ملحة لزيادة التمويل العام، لكنه أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يدفع باتجاه فكرة التمويل "الطبقي"، حيث يتم دمج التمويل العام مع الاستثمارات الخاصة لتسريع وتيرة التحول إلى اقتصاد أخضر.
اقترح الاتحاد الأوروبي أن تكون استثمارات القطاع الخاص جزءاً من الحلول المالية من أجل تلبية الأهداف المناخية الطموحة، ويُتوقع أن تشمل هذه الاستثمارات تمويلات خاصة من مؤسسات مالية دولية ومؤسسات تنموية متعددة الأطراف.
دعم أهداف المناخ
في الوقت نفسه، دعت المجموعة العربية إلى تحديد هدف تمويل سنوي يبلغ 1.1 تريليون دولار بين 2025 و2029، وستتضمن هذه الخطة تخصيص 441 مليار دولار من التمويل العام لدعم الاستثمارات الخاصة.
كما دعمت المجموعة الإفريقية هذه المطالبات، مشيرة إلى أن القارة تواجه تحديات كبيرة بسبب تغير المناخ، وأن هذا التمويل سيساعدها على التكيف مع الطوارئ المناخية التي تهدد الأمن الغذائي والمائي في الدول الأفريقية.
آمال معقودة على “كوب30”
في الوقت الذي يتأهب فيه المفاوضون في باكو، تتضاءل الآمال في التوصل إلى اتفاق نهائي يعكس كل التحديات العالمية بشكل كامل، ويرى الكثير من الخبراء أن قمة "كوب30"، التي ستعقد في بيلم بالبرازيل في عام 2025، ستكون هي القمة التي سيتم فيها التوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً واتساقاً بين الدول.
أشار إيمون رايان إلى أن المفاوضات الجارية حالياً ستكون بمثابة تحضير للمفاوضات المستقبلية، وأكد أن ليس من المتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل في باكو، وأن الأمور ستكون قد أُعِدت بشكل أكبر للتوصل إلى الحلول النهائية في بيلم.
شكوك ومخاوف
أضاف المفاوضون أن هناك مخاوف حقيقية من أن التأثيرات السياسية على المفاوضات قد تكون عاملاً حاسماً، على سبيل المثال، يعتقد البعض أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة قد يُستخدم كذريعة من قبل الدول المنتجة للوقود الأحفوري لعرقلة المفاوضات.
وفي الوقت ذاته، يشير بعض المفاوضين إلى أن هدف التمويل سيكون محدوداً بالنظر إلى القيود المالية التي تواجه الدول الغنية في الوقت الراهن.