«الإيكونوميست»: هل تقود الصين ثورة الطاقة النظيفة أم تخلق منافسة غير عادلة؟
«الإيكونوميست»: هل تقود الصين ثورة الطاقة النظيفة أم تخلق منافسة غير عادلة؟
قالت مجلة "الإيكونوميست" إن الدول المشاركة في قمة المناخ "كوب29"، التي تُعقد في أذربيجان من 11 إلى 22 نوفمبر 2024، سعت إلى الإجابة عن سؤال حول "أي الدول يجب أن تضاعف إنفاقها من أجل إنقاذ كوكب الأرض؟".
وأوضحت المجلة الأربعاء، أن الإجابة المتداولة عن السؤال كانت الصين، والتي يتهمها الغربيون بأنها تسهم بشكل ضئيل في جهود مساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التغير المناخي، ومنذ ما يقارب عقدين، تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر ملوث في العالم من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الرد الصيني
ومن جانبهم، دافع المسؤولون الصينيون عن موقفهم، مشيرين إلى أن بلادهم ما زالت في مرحلة النمو وأن إجمالي انبعاثاتها التاريخية أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، لكن أقوى رد قدموه هو أن الصين تقوم حاليًا بإنفاق أكثر من أي دولة أخرى على التحول الأخضر، وبفضل استثماراتها الضخمة، تساهم الصين في تحفيز الاستثمار العالمي في تقنيات الطاقة النظيفة، ما أدى إلى نشر هذه التقنيات في مختلف أنحاء العالم بمعدلات لم تكن ممكنة قبل عقد من الزمن.
الاستثمارات الصينية
بين عامي 2018 و2023، وصلت الاستثمارات العالمية في المصافي والمصانع التي تحول المواد الخام إلى توربينات رياح، وسيارات كهربائية وغيرها من التقنيات الخضراء إلى 378 مليار دولار، بحسب شركة بلومبرغ نيو إينيرجي فاينانس.
وتُعزى 90% من هذه الاستثمارات إلى الصين، فرغم أن أوروبا والولايات المتحدة بدأت في زيادة استثماراتهما، فإن الصين من المتوقع أن تساهم بأكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الاستثمارات في عام 2024.
الصين تقود الطلب على الطاقة النظيفة
نتيجة لهذه الاستثمارات، أصبحت الصين المنتج الأكبر للمعدات الخاصة بالطاقة النظيفة في العالم، حيث تصنع شركاتها ما يكفي من بطاريات ليثيوم أيون (التي تستخدم في السيارات الكهربائية) لتلبية الطلب العالمي بالكامل.
وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن 8 من كل 10 ألواح شمسية في العالم تُصنع في الصين، ولدى الصين القدرة على إنتاج هذه الألواح بمعدل مضاعف عما هو عليه اليوم، من خلال بناء اقتصادات كبيرة للمقاييس والمنافسة الشديدة بين الشركات الصينية، تم تقليص التكاليف بشكل كبير.
المساهمة في الطاقة المتجددة
رغم أن أكثر من نصف الكهرباء في الصين لا تزال تُنتج باستخدام الفحم، فقد شهد العام الماضي إضافة نحو 300 جيجاوات من الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) إلى الشبكة، وهو ما يمثل نحو ثلثي إجمالي الطاقة المتجددة التي تم تركيبها في العالم.
وفي يونيو 2024، بدأ العمل في أكبر مزرعة شمسية في العالم في منطقة شينجيانغ الغربية، التي تغطي مساحة صحراوية تبلغ ضعف مساحة مدينة مانهاتن، كما تقوم الصين ببناء المزيد من محطات الطاقة النووية أكثر من أي دولة أخرى.
في العام الماضي، وصل إجمالي الإنفاق العالمي على تقنيات الطاقة النظيفة إلى 1.8 تريليون دولار، وفقًا لتقرير بلومبرغ نيو إينيرجي فاينانس، حيث وقع 38% من هذا الإنفاق في الصين.
النمو الأخضر في الصين
تتمتع الصين بميزتين رئيسيتين تدعمان قدرتها على ضخ هذه الاستثمارات الضخمة: أولاً، يشتهر الاقتصاد الصيني بمعدل الادخار المرتفع الذي يعزز الاعتماد على الاستثمار كمحرك للنمو بدلاً من الاستهلاك، ثانيًا، تتيح الحكومة الصينية ذات الطابع الاستبدادي توجيه الاستثمارات بشكل أكثر كفاءة إلى القطاعات التي تفضلها، ما يمنحها قدرة على توجيه الأموال إلى تقنيات الطاقة النظيفة التي أصبحت ركيزة أساسية في استراتيجية النمو المستقبلية.
التحفيز الحكومي
إحدى الطرق التي تلجأ إليها الصين لتعزيز القطاع الأخضر تتضمن تحفيز إنتاج الطاقة المتجددة من خلال ضمان أسعار أعلى من الأسعار السوقية للطاقة المتجددة (ما يُعرف بتعرفة التغذية)، كما شجعت الصين شركاتها على إصدار السندات الخضراء، وهي أدوات مالية تُوجه الأموال نحو المشاريع البيئية، وتعد الصين أكبر سوق عالمي لهذه السندات.
وتميزت الصين عن غيرها في شكل آخر من أشكال الدعم الحكومي، حيث أنشأت "صناديق إرشادية حكومية" تستثمر في الشركات الخاصة لدعم البحث والتطوير، كما قامت البنوك الحكومية بتقديم قروض منخفضة الفائدة، بينما تنافست الحكومات المحلية لتقديم إعانات سخية للشركات مثل الأراضي الرخيصة والضرائب المخفضة.
وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، تلقت شركات السيارات الكهربائية الصينية دعمًا بلغ 231 مليار دولار بين عامي 2009 و2023.
المنافسة غير العادلة
توجه الحكومات الغربية انتقادات حادة لجهود الصين في مجال الطاقة النظيفة، حيث يعتبرون أن هذه الإعانات الحكومية تُشكل منافسة غير عادلة للشركات الغربية.
في هذا السياق، اتهمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الصين بمحاولة تصدير مشكلة فائض الإنتاج لديها، وإغراق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة مصطنعة، ما يجعل من الصعب على الشركات الغربية المنافسة، لهذا، فرضت أمريكا وأوروبا رسومًا جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية مثل السيارات الكهربائية.
سياسة دعم الطاقة النظيفة
على الرغم من هذه الانتقادات، فإن سياسة الصين في مجال الطاقة النظيفة شهدت تطورات ملحوظة، فمع نضوج صناعات الطاقة النظيفة، بدأت الحكومة في تقليص الدعم المقدم لها، وتم تخفيض تعريفة التغذية للطاقة المتجددة في عام 2021 بعدما أصبحت تكاليف الطاقة الشمسية والرياح قادرة على التنافس مع الوقود الأحفوري، كما بدأت خطط دعم شراء السيارات الكهربائية في التقلص.
توجهات مستقبلية
ما زالت الصين بحاجة إلى المزيد من الطاقة، وحتى في حال لم تحقق هدفها المتمثل في الوصول إلى حياد الكربون بحلول عام 2060، فإن حقيقة أن مصادر الطاقة المتجددة أصبحت رخيصة يضمن استخدامها على نطاق واسع.
كما أن القادة الصينيين، الذين يشعرون بالقلق من الاعتماد على النفط والغاز المستوردين، يفضلون تنوع مزيج الطاقة المحلي.
تعتبر الطاقة النظيفة جزءًا أساسيًا من المخطط الاقتصادي للصين، حيث شكّل الاستثمار في هذا القطاع 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2023، وفقًا لحسابات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في فنلندا.