عذابات الهجرة وانتصار الأمل.. محمد شاب إثيوبي يعود لموطنه بعد ربع قرن من الغربة
عذابات الهجرة وانتصار الأمل.. محمد شاب إثيوبي يعود لموطنه بعد ربع قرن من الغربة
في قرية صغيرة أعلى مرتفعات إثيوبيا، نشأ الشاب محمد محاطًا بجمال الطبيعة وحيوية الحياة القروية، ما دعاه لأن يساعد عائلته في زراعة الأرض ورعاية الأغنام، ويحلم بمستقبل أفضل لنفسه ولعائلته.
ووفقا لموقع "ريليف ويب" التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كان منزله الطيني المتواضع يمثل الأمان والاستقرار رغم الصعوبات اليومية، ومع ذلك، بدأ الجفاف في تحويل الأراضي الخصبة إلى أراضٍ قاحلة، وانتشرت الصراعات المسلحة تدريجيًا لتطوق قريته.
يقول محمد: "كنت أساعد والدي في المزرعة وأعمل بجد لأجل عائلتي، لكنني كنت دائمًا أحلم بإكمال تعليمي، أردت أن أحقق شيئًا مختلفًا، شيئًا يمكن أن يغير حياتنا للأفضل".
مع مرور الوقت وتزايد الضغوط الاقتصادية، شعر محمد بأنه لم يعد هناك خيار سوى مغادرة بلده رغم المخاطر، قائلا: "كان قرار المغادرة هو الأصعب في حياتي، شعرت بالمسؤولية تجاه عائلتي، وكنت أعلم أنني إذا بقيت، فلن أتمكن من تقديم ما يحتاجون إليه.. لذلك قررت أن أخاطر وأغادر لأحقق حلمي في الدراسة والعمل".
رحلة محفوفة بالمخاطر
حلم محمد بالوصول إلى دولة أخرى، حيث كان يأمل في العثور على فرص عمل تمكنه من إعالة عائلته، كان الطريق إلى هناك يتطلب المرور عبر اليمن، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر، أقنعه المهربون بأن الرحلة ستكون سهلة وقصيرة، ولم يكن يدرك أن ما ينتظره سيكون تجربة قاسية ستمتد لسنوات طويلة.
عبر محمد البحر من الصومال إلى اليمن في رحلة استغرقت 36 ساعة على قارب مكتظ بالمهاجرين، خلال تلك الرحلة، رأى الموت عندما غرق أربعة من رفاقه.
يقول محمد: "كان الشعور بالخوف يزداد كلما مرت الساعات.. كنت أفكر في عائلتي وفي مستقبلي، لكنني كنت أتساءل أيضًا: هل سأصل إلى وجهتي أم سأكون أحد الضحايا؟".
الواقع القاسي في اليمن
بمجرد وصوله إلى اليمن، وجد محمد نفسه في وضع أصعب مما توقع، لم يكن اليمن محطة عبور سهلة كما تصور، بل أصبح مكانًا علق فيه لسنوات، في البداية، حاول ثلاث مرات عبور الحدود خارج اليمن، لكنه فشل في كل مرة، وفي الوقت نفسه، كانت الحياة في اليمن مليئة بالتحديات.
يقول: "لم أتمكن من العثور على عمل بسهولة، كان الوضع في اليمن معقدًا للغاية.. شعرت بالحزن وخيبة الأمل لأنني لم أستطع تقديم ما كانت عائلتي في إثيوبيا بحاجة إليه، كنت أعرف أنهم يعتمدون عليّ، ولكنني كنت عاجزًا".
اضطر محمد للنوم في الشوارع لفترة طويلة، مستخدمًا الكرتون كفراش، وكان يعتمد على بقايا الطعام من المطاعم لسد رمقه، ومع ذلك، ظل مصممًا على تحسين وضعه، يقول: "في تلك الفترة، تعلمت الصبر والمرونة.. كنت أعرف أنني إذا استسلمت، فلن أحقق أي شيء".
إعادة بناء الحياة
مع الوقت، انتقل محمد إلى مأرب حيث حصل على عمل بسيط في محطة وقود، كانت هذه الوظيفة بالكاد تكفي لتغطية احتياجاته اليومية، لكنها ساعدته على استعادة بعض الأمل، بفضل معرفته باللغة العربية التي اكتسبها في إثيوبيا، تمكن من الالتحاق بالدراسة واستطاع إكمال تعليمه، وهو إنجاز كان يعني له الكثير رغم الظروف الصعبة.
في مأرب، التقى محمد بزوجته وتزوج وأنجب أربع بنات، ومع أنه وجد نوعًا من الاستقرار، إلا أن حلمه بالعودة إلى عائلته في إثيوبيا لم يفارقه أبدًا، كان يدخر المال بقدر استطاعته، ويبحث دائمًا عن طريقة لتحقيق لم الشمل.
الأمل في العودة
خلال وجوده في مأرب، تعرف محمد على المهاجرين الإثيوبيين الآخرين الذين عاشوا نفس المعاناة، شارك معهم قصص رحلاتهم وتبادلوا الدعم المعنوي، إلى أن علم بوجود المنظمة الدولية للهجرة، حيث تقدم المنظمة دعمًا شاملاً للمهاجرين العالقين، بما في ذلك برامج العودة الطوعية إلى الوطن، لم يتردد محمد في التسجيل للحصول على المساعدة.
يقول: "عندما سمعت عن المنظمة، شعرت بفرحة كبيرة، كنت أعلم أن هذه فرصتي للعودة إلى عائلتي بعد كل هذه السنوات".
عملت المنظمة الدولية للهجرة على توفير كافة التسهيلات اللازمة لمحمد وعائلته، بما في ذلك الفحوصات الطبية، ووثائق السفر، والدعم النفسي والاجتماعي، وبعد عدة أشهر من الإجراءات، حصل محمد أخيرًا على فرصة للعودة إلى وطنه مع زوجته وبناته الأربع.
لمّ الشمل بعد ربع قرن
في عام 2024، ساعدت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 4 آلاف مهاجر إثيوبي على العودة من اليمن إلى وطنهم، كانت رحلة العودة بالنسبة لمحمد مليئة بالمشاعر المختلطة، يقول: "لم أستطع حبس دموعي عندما أدركت أننا سنعود.. كنت أتخيل لحظة لقاء والديّ مع أحفادهما لأول مرة، وأشعر بفرحة لا توصف".
بالنسبة لمحمد، كانت العودة إلى إثيوبيا ليست فقط نهاية رحلة طويلة من المعاناة، ولكن بداية جديدة مليئة بالأمل، بعد 25 عامًا من الفراق، استعاد محمد علاقته بعائلته وأصبح أكثر تصميمًا على بناء مستقبل أفضل لهم جميعًا.
يختم محمد بقوله: "رغم كل شيء، أنا ممتن للتجربة، لقد تعلمت الصبر والاعتماد على النفس، وأدركت أن الأمل يمكن أن يكون أقوى من أي عقبة".