ليبيا في 2024.. مآخذ حقوقية وقفزة قانونية نحو حماية الفئات الأكثر ضعفاً
ليبيا في 2024.. مآخذ حقوقية وقفزة قانونية نحو حماية الفئات الأكثر ضعفاً
شهدت ليبيا خلال العام الجاري تطورًا ملحوظًا في المجال الحقوقي، مع صدور مجموعة من القرارات والقوانين التي تهدف إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتعزيز الحريات الأساسية، في ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
وخلال عام 2024، سعت السلطات الليبية إلى إظهار التزامها بتحقيق العدالة والمساواة وحماية حقوق الفئات الأكثر ضعفًا.
في هذا التقرير، يستعرض “جسور بوست” حصاد عام 2024 من القرارات والقوانين الحقوقية في ليبيا، ومدى انعكاساتها على المجتمع الليبي.
مرضى ضمور العضلات
أصدر رئيس مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بتاريخ 6 أكتوبر 2024 القرار رقم (470)، الذي يوافق من خلاله على إعداد برنامج وطني لمرضى ضمور العضلات تحت مسمى "البرنامج الوطني لضمور العضلات"، الذي يعتني بتوفير احتياجات مرضى ضمور العضلات، وحصر المرضى في منظومة موحدة، والإشراف على توزيع الأدوية العلاجية وتحديدها حسب تصنيف كل حالة، ومواكبة الدراسات العلمية الحديثة ونشر التوعية للمرضى وذويهم.
ونص القرار على تشكيل لجنة تتولى الإعداد للبرنامج وتقديم مقترح لإنشائه وتنظيم اختصاصاته، ووضع الخطط والبرامج التنفيذية اللازمة لتحقيق مهامه، مع التزام الإدارات الفنية بوزارة الصحة وجهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية والجهات ذات العلاقة بأهداف البرنامج، بالتعاون والتنسيق مع رئيس وأعضاء اللجنة في سبيل تحقيق أهدافه.
وقال رئيس لجنة البرنامج الوطني لضمور العضلات، أحمد شليبك، إن "الهدف الرئيسي لهذا البرنامج هو وجود جسم شرعي حكومي يمثل مرضى ضمور العضلات بالكامل، ويعتني بهذه الفئة من المرضى بجميع احتياجاتها من جميع النواحي، ويكون شغله الشاغل هو مرضى ضمور العضلات وتخفيف معاناتهم، كما لا يعود هذا الملف ضمن الملفات الشائكة بين عدة جهات تنفيذية".
وأضاف شليبك، لـ”جسور بوست، أنه "بعد إطلاق هذا البرنامج، وبالصفة الاعتبارية المستقلة تحت إشراف ودعم وزارة الصحة ورئاسة الوزراء، يصبح هذا الجسم هو المسؤول عن مرضى ضمور العضلات من خلال هيكلية منظمة وخطط عمل واضحة في جميع الجوانب التي تمس هؤلاء المرضى وتنفيذها بشكل مباشر".
إنشاء مراكز متخصصة
وتابع: "من أبرز وأهم اهتمامات هذا البرنامج إنشاء مراكز متخصصة للمرضى، هذه المراكز موجودة ضمن الخطة، وقد تم تقديمها كمقترحات لرئيس الوزراء من حيث إقامة هذه المراكز التي تختص بهذه الفئة، وتعتني بهم من مرحلة التشخيص حتى المراحل التالية، مع وجود إيواء وعمليات ومعامل تحاليل، أي كل ما يحتاج إليه مريض ضمور العضلات سيكون في مركز واحد مختص.. وكخطوة أولى، سيكون هذا المركز في مدينة طرابلس، ومن ثم سيتم استحداث فروع له على مستوى البلاد".
وأضاف شلبيك، “بالنسبة لما يقدمه هذا المركز من حيث تحسين جودة حياة المرضى وأسرهم، فيسهل على المريض في حال تعرضه لمشكلة صحية أو اجتماعية الحصول على الرعاية، ويستطيع من خلاله أن يطالب بحقوقه ويمثله بشكل شرعي، ويمكنه من الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الطبية"، مشيرًا إلى أن هذا القرار يعزز حق الحصول على العلاج والرعاية الصحية للمريض ضمن حقوق الإنسان في ليبيا.
آراء المرضى
وفي السياق، أكد مريض ضمور العضلات، محمد إبراهيم، لـ“جسور بوست”، أن هذا القرار هو خطوة جيدة في مسارها الصحيح التي ينتظرها المرضى الذين يعانون الكثير جراء هذا المرض.
وأضاف: "إذا عمل البرنامج وفق الخطة الموضوعة والمهام التي أوكلت له، وكان لوزارة الصحة وجهاز الخدمات العلاجية والجهات ذات الاختصاص الأخرى تعاون ملموس وواضح، فإن البرنامج سينجح وسيتم حل كل العقبات في الجانب الصحي للمرضى".
وتابع: "أما بالنسبة للجوانب الاجتماعية والتضامنية، فبوجود عضوين باللجنة من هذه الفئة، وتعاونهما بالشكل اللازم، سيتم تحقيق الهدف المنشود، إن رئيس اللجنة هو أحد مرضى ضمور العضلات، وهذه فكرة جيدة، إذ سيشعر أكثر بمسؤولية تجاههم".
وأردف: "لدينا في ليبيا خطة مستقبلية للمسح الجيني، وهو إجراء تحاليل جينية لكل العائلات التي لديها تاريخ مرضي للأطفال حديثي الولادة وللمقبلين على الزواج، وإذا عمل البرنامج الوطني بشكل جيد، سيكون له دور في حلحلة العديد من المشكلات المستقبلية، ويقلل عدد الحالات الجديدة للمرضى، كما سيكون له دور كبير في حل مشكلات التعليم والدراسة والعمل التي تعد من ضمن التحديات التي يعيشها المرضى".
وقال أحد المتعايشين مع مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز): “أصبت بهذا المرض منذ سنة 2000م، وأتناول العلاج المخصص لذلك، لكنني أعاني من نقص العلاج، وهذه من أبرز التحديات التي أواجهها، كما أن التحاليل غير متوافرة، ولا نتلقى رعاية صحية داخل المستشفيات”.
وتابع في تصريحات لـ“جسور بوست”: “لا نتحصل على التعليم أو عمل يُمَكِننا من مجابهة الحياة.. أضف إلى ذلك المعاملة والتمييز والوصم الذي نتعرض له في المجتمع”، مؤكداً عدم حصوله على حقوقه كمتعايش مع هذا المرض.
حقوق المتعايشين
وأوضح مدير إدارة مكافحة الإيدز بالمركز الوطني لمكافحة الأمراض، د. حسين بن عثمان، لـ"جسور بوست": موضوع الحقوق هو من المواضيع المهمة بالنسبة لنا، وعلى مستوى ليبيا بذلنا جهدًا لإرساء مجموعة من السياسات واللوائح تخص حقوق المتعايشين ورفع معاناة المواطنين من المرضى، وقد نجحنا في بعض الأمور، حيث تمكنا من عمل لائحة المأذونين الشرعيين مع وزارة العمل.
وأشار إلى أن القانون الليبي يكفل للمتعايشين العلاج المجاني والرعاية الصحية المتكاملة أسوة بباقي المواطنين، لكننا نواجه في بعض الأحيان مشكلات في التنفيذ نتيجة ضعف الإمدادات من الأدوية والمشغلات، لكن هناك خطوة جيدة جارٍ العمل على تنفيذها من خلال قرار من رئاسة الوزراء".
قوانين وقرارات في 2024
ومن ضمن القوانين والقرارات الحقوقية لعام 2024، صدر بتاريخ 19 مارس عن مجلس النواب القانون رقم (4) بشأن تعديل أحكام القانون رقم 06 لسنة 2015م بشأن العفو العام، الذي جاء بإعفاء جميع الليبيين الذين ارتكبوا جرائم خلال الفترة ما قبل 2011م وحتى صدور القانون رقم 6، وتنقضي الدعوى الجنائية بشأنها، وتسقط العقوبات المحكوم بها، والآثار الجنائية المترتبة عليها، وتُمحى من سجل السوابق الجنائية للمشمولين بهذا العفو متى توافرت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.
وصدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 11 أغسطس 2024 القرار رقم (386) بشأن منح منحة مالية لأسر ذوي الإعاقة المستديمة من مصابي حرب التحرير بعد وفاتهم، تعادل القيمة المالية التي كان يتقاضاها من الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء والمفقودين والمبتورين.. كما يستحق المنحة المقررة الأقارب من الدرجة الأولى (الأم، والأب، والزوجة، والأبناء).
وأصدر رئيس مجلس الوزراء في 8 أبريل 2024 القرار رقم (149) بشأن دعم أبناء المؤسسات الاجتماعية، وذلك بمنح نزلاء ونزيلات المؤسسات الاجتماعية التابعة لصندوق التضامن الاجتماعي فرص عمل في شركات النفط والشركة القابضة للاتصالات.
وفي المادة الثانية من القرار، تصرف منحة زواج من الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي لمن تجاوزت أعمارهم عشرين عاماً بقيمة (40) ألف دينار ليبي، وتُمنح سيارة لمن سبق له الزواج بدءا من تاريخ 15/ 04/ 2024.
وفي مايو الماضي أعلنت السلطات الليبية، تحرير ما يقارب من 200 مهاجر غير قانوني، من الجنسية الإفريقية، عثر عليهم محتجزين في منزل بمدينة الكفرة لمدة تقارب عاما كاملا.
وأصدر رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 13 يونيو 2024 القرار رقم (270) بشأن تشكيل لجنة تتكون من عدة وزارات وجهات معنية، تتولى بموجب هذا القرار وضع تصورات عملية وتقديم مقترحات حول فصل الأمهات والأطفال القصر في مراكز الإيواء بجهاز مكافحة الهجرة غير النظامية، بما يراعي خصوصيتهم ويضمن تقديم الرعاية الإنسانية لهذه الفئة.
حرية التعبير
وعلى الرغم من تحقيق ليبيا للعديد من الخطوات الحقوقية خلال عام 2024 فإن هناك العديد أيضا من السلبيات التي تنتظر حلا وتدخلا سريعا لعلاجها على رأسها قضية حرية التعبير، رغم تسجيل ليبيا تقدماً بمعدل 6 مراكز في مؤشر حرية الصحافة وفق التقرير الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" في الثالث من مايو الماضي، إذ احتلت ليبيا المرتبة الـ143 عالمياً من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة والتعبير عام 2024، بعدما كانت في المركز الـ149 عالمياً عام 2023.
ووصفت منظمة مراسلون بلا حدود ليبيا "بالبؤرة السوداء على المستوى الإعلامي"، مؤكدة أن “الصحفي في ليبيا عادة ما يجبر على خدمة طرف سياسي على حساب آخر، ما دفع بمعظم الصحفيين ووسائل الإعلام لمغادرة البلاد، مضيفة أن الصحفيين الذين اختاروا البقاء أصبح هدفهم الأساسي الحفاظ على سلامتهم من خلال العمل تحت جناح أحد أطراف الصراع، بينما أصبح من الصعب على الصحفيين الأجانب تغطية الأحداث الجارية على الأرض”.
التمييز ضد النساء وهن
أعلن وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، عماد الطرابلسي، في نوفمبر الماضي عن إجراءات واسعة النطاق من شأنها أن ترسّخ التمييز ضد النساء والفتيات وتنتقص من حقوقهن في حرية التعبير والدين والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء “شرطة الأخلاق” لفرض الحجاب الإلزامي.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها في نوفمبر الماضي إن "تهديدات وزير الداخلية بقمع الحريات الأساسية باسم (الأخلاق) يعد تصعيدًا خطيرًا في مستويات القمع الخانقة أصلًا في ليبيا بوجه الذين لا يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة. إن اقتراحات فرض الحجاب الإلزامي على النساء والفتيات من عمر تسع سنوات، وتقييد الاختلاط بين الرجال والنساء، ومراقبة اختيارات الشباب الشخصية في ما يتعلق بقصات الشعر والملابس، ليست فقط مثيرة للقلق، بل تشكل أيضًا انتهاكًا لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي”.
الإفلات من العقاب
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشر في نوفمبر الماضي، إنه “بعد أكثر من أربع سنوات على طرد جماعة الكانيات المسلحة من مدينة ترهونة الليبية، تاركةً خلفها مقابر جماعية، لا تزال العدالة والتعويضات الكافية بعيدة المنال بالنسبة للناجين وأقارب الضحايا؛ وقد اتسم حكم الجماعة بالإرهاب وانعدام الرحمة، وشمل ارتكاب عمليات قتل جماعية غير مشروعة، وتعذيب، واختفاء قسري”.
خلص التقرير، الذي جاء بعنوان “نَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ مَرَّة”.. الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الإنسانية في ترهونة، ليبيا، إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنه تم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز غير القانوني".
في خطوة نحو تحقيق العدالة، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، في أكتوبر 2024، عن إصدار مذكرات توقيف بحق ستة أشخاص بتهم تتعلق بمسؤوليتهم المزعومة عن ارتكاب جرائم حرب في ترهونة، ومع ذلك، لا يزال هؤلاء الأفراد طلقاء حتى الآن.
حقوق المهاجرين
وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في سبتمبر الماضي عن ارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء المحتجزين في مراكز الاحتجاز الرسمية داخل ليبيا إلى ما يزيد على خمسة آلاف شخص.
يُعد هذا الارتفاع نتيجة لعدة عمليات أمنية مكثفة نفذتها السلطات المحلية، خاصة في العاصمة طرابلس ومناطق أخرى، خلال الأشهر الماضية، وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط.
وأفاد تقرير صادر عن "تليفزيون الوسط الليبي"، بأن عمليات الإنقاذ في البحر المتوسط أسفرت عن إعادة ما يقارب 14 ألف مهاجر إلى ليبيا، وذلك خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.
وتعتبر ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء والمتوجهين نحو أوروبا. منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تحولت ليبيا إلى بوابة رئيسية للهجرة غير الشرعية، حيث استغل المهربون الفراغ الأمني لتهريب آلاف المهاجرين عبر البحر المتوسط.