«فورين بوليسي»: التطور التكنولوجي يهدد بتفاقم عدم المساواة بين الدول

«فورين بوليسي»: التطور التكنولوجي يهدد بتفاقم عدم المساواة بين الدول
التكنولوجيا وعدم المساواة (تعبيرية)

تشهد الاقتصادات العالمية تغييرات كبيرة نتيجة للتطورات التكنولوجية السريعة، إلّا أن هذه التغييرات قد تزيد من حدة التفاوت بين الدول المتقدمة والدول النامية.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”، الثلاثاء، يشير الخبراء إلى أن الموجة القادمة من الابتكارات التكنولوجية قد تكون عاملاً مهماً في زيادة انعدام المساواة بدلاً من الحد منه، حيث لا يستفيد منها الجميع بشكل متساوٍ.

ويعتبر الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية من القوى الجديدة التي تسهم في نمو الاقتصاد، ولكن تأثيراتها على توزيع الثروات قد تكون غير متكافئة، ففي حين أن الدول المتقدمة التي تستثمر في هذه التقنيات ستشهد نمواً اقتصادياً، فإن الدول النامية التي تواجه تحديات كبيرة في تبني هذه التكنولوجيات ستظل متأخرة.

ووفقا للمجلة الأمريكية، احتفل مؤيدو هذه التقنية بإمكاناتها في حل المشكلات العالمية المعقدة، مثل القضاء على الفقر، لكن الإنجازات في هذا المجال كانت ضئيلة جدًا، وعلى العكس، فان التفاوت العالمي مرشح للزيادة، حيث إن الدول التي تحتضن تطوير الذكاء الاصطناعي وقادرة على دمج هذه التقنيات في صناعاتها، ستشهد نموًا اقتصاديًا متزايدًا، بينما سيظل بقية العالم، الذي يواجه تحديات كبيرة في تبني هذه التكنولوجيا، بعيدًا عن التقدم.

التكنولوجيا والنمو الاقتصادي

وفقا للتقرير كان إدخال التكنولوجيا الجديدة في المجتمعات عبر التاريخ محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي، حيث صُممت التقنيات عمومًا لزيادة الإنتاجية، مثل ماكينة الخياطة أو الجرار الزراعي، التي ساعدت في تسريع إنتاج المنسوجات وزيادة غلة المحاصيل. 

ومنذ بداية القرن الحالي، أصبحت التقنيات الرقمية قوة اقتصادية فعّالة، ففي الولايات المتحدة، أظهرت دراسة في 2021 أن مساهمة الإنترنت في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت بنسبة 22% سنويًا منذ عام 2016، وأصبح الاقتصاد الرقمي الأمريكي الآن يزيد على 4 تريليونات دولار.

تأثير الذكاء الاصطناعي على النمو

يشكل الذكاء الاصطناعي قوة جديدة تدفع النمو الاقتصادي، في عام 2017، حاولت شركة PwC تحديد القيمة التي سيضيفها الذكاء الاصطناعي إلى الاقتصادات الوطنية والناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وفي تقرير بارز بعنوان "تحديد الجائزة"، توقعت الشركة أن يسهم الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 بمقدار 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي. 

على الرغم من ذلك، من المتوقع أن تحصل الصين وأمريكا الشمالية وأوروبا على 84% من هذه الفوائد، في حين سيتم توزيع الـ16% المتبقية على بقية دول العالم، مع 3% لمنطقة أمريكا اللاتينية، و6% لآسيا المتقدمة، و8% للكتلة التي تضم إفريقيا وأوقيانوسيا وبعض أسواق آسيا.

التحديات التي تواجه الدول النامية

وذكرت المجلة أنه رغم الآمال الكبيرة، هناك العديد من التحديات التي تحول دون استفادة الدول النامية من الذكاء الاصطناعي، حيث تم تطوير هذه التقنيات أساسًا في وادي السيليكون باستخدام بيانات باللغة الإنجليزية، مما يجعلها غير ملائمة في كثير من الأحيان للبيئات خارج السياقات الغربية الغنية.

تعتمد الفعالية الحقيقية للذكاء الاصطناعي على الوصول المستمر إلى الإنترنت أو التكنولوجيا المحمولة، وفي مناطق مثل إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا يمتلك سوى 25% من السكان إمكانية الوصول إلى الإنترنت الموثوق، وتشير الدراسات إلى أن النساء في إفريقيا أقل عرضة بنسبة 32% لاستخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول مقارنة بالرجال.

تعتبر التقنيات التي تعتمد على اللغة الإنجليزية هي الأكثر تطورًا، مما يجعل مخرجاتها غالبًا غير دقيقة أو غير مفيدة في سياقات غير غربية، ويتعين على المبتكرين في الدول النامية بذل جهد مضاعف لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تلائم السياقات المحلية، غالبًا من خلال إعادة تدريب النماذج باستخدام مجموعات بيانات محلية، بالإضافة إلى تجربة مستمرة مع تطبيقات محلية.

الذكاء الاصطناعي وسوق العمل

وأشارت “فورين بوليسي” إلى أنه مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات المختلفة، بدأ يتغير دور العمل البشري، بالنسبة للدول الفقيرة، قد يؤدي هذا إلى سباق نحو الحضيض حيث تصبح الآلات أرخص من البشر.

أما الوظائف التي كانت تُنقل إلى هذه البلدان بسبب تكاليف العمالة المنخفضة، فقد تُعاد إلى الدول الغنية، والأشخاص الأكثر تأثرًا بهذا التغير هم الذين يمتلكون مستويات تعليمية منخفضة أو مهارات قليلة، ما يجعل من السهل استبدالهم بالآلات.

وقد يتأثر جزء كبير من سكان البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مما يهدد قدرة هذه الدول على الازدهار.

الاقتصادات الهشة

تتهدد الطبقات المتوسطة في الدول النامية بفعل الذكاء الاصطناعي، حيث تشير تقارير البنك الدولي إلى أن ما يصل إلى 5% من الوظائف في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي قد تصبح عرضة للأتمتة الكاملة بفضل الذكاء الاصطناعي، مع تأثير أكبر على النساء.

وفي البلدان التي تعتبر إنشاء وظائف رسمية جزءًا أساسيًا من أولويات التنمية، يتوقع أن يدفع الذكاء الاصطناعي ملايين الأشخاص إلى وظائف غير مستقرة، مثل العمل المؤقت أو العمل بنظام الأجرة.

وبحسب التقرير يؤثر الذكاء الاصطناعي على السوق العالمي للعمل المؤقت بشكل متزايد، حيث يُقدر أن السوق العالمية للاقتصاد القائم على العمل المؤقت تبلغ قيمتها الحالية 500 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى ما يقرب من تريليوني دولار بحلول عام 2032.

ولفتت المجلة أن معظم العمال في هذه الاقتصادات المؤقتة، مثل سائقي التوصيل، من الدول النامية، وغالبًا ما يوازنون العديد من الوظائف فقط لتغطية احتياجاتهم الأساسية، وهؤلاء العمال يواجهون ظروفًا صعبة، حيث تنتهك حقوقهم العمالية في العديد من الدول، مما يجعلهم عرضة للاستغلال.

تفاقم التفاوت الاجتماعي

ونوهت المجلة بأنه بينما يخلق الذكاء الاصطناعي حالة من عدم اليقين للفقراء، نشهد أكبر تحويل للثروات نحو الأثرياء في التاريخ الحديث، وفقًا لتقديرات "أوكسفام"، فإن ثلثي الثروات التي تم توليدها بين عامي 2020 و2022 قد تركزت في أيدي 1% من أغنى الأفراد في العالم.

ويُعدّ أغنى هؤلاء من فئة مليارديرات التكنولوجيا الذين يمتلكون القوة والمال والنفوذ لتشكيل العوالم التي يرغبون في العيش فيها، وتعتبر شركات التكنولوجيا من بين أكبر الشركات في العالم، على سبيل المثال، تتجاوز القيمة السوقية لشركة "أبل" إجمالي الناتج المحلي لإفريقيا.

الذكاء الاصطناعي بالدول النامية

وأكدت “فورين بوليسي”، أن تطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب بنية تحتية متطورة للكمبيوترات، وهذه البنية غير متوفرة في الدول النامية، ما يخلق فجوة تقنية ضخمة، تشكل القدرة على الوصول إلى الحوسبة أحد أغلى الموارد في العالم، حيث تمتلك الدول النامية أقل من 1% من أجهزة الكمبيوتر العالمية المتطورة، في حين تمتلك إفريقيا 0.04% فقط من هذه الأجهزة.

ولفتت إلى أنه إذا استمر الوضع على هذه الحال، فإن الدول النامية ستحتاج إلى مئات السنين لمواكبة التقدم الذي تحقق في الغرب في مجال الذكاء الاصطناعي.

واختتمت المجلة التقرير بأنه من المتوقع أن تستنزف تكلفة اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي موارد الدول النامية، ما قد يؤدي إلى تقليص الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، لذا يجب على الحكومات في هذه الدول أن تكون على دراية جيدة بتأثيرات الذكاء الاصطناعي على اقتصاداتها، وأن تتخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه التحديات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية