من حنين الألحان إلى سحر الكاميرا.. كيف يعيد الفن رسم ملامح الكريسماس؟
من حنين الألحان إلى سحر الكاميرا.. كيف يعيد الفن رسم ملامح الكريسماس؟
يعود الكريسماس كل عام محمّلًا بروح الاحتفال التي تتجلى في كل زاوية، حيث يلعب الفن بشقيه السينمائي والموسيقي دورًا محوريًا في صياغة أجواء العيد، ولا تعكس الأفلام والأغاني فقط تقاليد الكريسماس، بل تعيد تشكيل وجدانه من خلال مزيج بين القيم التقليدية والتجديد العصري، مما يجعلها عنصرًا حيويًا في تجديد روح الاحتفال عامًا بعد عام.
وتلعب أغاني الكريسماس دورًا بارزًا في استدعاء الحنين وتعزيز الروابط العاطفية، ووفقًا لتقرير من منصة "سبوتيفاي" لعام 2023، تُعتبر أغنية "Silent Night"، التي أُطلقت لأول مرة عام 1818، واحدة من الأكثر استماعًا، حيث تجاوزت 600 مليون تشغيل عالميًا.
وفي المقابل، قدّمت الأغاني المعاصرة مثل "All I Want for Christmas Is You" لماريا كاري، التي حصدت أكثر من 1.2 مليار استماع، منظورًا حديثًا يدمج بين الاحتفال والإيقاعات العصرية، ويعكس هذا التوازن بين الكلاسيكية والحداثة قدرة الموسيقى على مواكبة التحولات الثقافية مع الحفاظ على جذورها.
رسائل عبر الزمن
تمثل أفلام الكريسماس ركيزة أساسية لتجديد الاحتفال، ويبرز فيلم ("It's a Wonderful Life"1946) أهمية التضحية والعائلة، ولا يزال يعرض سنويًا، مؤكدًا قيمته الزمنية.
في السياق الحديث، ويُعتبر فيلم "Home Alone" نموذجًا للنجاحين التجاري والثقافي، حيث بلغت إيراداته 476 مليون دولار عالميًا، مما يعكس جاذبيته المستمرة، ومن جهة أخرى، تُقدم أفلام مثل "Elf" رسائل تتماشى مع تعقيدات الحياة الحديثة، مما يعكس قدرة السينما على مخاطبة أجيال متجددة.
ويُظهر التأثير الاقتصادي للفن الكريسماسي مدى ارتباطه بصناعة الترفيه، ووفقًا لمجلة "هارفارد بيزنس ريفيو"، تُسهم الموسيقى الكريسماسية بنحو 15% من إيرادات الموسيقى العالمية خلال الربع الأخير من العام، ومع ذلك، يشير النقاد إلى أن تسليع الفن قد يُضعف جوهر رسائله الإنسانية، حيث تُركز معظم الإنتاجات على المظاهر المادية بدلًا من القيم الروحية والاجتماعية.
ورغم النزعة التجارية، يقدم الفن الكريسماسي نماذج ملهمة تُذكر بجوهر الاحتفال، وحققت أغنية "Do They Know It's Christmas"، التي جُمعت من أجل جهود إنسانية في إفريقيا، حققت تأثيرًا كبيرًا، حيث جمعت أكثر من 20 مليون دولار، وعلى ذات النهج، تُبرز أفلام مثل "A Christmas Carol" أهمية الكرم والإصلاح الذاتي، مما يُعيد تقديم الكريسماس كحالة وجدانية وإنسانية.
التكنولوجيا والعولمة
ساهمت التكنولوجيا في تعزيز حضور الفن الكريسماسي عالميًا، حيث تتيح منصات مثل "نتفليكس" و"ديزني بلس" مكتبات ضخمة من المحتوى الكريسماسي.
وأظهر تقرير من "ستاتيستا" عام 2023 أن 75% من مشتركي هذه المنصات يشاهدون محتوى كريسماسيًا خلال ديسمبر، مما يعكس التحولات في استهلاك الفن. كما تُعيد الموسيقى الكلاسيكية تقديم نفسها عبر تسجيلات معاصرة، مما يُسهم في توسيع نطاق جمهورها.
ويُظهر الفن الكريسماسي قوته في تجاوز الحدود الثقافية، حيث تُترجم الأغاني والأفلام إلى لغات متعددة.
دراسة من جامعة "كاليفورنيا" أكدت أن 68% من المشاهدين العالميين يرون أن الفن الكريسماسي يُعزز القيم الإنسانية المشتركة، مثل الحب والسلام، مما يجعله جسرًا للحوار الثقافي.
تجديد روح الكريسماس
وقالت الناقدة الفنية فايزة هنداوي، إن تأثير الأفلام والأغاني الكلاسيكية والمعاصرة على تجديد روح الكريسماس يحمل أبعادًا فنية واجتماعية عميقة، تتجاوز مجرد التسلية إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي تجاه هذه المناسبة العالمية، السينما والموسيقى، بصفتهما قوتين ثقافيتين مركزيتين، تلعبان دورًا محوريًا في إحياء الرمزية التي يتسم بها الكريسماس، وتحويلها إلى تجربة شخصية وجماعية تُجدد في كل موسم روح الأمل والانتماء، ففي الأفلام الكلاسيكية، نجد نمطًا سرديًا يركز على قيم العائلة والتضحية، مما يعكس احتياجات المجتمعات خلال فترات ما بعد الحرب إلى سرديات تحمل طابع التماسك والدفء الإنساني.
وقالت إن تأثير هذه الأفلام لا يقتصر على الجانب الترفيهي، بل يتجلى في توجيه المخيلة العامة نحو فهم محدد لما يجب أن يكون عليه الكريسماس: فترة استعادة العلاقات وإعادة بناء الذات، فالسينما في هذا الإطار تعمل كأداة توجيه أخلاقي وفني، تعيد صياغة القيم المجتمعية عبر لغة مرئية تخاطب اللاوعي الجمعي.
وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": أما الأفلام المعاصرة، فتقدم رؤية أكثر تنوعًا وحداثة لموسم الكريسماس، مثل The Holiday وLove Actually، وهنا يتحول التركيز من القيم التقليدية إلى التعقيدات الإنسانية المعاصرة، بما في ذلك الوحدة، والتواصل في عالم متسارع، وإعادة تعريف الروابط العاطفية. هذه الأفلام غالبًا ما تجمع بين الكوميديا والدراما بأسلوب يجعلها أكثر ارتباطًا بجمهور متغير، حيث تعكس التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه الفرد في سياق الحياة الحديثة، واللافت أن السينما المعاصرة لا تخشى مناقشة موضوعات كالضغوط الاجتماعية أو الاستهلاك المفرط المرتبط بالكريسماس، مما يضيف طبقة نقدية تثري التجربة الفنية.
وقالت إنه في الموسيقى، يمكننا رؤية تطور مشابه؛ الأغاني الكلاسيكية مثل "White Christmas" لبينغ كروسبي، و"Silent Night"، تحمل بساطة لحنية وعاطفية تجعلها خالدة، هذه الأغاني استطاعت أن تتحول إلى أيقونات موسيقية تمثل حالة الكريسماس بقدرتها على استحضار شعور الحنين للماضي، والصوتيات في هذه الأعمال تتسم بالدفء والتكرار الموسيقي البسيط، مما يجعلها قادرة على عبور الأجيال بسهولة تلك الأغاني لا تحمل فقط طابعًا موسيقيًا مميزًا، بل تعبر أيضًا عن طموحات زمنها في البحث عن السكينة وسط فوضى العالم.
وتابعت: وفي المقابل، نجد أن الموسيقى المعاصرة تعيد تشكيل علاقة المستمع بالكريسماس عبر تقديم ألوان موسيقية أكثر جرأة وحداثة أغاني مثل "All I Want for Christmas Is You" لماريا كاري، أو الأعمال الحديثة لتايلور سويفت وSia، تقدم طابعًا احتفاليًا يدمج بين البهجة الشخصية والطاقة الجماعية، التكنولوجيا الحديثة والإنتاج الموسيقي عالي الجودة يساهمان في خلق تجربة استماع تتناسب مع معايير المستمعين اليوم. ولكن، في الوقت نفسه، قد يُنظر إلى هذه الأغاني كأنها تخدم نزعة استهلاكية في بعض الأحيان، حيث تركز على الاحتفال الظاهري بدلاً من العمق العاطفي.
وأوضحت أن التطور المستمر في هذين المجالين يعكس حركة مجتمعاتنا نفسها، إذ إن لكل عصر احتياجاته الخاصة ورؤيته المختلفة عن مفهوم الكريسماس، السينما والموسيقى ليستا فقط مرآة لهذه التغيرات، بل أيضًا أداة لإعادة تشكيلها عندما يشاهد الجمهور فيلمًا حديثًا أو يستمع إلى أغنية معاصرة، فإنه يُعيد اكتشاف الكريسماس ليس فقط كمناسبة احتفالية، بل كفضاء رمزي يحمل معاني متجددة.
وقالت: أجد أن التوازن بين الكلاسيكية والمعاصرة يضيف إلى غنى التجربة الثقافية المرتبطة بالكريسماس، فالأفلام والأغاني الكلاسيكية تعمل كجذور متأصلة تربطنا بماضٍ مثالي أو على الأقل مطمئن، بينما تستمر المعاصرة في تحدي التقاليد وتجديد الخطاب الثقافي بما يتناسب مع تعقيدات الحاضر.. التأثير الحقيقي لهذه الأعمال يكمن في قدرتها على أن تكون شاهدة على التحولات الاجتماعية الكبرى، وفي الوقت نفسه، أن تظل محتفظة بروح إنسانية تجمع بين الأجيال في تجربة شعورية موحدة.
وأتمت: الفن بصيغتيه المرئية والمسموعة يعيد كتابة الكريسماس كل عام بقلم جديد، ممزوجًا بألوان تختلف باختلاف الأزمنة والأذواق، إن تأثير هذه الأعمال لا يُقاس فقط بنجاحها التجاري أو شعبيتها اللحظية، بل في قدرتها على إلهام أجيال متعاقبة لتجد في موسم الكريسماس مساحة للتأمل في القيم الإنسانية التي تُجمع عليها الثقافات، بغض النظر عن اختلافاتها.
السينما والموسيقى في حوار الأجيال
وقالت الفنانة هويدا حسن، إن تأثير الأفلام والأغاني على روح الكريسماس هو واحد من أبرز الأمثلة على قدرة الفن على إعادة تشكيل المشاعر الإنسانية وصياغة الوجدان الجمعي بطرق عميقة ومبتكرة، ولا أستطيع إلا أن أندهش من القوة السحرية التي تمتلكها هذه الأعمال الفنية لتجمع بين الأجيال والثقافات تحت مظلة واحدة من الحنين والأمل، إن هذا التأثير يتجاوز حدود اللغة والزمن، ليصبح الكريسماس نفسه تجربة حية نابضة بالفن.
وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": الأفلام الكريسماسية، خاصة تلك التي تجمع بين الكلاسيكية والحداثة، تحمل في طياتها أكثر من مجرد تسلية عابرة هي بمثابة مرآة تعكس التعقيدات الإنسانية، لكنها تفعل ذلك ببساطة آسرة تجعلها قريبة من القلوب، عندما أشاهد أفلامًا مثل It's a Wonderful Life أو Home Alone.
وأضافت: لا أرى مجرد قصص درامية أو كوميدية، بل أرى قدرتها على تجسيد معاني الأسرة، والمغفرة، وإعادة اكتشاف الذات، هذه الأفلام تستحضر ليس فقط بهجة العيد، بل أيضًا تساؤلات وجودية حول ما يعنيه أن تكون إنسانًا، وما قيمة الروابط التي نبنيها مع الآخرين.. في هذا السياق، السينما ليست مجرد وسيلة تعبير، بل هي أداة ترميم نفسي للمشاهد، تعيد ترتيب أولوياته وتفتح له نوافذ أمل جديدة.
وتابعت: الموسيقى الكريسماسية تتمتع بجاذبية مختلفة لكنها لا تقل عمقًا عن الأفلام تلك الألحان الكلاسيكية التي تحمل روح الماضي تلامس أوتار القلوب، وتعيد استحضار لحظات دفء قد تكون فقدت بريقها مع مرور الزمن، على سبيل المثال، الأغاني مثل Silent Night وWhite Christmas تترك انطباعًا لا يمحى، حيث تصبح كل نغمة وكل كلمة جسرًا يربط بين الفرد وحكايات الأعياد في طفولته.
وقالت، إنه في الوقت نفسه، تأتي الموسيقى المعاصرة مثل أعمال ماريا كاري أو مايكل بوبليه لتضيف طابعًا متجددًا إلى هذا الإرث، مما يخلق مزيجًا فريدًا بين الحنين القديم وحيوية الحداثة. هذا المزج يبرز قدرة الفن على الاستمرار والتطور دون أن يفقد أصالته، ولكن مع كل هذه العظمة، لا يخلو المشهد من نقد واجب.. إن تسليع الكريسماس وتحويله إلى موسم استهلاكي يدفع بعض الأعمال الفنية إلى فقدان جوهرها الروحي لصالح أغراض تسويقية.
وأضافت: هذا الاتجاه يضعنا أمام تساؤل عميق كفنانين: هل نُسهم في هذا التحول أم نسعى لإعادة الفن إلى جذوره الصادقة؟ عندما تصبح الموسيقى مجرد خلفية إعلانية والأفلام وسيلة لتعزيز مبيعات السلع، فإن القيمة الإنسانية للكريسماس تتعرض لخطر الانحسار.. في هذه اللحظة، يجب أن نتذكر أن الفن ليس مجرد منتج، بل هو مسؤولية.
وقالت إن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق توازن دقيق بين تقديم محتوى جذاب وشعبي وبين الحفاظ على العمق الإنساني الذي يجعل الكريسماس أكثر من مجرد مناسبة تجارية. يمكننا أن نجد أمثلة على هذا التوازن في بعض الأعمال الفنية التي اختارت توظيف الكريسماس كمنصة للتعبير عن القيم الإنسانية العالمية، أغنية مثل Do They Know It's Christmas? ليست مجرد أغنية احتفالية، بل هي صرخة تضامن تذكرنا بأن الكريسماس ليس مجرد فرحة خاصة، بل مسؤولية جماعية لنشر الخير والسلام. وبالمثل، أفلام مثل A Christmas Carol تقدم رؤية فنية تدعو للتأمل والإصلاح الذاتي، مما يخلق تجربة غنية تلهم المشاهد بدلًا من مجرد تسليته.
وأشارت إلى أن التكنولوجيا لعبت دورًا كبيرًا في جعل هذه الأعمال أكثر انتشارًا وسهولة في الوصول، منصات البث الموسيقي والسينمائي أصبحت نافذة لا غنى عنها، لكنها أيضًا تضعنا أمام تحدٍ جديد: كيف نضمن أن الوصول السهل للمحتوى لا يعني تراجع قيمته الفنية أو فقدانه لمعناه الأصلي؟ الإجابة تكمن في الاستمرار في إنتاج أعمال تعكس الواقع الإنساني بصدق وتلامس قضايا العصر دون أن تفقد جوهر الكريسماس كرمز للأمل والسلام.
وأتمت: أؤمن أن الأفلام والأغاني ليست مجرد أدوات ترفيهية، بل هي وسيط حيوي لتغيير المجتمعات وبناء جسور بين الثقافات.. فتأثير الكريسماس في الفن ليس مجرد احتفال، بل هو حوار مستمر بين الماضي والحاضر، بين التقليد والتجديد، وعلينا كفنانين أن نكون أوفياء لهذا الحوار، وأن نستخدم منصاتنا لنقل روح الكريسماس الحقيقية، تلك الروح التي تُذكِّرنا بأن الفن في جوهره هو فعل حب ومشاركة.