وجه مظلم.. معاناة الفقراء تطغى على بريق الكريسماس في شوارع أوروبا وأمريكا
وجه مظلم.. معاناة الفقراء تطغى على بريق الكريسماس في شوارع أوروبا وأمريكا
تكشف معاناة الفقراء والمشردين في شوارع أوروبا وأمريكا خلال فترة احتفالات الكريسماس عن تناقض حاد بين أجواء الفرح والبذخ التي تسود هذه المناسبات وبين الواقع القاسي لهؤلاء الأشخاص، والذين يواجهون تحديات كبيرة في مثل هذه الأوقات من كل عام.
ويواجه المشردون في شوارع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تحديات عدة خلال موسم الكريسماس، أبرزها الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، حيث يزيد الشتاء القاسي في هذه المناطق من صعوبة الحياة بالنسبة للمشردين، والذين يفتقرون إلى المأوى المناسب لمواجهة البرد.
وفترة الكريسماس عادةً ما تكون وقتًا للعائلة والتجمعات الاجتماعية، وهو ما يجعل المشردين يشعرون بمزيد من الوحدة والعزلة، ورغم التبرعات الموسمية، لا يزال الكثير من المشردين يواجهون صعوبة في الحصول على الغذاء والملابس والمأوى.
وفي ازدواجية واضحة، ترمز الأعياد مثل الكريسماس إلى الحب والعطاء، ومع ذلك فإن الفقر والتشرد يظهران فجوة اجتماعية كبيرة في المجتمعات الغربية، حيث يتم إنفاق مليارات الدولارات على الهدايا والزينة، بينما يظل الفقراء يعانون من عدم توفر الاحتياجات الأساسية.
وتقدم العديد من المنظمات المحلية والدولية وجبات مجانية، ومأوى دافئا، وملابس للمحتاجين، كما تلعب الكنائس والمساجد في الدول الأوروبية والولايات المتحدة دورًا كبيرًا في تنظيم فعاليات خيرية لجمع التبرعات وتقديم الدعم للمشردين، كما يقدم الكثير من الأفراد المتطوعين وقتهم ومواردهم لمساعدة الفقراء خلال هذه الفترة من العام.
وتمثل فترة الاحتفال بالكريسماس فرصة للتأمل في هذه التناقضات والعمل على تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث تساهم زيادة الوعي حول هذه المشكلة في حشد الجهود للتخفيف من معاناة المشردين ليس فقط في الكريسماس، ولكن طوال العام.
فروق طبقية
ويرى خبراء في الشؤون الأوروبية والغربية، أن هناك تحديات جراء أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية فرضت تفاقمًا لمشكلة معاناة الفقراء والمشردين في شوارع أوروبا وأمريكا في وقت الاحتفال بالكريسماس من كل عام.
وقالت الخبيرة في العلاقات الأوروبية والدولية المقيمة في فرنسا، جيهان جادو: "في مثل هذه الأوقات يحتفل العالم في الدول الأوروبية والغربية بأعياد الكريسماس وسط شوارع وأجواء كلها زينة وأضواء تخطف الأنظار".
وأضافت جادو في تصريح لـ"جسور بوست": "تحاول كل دولة التباهي بهذه الزينة وأن تقدم للعالم تابلوهات مختلفة ورائعة وفنية مضيئة احتفالا بتلك الأعياد، لكن على النقيض من ذلك نجد هناك مشردين ولاجئين لا يجدون مأوى أو منازل، وينتظرون هذه الأوقات حتى تنظر إليهم الدول بعين الرأفة وأن يتلقوا الدعم والمساعدات التي تحميهم من البرد القارس".
وتابعت: "رغم أن فرنسا تحاول جاهدة أن تمد يد العون لهؤلاء بمنحهم الطعام والملبس من خلال المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بحقوق الإنسان، فإن العديد من الدول في أوروبا تعاني من وجود طبقات فقيرة لا تستطيع توفير حياة عادلة لهم".
وأكدت أنه "بالفعل تبدو لنا جميعا الفروق الطبقية بين التكاليف الباهظة للاحتفالات التي تنفق على الأضواء والزينة وبين هؤلاء المتواجدين على أرصفة الشوارع أو المشردين في شوارع الدول الأوروبية والذين يعتبر أغلبهم من الدول العربية والإفريقية".
وشددت على أنه يجب على تلك الدول الأخذ بعين الاعتبار هؤلاء اللاجئين المتواجدين في الخيام في أمريكا وأوروبا والعمل على توفير حياة عادلة تتناسب مع متطلبات الحياة في أوروبا خاصة في فصل الشتاء حيث البرد القارس الذي لا يتحمله بشر، وأن يتم توفير الطعام والمال لهؤلاء مثلما يتم توفير المال للأضواء في الأعياد".
سياسات رأسمالية
ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية والروسية، الدكتور ديمتري بريجع، أن ظهور المشكلة وتكرارها يعني أن هناك فقرا وعدم مساواة في المجتمع خاصة في ظل نظم اقتصادية رأسمالية وواقع اجتماعي لا يشعر بمعاناة الآخرين.
وأضاف بريجع في تصريح لـ"جسور بوست": "نرى ذلك في الدول الأوروبية والغربية وحتى في روسيا أن هناك جزءا كبيرا من المجتمع ينتمي للطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة يعيشون حياة مختلفة تماما عن التي يعيشها أغلبية الشعب الذي يحصل على رواتب قليلة ويعاني من مشاكل اقتصادية خاصة في المناطق الريفية".
وأكد أنه في روسيا لا يوجد عدد كبير من المشردين ولكن في أوروبا هناك عدد كبير منهم، والتشرد متعلق بسياسات الدول وعوامل أخرى مثل تفكك النسيج الاجتماعي وانهيار القيم الأخلاقية وغيرها، مشددا على أن تلك المناسبات تكشف أن المجتمع الغربي والأوروبي رسم لنفسه مسارا يتضمن الكثير من المشاكل وليس فيه أدنى الحقوق الاجتماعية والإنسانية البسيطة.
غياب العدالة
وعزا الباحث الفرنسي والخبير المتخصص في الشؤون الدولية، بيير لويس ريمون، أسباب انتشار الفقر والتشرد في الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى غياب العدالة في توزيع الثروات وعدم إلغاء الديون على الدول الفقيرة، إضافة إلى عدم مساعدة البلدان الفقيرة على التطوير والتنمية.
وأوضح ريمون في تصريح لـ"جسور بوست" أن سياق العولمة الذي يحتم على المسؤولين السياسيين التركيز على إدماج كل المكونات الاجتماعية عبر العالم في السياسات الاقتصادية، أدى إلى تفاقم معاناة بعض المهاجرين إلى أوروبا وأمريكا.
وأضاف: "يجب التركيز على ضرورة أن يستفيد الفقراء من ثروات الإنتاج وأن يتم توفير المقومات الأساسية لحياة كريمة من خلال توفير مأوى وعمل وكرامة".