«فورين أفيرز»: تصاعد العنف ضد المدنيين في الصين وسط تجاهل للحقوق
«فورين أفيرز»: تصاعد العنف ضد المدنيين في الصين وسط تجاهل للحقوق
رصدت مجلة "فورين أفيرز"، تزايدًا مقلقًا في حوادث العنف الموجهة ضد المدنيين في الصين خلال العام الجاري 2024، في ظل غياب الإجراءات الحكومية لحماية الضحايا أو مساءلة الجناة، حيث شهدت البلاد أكثر من 20 هجومًا عنيفًا، تنوعت بين اعتداءات جماعية وهجمات فردية، وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 90 شخصًا، ورغم تصاعد هذه الحوادث، اتسمت استجابات السلطات المحلية بالصمت أو المعالجات السطحية.
ووفقا لتقرير نشرته المجلة الأمريكية، أمس الأربعاء، قتل في نهاية شهر سبتمبر الماضي، رجل في السابعة والثلاثين من عمره 3 أشخاص وأصاب 15 آخرين في عملية طعن داخل أحد أسواق مدينة شنغهاي، وفي أكتوبر، شن رجل في الخمسين من عمره هجومًا طعن فيه خمسة أشخاص في العاصمة بكين، تلت هذه الحوادث في 11 نوفمبر، حادثة دموية في مدينة زوهاي جنوب الصين، حيث قام رجل في الثانية والستين من عمره بدهس حشد من الأشخاص، ما أسفر عن مقتل 35 شخصًا وإصابة 43 آخرين، وهو ما يُعتبر من أعنف الهجمات الإجرامية في الصين في عقود.
وفي الأيام التالية، شهدت مدينة ووشي القريبة من شنغهاي عملية طعن جماعي نفذها طالب في الحادية والعشرين من عمره، أسفرت عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 17 آخرين في مدرسة مهنية، إضافة إلى هجوم آخر بسيارة على مجموعة من الأطفال وأولياء أمورهم أمام مدرسة ابتدائية في شمال مقاطعة هونان.
ربط المسؤولون الحكوميون هذه الحوادث بتفسيرات فردية، مشيرين إلى أن الدوافع تختلف من شخص لآخر، حيث كان السائق في هجوم زوهاي غاضبًا بسبب حكم الطلاق، بينما كان منفذ هجوم ووشي طالبًا فاشلًا في امتحاناته، لكن إذا نظرنا إلى هذه الهجمات بشكل شامل، نجد أنها تكشف عن انقسامات عميقة ومتزايدة في المجتمع الصيني، ناتجة عن الركود الاقتصادي، واللامساواة، وغياب الحراك الاجتماعي، والاستبعاد الاجتماعي، وبذلك أصبحت هذه الهجمات تُعرف باسم "الانتقام ضد المجتمع".
الدور الصيني
وجدت دراسة مقارنة نشرت في مجلة "تقييم التهديدات والإدارة" عام 2022 أن الصين كانت مسؤولة عن 45% من عمليات الطعن الجماعي في العالم بين عامي 2004 و2017، وتعود هذه النسبة العالية إلى توافر السكاكين بشكل واسع، بالإضافة إلى القيود الصارمة على الأسلحة النارية، فضلاً عن التوترات الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك الضغوط المالية الشديدة.
غالبًا ما تستهدف أعمال العنف في الصين ضحايا عشوائيين في الأماكن العامة، وتكون أحيانًا ذات طابع استعراضي، أي أن الهدف منها ليس تحقيق هدف محدد، بل جذب الانتباه الاجتماعي.
وعلى الرغم من الرقابة الشديدة التي تفرضها الدولة، فإن منظمة "تشينا ديجيتال تايمز" غير الربحية، التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًا لها، وثقت زيادة النشاط عبر الإنترنت بعد وقوع مثل هذه الحوادث، ما يعكس الاهتمام العام المكثف قبل أن تقوم الرقابة بحذف المنشورات.
تأجيج التوترات
بحسب المجلة، أدت الرقابة الصارمة التي تمارسها حكومة الحزب الشيوعي الصيني إلى تفاقم المشكلة، حيث يُعتبر العنف جزءًا من النظام الاجتماعي في الصين، ويفترض أن تُفهم الهجمات الانتقامية ضد المجتمع كاستجابة للعنف الهيكلي الذي تمارسه الدولة نفسها، بما في ذلك قمع المعارضة وفرض استراتيجيات السيطرة مثل سياسة الطفل الواحد.
وأكدت المجلة أنه غالبًا ما تكون الهجمات العامة ردود فعل على القمع، لكن المفارقة تكمن في أن الحكومة عادة ما ترد عليها بمزيد من القمع، فعلى سبيل المثال، بعد الهجوم في زوهاي، فرضت السلطات المحلية حظرًا على التقارير الصحفية.
ومنعت مراسم الحداد في الأماكن العامة، كما تم تعبئة الأجهزة القانونية والرقابية للدولة في محاولة لفرض استقرار قصير الأجل، وهو ما يُعد سمة من سمات إدارة الأزمات لدى الحزب الشيوعي الصيني.
غياب الإصلاحات
وذكر التقرير أن استمرار سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة بأسلوب مركزي يسهم في تفاقم الانقسامات الاجتماعية، ففي السنوات الأخيرة، كان الاقتصاد الصيني يعاني في تلبية تطلعات الأفراد المتعلمين بشكل متزايد.
من المتوقع أن يتم تخريج أكثر من 12 مليون خريج جامعي في عام 2025، وهو ما يشكل فائضًا ضخمًا في ظل معدل بطالة للشباب يصل إلى 18.8%، وهذا العجز في الفرص الوظيفية يعني محدودية الحراك الاجتماعي.
وأثرت أعباء العمل الثقيلة وقلة الفرص للتقدم نفسيًا على العاملين، خصوصًا الشباب، في رد فعلهم على ذلك تبنى العديد من الشباب موقفًا من التحدي الهادئ، مثل حركة "الاستلقاء" التي ظهرت في أوائل عام 2020، حيث فضلوا العمل في وظائف منخفضة الأجر أو أعمال حرة على حساب السعي وراء وظائف مرموقة، أما البعض الآخر فقد أصبح موقفه أكثر صخبًا.
الضغوط الاقتصادية
وقال التقرير إن حالة الركود الاقتصادي أججت التوترات في الصين، حيث تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي والأجور، بينما ارتفعت تكاليف الإسكان والتعليم، وقد أدت هذه التغيرات إلى زيادة حالة عدم الأمان المالي بين الشعب الصيني، مما أدى إلى تراجع آمالهم في تحقيق مستقبل مستقر ومزدهر ضمن النظام الحالي.
وساعدت الضغوط الاقتصادية في تفاقم اللامساواة الاجتماعية، حيث يسيطر أغنى 1% من الشعب على أكثر من 30% من الثروة في البلاد، في حين يسيطر النصف الأدنى من السكان على 6% فقط، هذا التفاوت يعكس صورة صارخة للتوزيع غير العادل للموارد في دولة تدعي أنها اشتراكية.
إرث العنف الحكومي
يعد إرث العنف الحكومي في الصين له دور كبير في تشكيل الوضع الحالي، فقد كانت سياسة الطفل الواحد، التي فُرضت من عام 1980 إلى 2016، قد أثرت بشكل كبير على التوازن الأسري واستخدمت أساليب قسرية، مثل التعقيم القسري والإجهاض.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة كانت قد حققت هدفها في الحد من النمو السكاني، فإنها تركت آثارًا اقتصادية واجتماعية خطيرة، بما في ذلك اختلال التركيبة السكانية وارتفاع عدد المتقاعدين الذين يعتمدون على الدولة أو أطفالهم في دعمهم، وقد تسبب ذلك في استبعاد ملايين المواطنين من الحقوق الأساسية، مما أدى إلى تفاقم مشاعر الغضب واليأس.
تعزيز المراقبة
واختتمت المجلة بالتأكيد على أنه رغم هذه التوترات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، فإن النظام القمعي المتبع من قبل الحكومة لا يزال يعزز الأزمة، ففي استجابتها للهجمات العنيفة أو أي مظاهر من الاستياء الجماعي، تعتمد الحكومة على عدة استراتيجيات أساسية، منها تعزيز المراقبة والشرطة.
وأشارت إلى أنه يتم توسيع بنية المراقبة في الصين بشكل متسارع، بما في ذلك أنظمة التعرف على الوجوه، وتصنيف النقاط الاجتماعية، والمراقبة المدعومة بالذكاء الصناعي، وتتزايد أيضًا التكنولوجيا المستخدمة في مراقبة مشاعر الجماهير مثل نظام "كشف العواطف الجماعية"، الذي يستخدمه المسؤولون لرصد الاضطرابات المحتملة.