«الإيكونوميست»: التضخم يهدد استقرار الاقتصاد البريطاني ويفاقم أعباء المواطنين
«الإيكونوميست»: التضخم يهدد استقرار الاقتصاد البريطاني ويفاقم أعباء المواطنين
شهد الاقتصاد البريطاني في العام الجاري 2024 بعض التحديات، لكنه شهد أيضًا مفاجأة إيجابية تمثلت في انخفاض التضخم بوتيرة أسرع من توقعات معظم المحللين، حيث انطلق التضخم من خانة العشرات في أوائل عام 2023، لكنه تراجع بحلول أبريل 2024 إلى 2.3%، وهو ما يزيد بنسبة طفيفة قدرها 0.3 نقطة مئوية عن الهدف الذي حدده بنك إنجلترا.
ووفقا لتقرير نشرته "الإيكونوميست"، أمس الاثنين، استغل رئيس الوزراء آنذاك، ريشي سوناك، هذا الانخفاض وأعلن عن انتخابات صيفية مُفاجئة في 22 مايو، مُرجعًا الفضل في هذا التراجع إلى سياسات حكومته، لكن الناخبين كان لهم رأي آخر، حيث ألحقوا به هزيمة كبيرة في الانتخابات بعد ستة أسابيع.
التضخم يُثير القلق
وواصل التضخم انخفاضه ليصل إلى 1.7% بحلول سبتمبر الماضي، لكن مع اقتراب عام 2025، بدأت تظهر مؤشرات مقلقة، حيث عاد مُعدل التضخم للارتفاع مُسجلاً 2.6% بحلول نوفمبر الماضي (وهو آخر شهر نُشرت بياناته).
وعكست هذه الزيادة جزئيًا تقلبات أسعار الغذاء والطاقة التي أثرت على المؤشرات الرئيسية، لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو بدء ارتفاع مجموعة من المؤشرات الأخرى التي تخضع لمُراقبة دقيقة، أو توقفها عن الانخفاض عند مُستويات أعلى من 2%.
وبرز التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المُتقلبة، كأحد أهم المؤشرات، حيث انخفض مُعدل التضخم الأساسي السنوي بشكل ملحوظ في النصف الأول من عام 2024، لكنه ظل يتأرجح حول 3.5% منذ مايو.
ويُعتبر المُعدل الأساسي مُؤشرًا أفضل من التضخم الرئيسي للاتجاهات المُستقبلية، نظرًا لأن أسعار الخدمات والسلع التي يقيسها (مثل قصات الشعر والسيارات والإيجار) تتحرك بوتيرة أبطأ من أسعار الوقود والمواد الغذائية.
توقعات سلبية
أصبح من الواضح أن الأُسر والشركات لم تعد تتوقع انخفاضًا كبيرًا في التضخم، وأوضحت استطلاعات بنك إنجلترا أن الشركات تتوقع رفع الأسعار بنسبة 3.8% خلال العام المُقبل، مقارنة بنسبة 3.3% في استطلاع أغسطس.
وأظهرت استطلاعات البنك المركزي وسيتي بنك وGfK، وهي شركة أبحاث سوقية، ارتفاع توقعات المُستهلكين للتضخم خلال الأشهر الـ12 المُقبلة.
وازداد القلق من ارتفاع التضخم على المدى الطويل، أشارت تقديرات شركة بانثيون الاقتصاد الكلي، بعد تعديل استطلاع بنك إنجلترا بسبب تغير في أسلوب أخذ العينات خلال فترة الوباء، إلى أن توقعات التضخم لمدة خمس سنوات تقترب من أعلى مُستوياتها منذ بدء الاستطلاع قبل 15 عامًا.
ويُعتبر ارتفاع توقعات التضخم على المدى الطويل من أكبر المخاوف لدى مسؤولي البنوك المركزية، حيث يُمكن أن تُؤدي الارتفاعات قصيرة الأجل إلى خروج الوضع عن السيطرة إذا لم تثق الأُسر والشركات في استقرار التضخم بالقرب من هدفه.
استمرار التضخم
كشفت البيانات أن التضخم لم ينخفض بشكل كبير في بعض القطاعات، فلا تزال الإيجارات تشهد ارتفاعًا بمُعدلات قياسية، بينما انخفض التضخم في الخدمات الأخرى غير الإسكان، لكنه انخفض تدريجيًا ومن مُستوى مرتفع.
ولا تزال الأجور، التي تُؤثر في النهاية على أسعار المُستهلك، ترتفع بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبل الوباء، يُضاف إلى ذلك احتمال حدوث بعض التباطؤ في سوق العمل، لكن من الصعب تحديد حجمه بدقة بسبب عدم الثقة في الاستطلاع الرسمي الذي تستند إليه أرقام البطالة بعد انخفاض مُعدل الاستجابة له خلال الوباء.
وتركز الانخفاض السابق في التضخم بشكل أساسي في أسعار السلع، يُعزى ذلك جزئيًا إلى التحركات العالمية في أسعار السلع والمصنوعات المُتداولة عالميًا مع تعافي سلاسل التوريد المُرهقة من آثار الوباء، كما دفعت ظروف الإغلاق أسعار بعض السلع إلى مُستويات مُبالغ فيها، حيث لجأ الأشخاص المُحاصرون في المنازل إلى شراء المزيد من السلع الاستهلاكية.
وكان من المُتوقع حدوث بعض التصحيح في الأسعار، لكن بعد مرور عدة سنوات، بدأ تضخم أسعار السلع في الارتفاع مرة أخرى، يُضاف إلى ذلك احتمال تأثير أي حرب تجارية عالمية جديدة، مثل تلك التي بدأها دونالد ترامب سابقًا، على سلاسل التوريد العالمية.
تأثير الإنفاق الحكومي
يُتوقع حدوث صدمة تضخمية أخرى في عام 2025 نتيجة للإنفاق الجديد الذي وعد به حزب العمال في أول ميزانية له في أكتوبر، تركز الاهتمام حتى الآن على الزيادات الضريبية، لكن وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، زادت الإنفاق المُخطط له بما يُقرب من ضعف الضرائب، مع تعويض الفجوة بالاقتراض.
وسيبدأ هذا الإنفاق الإضافي في التأثير على الاقتصاد خلال العام المُقبل، حيث تُقدّر هيئة مسؤولية الميزانية أن هذا التحفيز يُمكن أن يرفع التضخم بمقدار 0.4 نقطة مئوية في عام 2025.
وازداد الوضع تعقيدًا مع تباطؤ النمو الاقتصادي إلى الصفر في الربع الثالث من عام 2024، بعد أداء قوي في النصف الأول من العام، يُثير ذلك شبح الركود التضخمي، بعد عقد من النمو الضئيل، يُمكن فهم رغبة وزيرة الخزانة في تحفيز الاقتصاد، لكن صراعًا جديدًا مع التضخم، حتى لو كان بمُستوى أقل، سيُزعزع استقرار الاقتصاد.