«بنات+ 30».. أرحام تحت الوصاية وجه آخر للتمييز في مصر

«بنات+ 30».. أرحام تحت الوصاية وجه آخر للتمييز في مصر
صورة المحررة متخفية أثناء إجراء التحقيق الميداني

كإنسان، هل تقبل بأن يُشترط لعلاجك موافقة مكتوبة من شخص غيرك كوصي على جسدك؟

بين حق الفتيات في العلاج وواقع الوصاية، نكشف عن مشكلاتنا كفتيات ثلاثينيات، عن الألوان التي نرغب في زيارتها قبل أن يمر بنا العمر، عن السماء التي نحلم بالبحث في غيماتها عن طيور الجنة.

في بلادي، تُوضع أرحام النساء على هامش الحقوق، بسبب شرط الوصاية، حيث لا تعالج الفتيات أرحامهن إلا بموافقة مكتوبة من ولي ذكر.

أنا المحررة، ثلاثينية وجسدي مسرح المعركة، بدأ الأمر منذ 3 سنوات حين واجهتُ تشخيصًا بورم ليفي في الرحم، اكتشفت التقييد صدفة أثناء رحلة علاجي، دفعني ذلك للبحث عن مشكلات مثيلاتي، وكيف تُعرِّض الوصاية حياة الثلاثينيات المصريات للخطر وأحلامهن بالأمومة للإجهاض، بسبب شرط وُلِدَ من عُرف لا قانون.

شرط أشبه بجرس يذكرني دائمًا بأن جسدي لا يُعد ملكًا لي في هذه اللحظة الفاصلة، لا أستطيع وقف آلمه ولا بيدي قرار علاجه.

ماذا لو لم يكن هناك أب؟ ماذا لو لم أكن أختًا لرجل؟ ماذا لو كنت امرأة اضطرت لشق طريقها بمفردها، وهل ذلك ما يكفله الدستور المصري لمواطنيه وما تكفله مبادئ حقوق الإنسان للمرأة؟

الإجابة لنقيب الأطباء المصري، الدكتور أسامة عبدالحي تلخص الأمر، فلسنا من أولويات الصحة المصرية، ففي مكالمة هاتفية تمتلك "جسور بوست" دليلها، عقب سيادته: "ليس لديّ فكرة، هذه أمور إدارية وقانونية في الدولة أعتقد، هل معقول إذا فتاة ذهبت للمستشفى مع والدتها (ميوفقوش)، ليس لدي فكرة، يمكنك الحديث مع آخرين واتركينا للمسائل الكبيرة كالمسؤولية الطبية، نحن في أزمة، ليس لدينا وقت لمواضيع مثل هذه -يقصد الوصاية- جميع المواضيع هامة لكن في النقابة لدينا أولويات ومسؤوليات ملحة وهناك ترتيب للأولويات". 

لنقص الحكاية على مهل.

بداية.. العلاج حق أم رفاهية؟

بدون صحة، الحياة مجرد حالة من الضعف والمعاناة، بل صورة للموت، ولذا وضعت الدساتير وشُرِعَتْ القوانين التي تحفظ على الإنسان حياته وصحته، ومنها الدستور المصري، وتنص المادة "18" منه على أن لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.

لم يكتفِ المشرع المصري بحق العلاج للمرأة والرجل دون تمييز، ولكنه وضع قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018 والذي كفل حصول جميع المصريين ومنهم المرأة على العلاج بالمجان لغير القادرين.

نزيد من الشعر بيتًا، لقد صدقت مصر على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لتعزيز مساهمة المرأة في الحياة العامة والسياسية، فقد وافقت على الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" والتي وقعت عليها مصر عام 1980 وصدقت عليها عام 1981، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتحدّد التزامات الدول في القضاء على التمييز وتحقيق المساواة الفعلية، ولا تتناول الاتفاقية القوانين التمييزية فحسب، بل تتطرق أيضاً إلى الممارسات والعادات التمييزية. 

وهنا نواجه ثغرة، فالقوانين المصرية على كثرتها لم تنص صراحة على حق المرأة وحريتها في اتخاذ قرارها في علاج أمراضها التناسلية بحرية واستقلالية، الأمر الآخر رغم وجود نص دستوري إلا أن العرف سبق القانون وكان أقوى، ما يطرح تساؤلًا: أين المراقبة والمساءلة مما يحدث؟

يتضح الأمر بمقارنة قوانين بعض الدول العربية، تونس مثالًا وفقًا للقانون 31 لعام 2017 والقانون لعدد 69 لنفس العام، تعطي المرأة صراحة الحق في حرية اتخاذ القرارات الصحية المتعلقة بالجسد دون الحاجة لموافقة طرف آخر.

ووفقًا للبوابة القانونية للمغرب، فإن القانون رقم 34-90 والذي تم تعديله عام 2015 من القانون المغربي يعطي المرأة حرية القرار في ما يتعلق بإجراءات جراحة الرحم في الأمراض التناسلية كالأورام الليفية.

وعالميًا تقر المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالحق في الصحة، إذ تنص على أن لكل شخص حقا في مستوى معيشة، يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والعناية الطبية.

ووفقًا للتعريف الوارد في التعليق العام رقم 14، أوردت بعض التقارير ما نصه: الحق في الصحة هو حق شامل، وهو لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية المناسبة وفي حينها فحسب، بل يشمل أيضًا المقومات الأساسية للصحة، ويشمل "إمكانية الوصول، المقبولية، الجودة، المشاركة، المساءلة".

المرأة المصرية في أرقام

في بلادنا العربية، البيانات الإحصائية تعادل الهواء أهمية وتناقضه وفرة، فهل من الطبيعي عند اطلاعك على أحدث التقارير الصحية لوزارة الصحة والسكان للعام 2024 والذي جاء تحت عنوان" مصر في أرقام" الصحة 24، لا تجد إحصائية لعدد المصابات بأمراض صحية رحمية، أو عدد المتوفيات منه، فتضطر لملاحقة المسؤولين عبر هواتفهم ومكاتبهم؟

وللحصول على إحصائيات محدثة لارتفاع سن زواج الفتيات أو تعداد الفتيات فوق الثلاثين، واجهتني مشكلة توافر المعلومات، وباللجوء مباشرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعطوني تقارير قديمة آخرها يعود للعام 2017، ومنها استخلصت ما يلي: تشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى زيادة ملحوظة في سن الزواج المتأخر للفتيات في الأعوام السابقة، حيث بلغ عدد الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد 35 عامًا حوالي 11 مليونًا.

ووفقًا لتقارير مختلفة عن نفس الجهاز، يختلف متوسط سن الزواج بين المناطق، مع تسجيل الحضر أعلى نسبة بـ38% مقارنة بالريف، وتسجل النساء الحاصلات على مؤهل جامعي أعلى نسبة تأخر سن الزواج  بـ5.8%، كما ارتفع متوسط سن الزواج الأول من 23.7 سنة في 2010 إلى 24.9 سنة في 2019، وفي عام 2017، كانت نسبة التأخر في الحضر 2.4% مقابل 6.2% في الريف، كما أظهرت البيانات أن 3.9% من الفئة العمرية 35 سنة فأكثر لم يسبق لها الزواج وعلى مستوى المحافظات، كانت النسبة الأقل في بني سويف بنسبة 1.6%، ما يعكس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق المختلفة في مصر.

وفي تقريره لعام 2024، أوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن النساء يشكلن حوالي 51.5 مليون نسمة من إجمالي السكان في مصر، بنسبة 48.6%.

أمراض الرحم وخطورتها

أيها الحر خلف حائط المرض، صفق لنا، سنكشف عن نسوة يخبرهن الألم كل مساء: النوم ليس جيدًا في هذه الظروف ولكن إغلاق ضوء الغرفة إجراء سليم.

سيكون الأمر منطقيًا إذا علمت أنه ووفقًا لدراسة أميركية النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضةً للوفاة المبكرة.

وفي تصريحات خاصة، أكد استاذ أمراض النساء و التوليد والعقم أحمد خيري مقلد - جامعه عين شمس، على أن تأخر سن الزواج، له تداعياته، وتأخر الحمل إلى جوانب عوامل وراثية، يزود فرص الأورام الليفية وأمراض الرحم.

ليس هذا فحسب، كتب باحثون في "المجلة الطبية البريطانية" أن الحالتين الشائعتين بين النساء مرتبطتان بمخاطر أكبر، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، لكن تأثيرهما على احتمال الوفاة قبل سن السبعين لا يزال غير واضح، حسب وكالة "رويترز".
وكشفت وزارة الصحة والسكان المصرية عن خطورة الإصابة بسرطان عنق الرحم، مؤكدة في تقرير رسمي لها لعام 2023، أنه من أصعب السرطانات التي تصيب السيدات حيث تصل نسب الوفيات به إلى 63%، ويجب الكشف المبكر.

وتعد النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 35 و44 عاماً هن الأكثر عرضة للإصابة به، إلا أن أكثر من 15% من الحالات الجديدة هي للنساء فوق سن 65 عاماً.

خطوات التقصي

حفزتني تجربتي للتقصي، للكتابة عن آلام فتيات مدينتي، عن إحساسي أن يدي رغم اعترافي بتعدد استخداماتها فإنها لا تقوى على درء الأذى بتوقيع، أو ليس بذي فائدة واعتبار.

ولمعرفة ما إذا كانت المشكلة عامة أم خاصة بمستشفى بعينها ترددت لشهور على أكبر 10 مستشفيات حكومية، في 5 محافظات من القاهرة الكبرى إلى صعيد مصر، تحت دعوى أنني مواطنة عادية تريد إجراء جراحة لإزالة الورم.

كما إرادتي المقيدة، خضع جسدي للفحوصات والتحاليل، وعند الخطوة الأخيرة ودخول غرف العمليات لتؤجل الجراحة باشتراط جميع المستشفيات موافقة مكتوبة من ولي الأمر الرجل.

في تجربتي لم يكن الأمر يسيرا، ففي الريف حيث ولادتي وفي المدينة حيث أعيش، تربيت وكذلك بنات جيلي على أن هناك مكانين محرمين لا يمكن للفتاة دخولهما "عيادة النساء وأقسام الشرطة"، هما وصمة عار، ومثار للقيل والقال، ويعني أن الفتاة تواجه عيبًا يقلل من فرصتها في الزواج، ترى هل واجهت أخريات ما واجهته؟

لتعميق التجربة، شاركتنا 6 فتيات تجاربهن ورحلة علاجهن داخل أروقة المستشفيات الحكومية المختلفة، وكيف أخر شرط الموافقة علاجهن ووضعهن فريسة للضغوط النفسية والعصبية.

كذلك تم استطلاع رأي إلكتروني لـ52 فتاة ثلاثينية تعاني من أمراض رحمية، إلى جانب استطلاع رأي ميداني لأمهات وآباء وفتيات، كما دشنا صفحة على الموقع الشهير"فيسبوك"، تحمل اسم "بنات + 30"، عدد متابعيها تجاوز ألفي متابع، في تجربة تفاعلية تعكس بعضا من الرأي العام بين مؤيد ومعارض، وكانت النتائج لافتة.

كذلك تولى النائب أحمد قناوي بمجلس الشيوخ عقد جلسة لفريق من حزب العدل لرفع دعاوى عاجلة في البرلمان المصري والمطالبة بحل الأزمة في القريب العاجل.

ويطرح التحقيق تساؤلًا: متى ستبقى أرحام النساء تحت وصاية التوقيع؟ ويوصي التحقيق بضرورة تعديل تشريعي يؤكد حق المرأة في اتخاذ قرارها الطبي بنفسها سواء أكان إجراء جراحة رحمية أو غيرها، ومواجهة العرف بالقانون، وتدريب الكوادر الطبية والتمريض على احترام حقوق النساء، وتفعيل الرقابة والمساءلة، وإنشاء منصة للشكاوى خاصة بالنساء المتضررات.

 تجربة ميدانية في 10 مستشفيات

يقال يقاس مدى وصول الأكسجين للمجتمعات عن طريق فتياتها، ولذا كانت رحلة التقصي داخل المستشفيات.

توجهت إلى 10 مستشفيات متنوعة جغرافيًا كمحاولة لفهم النمط العام بعيدًا عن التحيز المكاني، موزعة على 5 محافظات "القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، المنيا، القليوبية".

وهي مستشفيات متخصصة تابعة لوزارة الصحة والسكان أو التعليم الجامعي "القصر العيني، الجلاء، المنيرة، الشاطبي، المنيا الجامعي، الشيخ زايد المركزي، 6 أكتوبر التخصصي، منشأة القناطر المركزي، القناطر الخيرية المركزي".

إخفاء هويتي أمر محسوم لإتمام التقصي بسلاسة وللحصول على نتائج حقيقية، بدأت بمستشفى المنيرة بمنطقة السيدة زينب القاهرة.

استغرقت التجربة 4 زيارات في أوقات متفرقة، بدأتها بالحصول على تذكرة ثمنها 10 جنيهات، بها كان لي حق الوقوف في طابور طويل من النسوة للكشف الأولي في العيادات الخاصة، وبعد الكشف واطلاع الطبيب على حالتي، طلب مني أشعة سونار وبعض التحاليل، ذهبت بعدها للخزنة أسدد ثمن تلك الفحوصات لأقف في طابور طويل آخر، أتممت الفحوصات وغادرت في انتظار الفرج.

حين حصولي على النتائج كان الكشف النهائي، وأمام الطبيب وقفت أشرح حالتي ومطالبي، تحدث بهدوء أتقنه في رحلة تعامله مع أعداد كبيرة تمر به يوميًا، لاستشارات لا تتراوح مدتها 3 دقائق ليخبرني بتلقائية بضرورة إحضار والدي لكتابة الموافقة على الجراحة، اعترضت بأن ذلك يُعد انتهاكًا لحق المرأة في تقرير مصيرها الطبي، حيث إنني بالغة راشدة أمتلك الأهلية والقانون يدعم موقفي في الاكتفاء بتوقيعي، ابتسم الطبيب وقال: "مش لازم نبقى مستقلين أوي كدا"، ثم برر موقفه بأنه من الوارد أثناء الجراحة تطور الوضع الصحي بما يستدعي استئصال الرحم، هنا لا بد من موافقة ولي الأمر الذكر، فقلت ألا تستطيع الفتاة التوقيع على هذا الأمر قبل إجراء الجراحة أيضًا والاكتفاء بذلك؟ ابتسم وعاد لمرضاه.

وحده الحمار لا يغير آراءه، ولذا أخبرت نفسي أن الأمر ربما كان خاصا بهذا المستشفى، لن أطلق الأحكام فلربما غيرت فكرتي مستشفى أخرى.

ولكن وعلى مدى شهور، كررتُ التجربة في المستشفيات المستهدفة، كانت الإجراءات واحدة من حيث الكشف والفحوصات، الاختلافات بسيطة من حيث أسعار التذاكر، والتي تتراوح بين 10 و25 جنيها، كذلك أسعار السونار والتحاليل وأنواعها.

كذلك اختلفت المستشفيات في إمكانيات إجراء الجراحة، فبعضهم أخبرني بأن الجراحة ستكون بفتح البطن وستترك أثرًا، فيما حدد البعض الآخر المنظار كوسيلة أفضل وتتوفر لديهم، وبعضهم رشح لي مستشفيات أخرى كعلاج أولي هرموني للورم الليفي وهذا بالطبع لا يقتضي موافقة، وفي حالة إصراري على الجراحة كان الرد معلبًا وجاهزًا بضرورة موافقة وهي تعليمات إدارية يفضل مناقشتها مع الإدارة.

كان السؤال الملح طوال رحلتي داخل أروقة المستشفيات، إذا كانت هذه الإجراءات ليست قانونية؟ لماذا لا تُحترم حقوق المرأة في تقرير مصيرها الطبي في مصر؟

قصة نهال مع معركة الأمل والعلاج

في مجتمع يصف المرأة بأنها نصفه، لكنها وفي حالة تولي أمر علاجها بنفسها يعاملها على أنها نصف قرار.

أثناء البحث في محيط الصديقات والتردد على المستشفيات، التقيت حالات مشابهة في السن والعمر مع اختلاف المرض الرحمي وتأثيره.

كانت المقابلة الأولى مع نهال محمد "اسم مستعار"، 33 سنة تعاني من مشكلات بطانة الرحم المهاجرة وتكيس المبايض، واجهت الأزمة  بتفاصيلها وزيادة.

تقول نهال بصوت متهدج: "البداية كانت في عام 2013، كنت أعاني ألمًا غير طبيعي قبل وأثناء الدورة الشهرية، ترددت على زيارة العديد من الأطباء، كانت أمي عند تسجيل اسم المريض تكتب اسمها هي لا أنا، حيث إن ذهاب الفتاة إلى طبيب النساء عيب، وإن مشكلتي محرجة يتم التستر عليها جاهدين، عُولجت بالمسكنات، تم تشخيصي بـ"تكيسات شكولاتة"، وأوصى بضرورة استئصال على الفور وإلا حدث تسمم في الدم حالة انفجارها.

 تتنهد وتتمالك نفسها ثم تستكمل: "بالفعل فتح الطبيب الرحم قيصريًا وتم تخديري تخديرًا نصفيا، واستغرقت العملية حوالي 3 ساعات كنت أتابع ما يحدث، ليتضح فيما بعد أن الطبيب أغلق الجرح ولم يحل المشكلة ما تسبب في مضاعفات خطيرة".

بحزن دفين تردد: "تسببت نظرة المجتمع لي في البحث عن طبيب قاهري، وأعطاني أدوية منعت الدورة الشهرية حيث إنها تتلاعب بهرمونات الأنوثة، ومنذ 13 عامًا ولا يزال الوضع مستمرًا وعندما أجرب وقف الأدوية أنتكس".

وعن الأزمة وكيف انتهى الأمر، تقول نهال: تم تشخيصي بضعف المبيضين وضرورة إجراء إما جراحة عاجلة أو تجميد البويضات، لم أستطع إجراء الجراحة بسبب اشتراط موافقة ولي الأمر في المستشفيات الحكومية، ولارتفاع التكلفة في المستشفيات الخاصة، الآن يمر بي العمر وأشعر أن حياتي توقفت، لا أدرى هل سأتزوج وأنجب أم لا.

بين فكي السرطان والوصاية المشروطة

خياران كلاهما مر، وقعت بينهما صباح أحمد 39 عاما، آنسة توفي والدها وتركها هي وأختين ليس لهما أخ ذكر، حرمهن عمهن من الميراث لأنهن إناث والإناث لا تورث، ما تسبب في مشكلات وصلت للتقاضي، يقطن العم في محافظة أسيوط بينما تقيم هي في الهرم محافظة الجيزة، تقول: حرمنا ميراثنا ونحن في أشد الحاجة له، هل سيوافق على التوقيع لإنقاذي من مرض أصابني؟

وقبل أن أسرد حالتها حدث أن تحدثنا كثيرًا وجهًا لوجه وعبر الهاتف، في جميع المرات كانت تبدو صلبة مطمئنة لا تكترث، تسرد التفاصيل لي بكوميديا سوداء، وبعد موافقتها على التسجيل معنا قالت سأقرر ما الذي سأفصح عنه وأرسل لك التسجيل على "واتساب".

بعد أسبوع أرسلت لي تسجيلا مدته تجاوزت 10 دقائق، نصفه ويزيد مجرد همهمة غير مسموعة أو مفهومة، تنم عن توتر وكأن شفتيها تعجزان عن الحديث، وعدتني أن ترسل بديلًا عنه.

في الجزء المفهوم أخبرتني أنها تعاني منذ سنوات من مرض "بطانة الرحم المهاجرة"، يتسبب لها بألم كبير ونزيف حاد يستوجب تدخلا جراحيا لا تستطيعه، فالمستشفيات الخاصة أسعارها مرتفعة والحكومية تتطلب ولي أمر لا تملكه.

تقول في تسجيلها بصوت شجي: "لقد أخبرني الطبيب بمستشفى 6 أكتوبر أنني معرضة لإصابتي بالسرطان لو لم يتم علاجي، هذا غير إعاقته للإنجاب، الآن أكافح في الحياة وأمري بين يدي الله".

داليا تكافح تكيس المبايض وشبح اللحية الرجالية

حالة أخرى تشبه ظروف صباح، غير أن المرض "تكيس مبايض" والعمر 35، والعرض آلام وتهديد الإنجاب وتشوهات في الوجه بظهور شعر الذقن كما لو كانت لحية رجل.

تقول داليا وحيد -اسم مستعار- الهم واحد نعاني ولا حياة لمن تنادي، المستشفيات تهتم بتأمين ذاتها من غضب أب أو أخ حال إذا ما فشلت الجراحة، ولكن ما ذنب من لا يملك خيارًا؟

تتابع الحديث: "أذهب لمراكز التجميل شهريًا لعمل ليزر لوجهي بعدما فشلت الأدوية في علاجي وأحتاج لجراحة متوقفة على موافقة أبي الراحل عن الحياة منذ 8 سنوات، الأمر استنزفني ماديًا وأرهق روحي وتسبب لي في اكتئاب، كنت ألزم البيت بالأسابيع تحاشيًا أن يراني أحد بهذا الوضع، خاصة أنني عانيت فترة من البطالة.

تأجيل الحياة والموت تحت سطوة العرف

في حديث ثلاثي مشترك بيني أنا المحررة وبين اثنتين من المترددات على المستشفيات الحكومية، سميرة 50 عامًا تقول: "ليس هناك عيب في توقيع ولي الأمر الذكر، ولكن ماذا لو لم يكن موجودا أو كان موجودا ورفض تحسبًا للمجتمع، هذا ما حدث معي، اكتشفت أنني أعاني أوراما رحمية وتكيسات تستدعي تدخلا جراحيا، وقرر أبي تأجيل العملية لحين زواجي، وكنت وقتها 29 عامًا، وتسرب الخبر وأخر ذلك زواجي لما بعد 33، عانيت بسبب النزيف والأنيميا التي بسببها تم نقل دم لي مرة ومحاليل حديد مرتين، وبعد زواجي قمت بإجراء الجراحة في مستشفى القصر العيني الجامعي ووقع زوجي بالموافقة، لكن أرى والدي كان محقًا، فالمجتمع لا يرحم والحمد لله تزوجت وأتابع الآن مع المستشفى وأموري جيدة".

الحالة الثانية في الحوار كانت تدعى جميلة، لم تكن تختلف عن صباح لا في معاناتها ولا في رضائها لما فعله والدها معها، فالمرض ليس وحده ما تخشاه الفتيات على حد قولها، وتم إجراء الجراحة لها بنفس المستشفى "القصر العيني الجامعي".

استطلاع "إلكتروني" يكشف عن تأثير الوصاية الاجتماعية والصحية على الفتيات فوق الثلاثين

كخطوة أساسية يقتضيها التقصي، تم استطلاع رأي إلكتروني، لـ52 فتاة فوق سن الثلاثين موزعات بين مدن كبرى ومدن صغرى ومناطق ريفية، حصلن على تعليم متفاوت بين تعليم ثانوي وجامعي ودراسات عليا، جميعهن عانين أمراضًا رحمية، وجميعهن وقف شرط الوصاية بينهن وبين علاجهن.

التأثير الصحي والاجتماعي والوصاية

وأظهرت نتائج الاستطلاع، أن 58.8% من المشاركات يعانين مشكلات صحية مرتبطة بالرحم ويتابعن الطبيب بانتظام، بينما 40.4% يعانين المشكلات نفسها دون متابعة الطبيب.

وفي سؤال عن تأثير هذه المشكلات على حياتهن اليومية أظهرت النتائج أن 88.4% عانين وبشكل كبير، فيما أوضح أن 7% عانين بدرجة أقل، والنسبة المتبقية بين ضعيف والنفي.

وأظهرت النتائج أن 94.2% طلب منهن توقيع ولي الأمر الذكر لإجراء جراحة بالرحم، بينما وزعت النسبة المتبقية بين "لا، ومحايد" وأوضحت ما نسبته 78.85 أن الشرط تسبب في تأخير العلاج، بينما 17.3% تسبب الشرط في ازدياد الضغوط النفسية.

وباكتساح أغلبية عظمى بلغت 96.8% رفضن اشتراط توقيع ولي الأمر الذكر ووجدنه شرطا غير مبرر، بينما وزعت النسبة المتبقية وهي أقل من 4% بين "أراه ضروريًا في بعض الحالات، ونعم بكل تأكيد".

التأثير الاجتماعي والنفسي

ولا يقف الأمر عند حد رفضهن له، بل ترى 96.2% من المشاركات أنهن يعانين ضغوطًا مجتمعية ويؤثر تأخر الزواج على متابعتهن لحالتهن الصحية، وأن 78.8% يواجهن إحراجًا شخصيًا أو مجتمعيًا عند زيارة الطبيب.

وأظهرت 96.1% أنهن يعتقدن أن تأخر الزواج يزيد من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بمشكلات الرحم، وأظهر الاستطلاع أن 21.2% لا يحصلن على دعم عائلي في التعامل مع مشكلاتهن الصحية الرحمية، و46.2% يحصلن على دعم محدود، و30.3% مدعومات بشكل كبير.

التوصيات

وأبان الاستطلاع أن نسبة 76.9% يعتقدن أن تقليل الوصمة الاجتماعية يمكن من خلالها تحسين وضع النساء غير المتزوجات فوق الثلاثين صحيًا، بينما اعتقدت 15.4% أن تحسين أوضاعهن قد يتم من خلال توفير مراكز طبية متخصصة، وتوزعت النسبة المتبقية بين "تنظيم حملات توعية، وتقديم استشارات نفسية".

ومن التعليقات التي كتبتها الفتيات المشاركات كانت هناك توصيات نصها يدور حول وجوب الدعم القانوني والنفسي والمجتمعي وحل أزمة العلاج كان منها:

"لا بد من ضبط عملية علاج الفتيات للرحم، لأنهم يشترطون شروطًا صعبة إلى جانب أن المجتمع يحتاج إلى توعية"، "من المهم وضع قوانين داعمة لحق المرأة في الإنجاب والعلاج".

"الأعراف لدينا أشد من القوانين، والأعراف مجحفة للمرأة، إذا ما توافرت قوانين تنظم العرف وتوعي المجتمع يكون أمرا عادلا نحتاج إليه جميًعا ونطالب بحدوثه لحماية حقوق البنات".

صفحة فيسبوك "بنات +30"

في عالم يشيح بوجهه عن وضع مفروض على النساء، ولدت صفحة "بنات +30" على "فيسبوك" دشنتها خصيصًا لاستكمال خطوات التحقيق، ولتكون أكثر من مجرد منصة رقمية، هي ميكروفون بلا قيود، يتيح للفتيات التعبير عن أنفسهن بعيدًا عن أعين الرقابة المجتمعية.

الصفحة لا تستهدف فقط الفتيات، وإنما الرجال أيضًا، لتشكل منصة تفاعلية للجميع.

وبخطاب يدعم حقوق الفتيات، استطاعت الصفحة جذب أكثر من ألفي متابع، طارحة تساؤلات حول شرط موافقة ولي الأمر الذكر، وكان مما طرح تدوينات كاستطلاعات رأي حول صحة المرأة الإنجابية والتناسلية وغيرها.

وأثير الحديث عن إمكانية اعتبار الولاية العلاجية حماية، أم انتهاكًا لحقها في اتخاذ قرارات تخص جسدها، وإلى أي مدى يمكن أن تعيق هذه الشروط وصول النساء إلى الرعاية الصحية؟ وكيف تؤثر على استقلاليتهن وحقهن الطبيعي في التحكم بأجسادهن ومستقبلهن؟

آخر التدوينات حظيت بمناقشة واسعة، وبلغ أعلاها 736 إعجابا، و155 تعليقا وتمت مشاركته 11 مرة.

وجاءت التعليقات مختلفة بين مؤيد ومعارض، كان منها ما يؤكد اشتراط التوقيع ولو على أسرة العمليات، ولو توقفت الجراحة، ما يعكس انتشار الأمر وقوته ولو تعرضت حياة المريضة للخطر: "عندك حق يعني أنا كنت في العمليات، وحصل مشكلة لأن الطبيب رفض إجراء العملية إلا بتوقيع زوجي، وجوزي كان سبني وغادر، وعرضت على الطبيب أن أوقع حتى يأتي زوجي، وعملت العملية وزوجي كتب توقيعه فور عودته للمستشفى".

النقاش كان قويًا ولافتًا، وكتبت هاجر السمادوني "الولي على المرأة نفسها، وبالتالي لها الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات التي تخصها، ولا يوجد نص قرآني يقول إن الذكر ولي للمرأة بأي حال".

وكتب أشرف حيدر "يعد انتهاكًا على حقها فلا وصاية على امرأة في شدة".

النقاش لم يكن خاليًا من المعارضة، فكتب خميس مصطفى "هذا حق يراد به باطل"، وحاجته مريم فتحي وكتبت: "هذا حقنا الأساسي، العلاج والإنجاب مش رفاهية"، وكتبت مرنا عاطف "كل جزء في جسم المرأة يخصها وبقرارها".

وبتعجب واستنكار كتب أيمن محمد "معقول الكلام ده لسه موجود إلى الآن".

ولا يزال النقاش مستمرًا والاختلافات والمطالبات والتنديدات، ترى هل يستجيب لها مسؤول؟

May be an image of text

ماذا قال الآباء والأمهات؟ استطلاع ميداني

الحكاية التي تأتيك ناقصة لم تُروَ في الوقت المناسب، فإذا أخبروك أن البنت ضي عين أبيها، اسأله إلى متى؟

في استطلاع رأي ميداني لآباء وأمهات حول شرط الولاية كانت الإجابات منوعة بين رافضة بشدة ومؤيدة.

كان أول استطلاع لأب من محافظة الفيوم، يدعى سعودي الحداد، رفض معالجة ابنته إذا ما عانت أمراضا رحمية قبل الزواج قائلًا: "لا للعلاج بعد الزواج، ولو حياتها توقفت على إجراء الجراحة تموت وربك يجيب أحسن منها"، في رفض تام للمساس برحم الفتاة قبل الزواج ولو تعرضت حياتها للموت.

وللأمهات رأي آخر مندد بالوصاية، تقول سما السقا والدة لفتاة ثلاثينية: "ماذا لو عانت الفتاة من أمراض رحمية مع غياب الأب أو وفاته أو سفره، ماذا لو كانت هناك خلافات عائلية تمنع موافقة العم، هل نترك الفتاة للموت؟ ليس بمنطقي، هذا عرف وأدعو لتغييره كما غيرنا الختان، كان في البداية رفض مجتمعي تعارض منعه واستطعنا من خلال القوانين وحملات التوعية التخلص من تلك المشكلة".

وعن رأيها عبرت زينة أحمد، أم لـ3 فتيات منهن من هي فوق الثلاثين، عن استيائها من شرط الولاية متسائلة: أين حق الفتاة، أليست مسؤولة عن حياتها؟ هي تستطيع ولاية ذاتها واتخاذ قرارها، كما أن الفتيات لديهن غريزة الأمومة فلمَ لا يتم علاجهن أو توفير حلول لهن كتجميد البويضات؟

القانون المصري بلا وصاية

وقال أستاذ القانون الجنائي المصري، مصطفى سعداوي، إنه ليس من صحيح القانون القول بتعليق العمل الطبي للأنثى على شرط موافقة الأخ أو الأب، وفي حالة ما إذا طلب الأب إجراء عمل طبي على الأنثى ولو برضاها يعد جريمة ومنها ختان الإناث، ولذا أقول أن التصريح الكتابي للأب بمباشرة بعض الأعمال الطبية لا سند له في القانون، ولا يوجد في اجتهادات محكمة النقض المصرية أو التأصيل الفقهي ظل لذلك.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، المشرع المصري لم يعط تفويض للأب، بل أنه في أحيانًا اتخذ من تدخل الأب في إجراء بعض الأعمال الطبية على الأنثى محلا للعقاب، وفرض عقوبة السجن على مثل هذه التصرفات، فأسأس إباحة العمل الطبي للفرد أسباب كثيرة ليس من بينها موافقة الأب أو الإبن أو الزوج، وليس من بين ذلك العرف الطبي وأدرجه في حالات بعض العمليات الخطيرة التي قد يترتب عليها الوفاه، إحاطة أهالي المريض بخطورة العمل الطبي، وهو إجراء ربما يكون الغرض منه التحذير من الخطورة ويشمل الذكر والأنثى.

وأتم، إذا وجب التدخل الفوري بضرورة العمل الطبي، فإن الضرورة العلاجية تبيح للطبيب التدخل فورًا، وقعوده عن التدخل وممارسة العمل الطبي يُعد جريمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية