"حين يُسجن الفن".. اعتقال المخرجة مينا مشهدي يهز الوسط الثقافي الإيراني

"حين يُسجن الفن".. اعتقال المخرجة مينا مشهدي يهز الوسط الثقافي الإيراني
المخرجة الإيرانية مينا مشهدي

في إحدى زوايا طهران القديمة، كانت المخرجة والفنانة الإيرانية مينا مشهدي مهدي تنسج صور الواقع وتحوّله إلى أعمالٍ بصرية توثّق تفاصيل الإنسان الإيراني في تقلباته الحياتية. 

وفي مشهد واقعي أكثر قسوة من أي فيلم وثائقي، اختفت هي نفسها عن الأنظار، بعدما اقتادتها قوات الأمن الإيرانية من منزلها في ظروف غامضة، لتتحوّل من مخرجة تبحث عن الحقيقة، إلى ضحية جديدة في سجل طويل من القمع الثقافي، بحسب ما ذكر موقع "إيران‌ واير"، اليوم الخميس.

لم تكن تلك المرة الأولى التي تعتقل فيها السلطات الإيرانية فنانًا أو مخرجًا، لكنها كانت صفعة مدوّية للأوساط الثقافية، نظرًا لما تمثّله مينا من رمزية إنسانية ومهنية. 

وفقًا لعائلتها، دخلت قوات الأمن منزلها في طهران، أبلغوا زوجها المخرج حسن نقاشي أنها ستعود في نفس اليوم، لكن مرت ساعات وأيام دون أن تعود، ودون أي توضيح رسمي عن مكان احتجازها أو التهم الموجهة لها.

يقول أحد أصدقائها: "لم يكن لديها سوى كاميرا، وصوت داخلي يدفعها للحقيقة. لكن في هذا البلد، حتى الحقيقة تُجرّم".

أفلام توثّق نبض الشارع

عرفت مينا مشهدي مهدي بأنها ممثلة ومخرجة سينمائية نشطة في مجال السينما الوثائقية، وكانت أعمالها تحاكي تفاصيل الحياة اليومية للإيرانيين، وتسبر أغوار الهويات الهامشية والقصص التي تخشى السلطة أن تُروى. 

من بين أعمالها المميزة، كان الفيلم القصير "سوشیوس" الذي شاركت فيه بصفتها ممثلة، إضافة إلى عدد من الوثائقيات الاجتماعية التي حصدت جوائز محلية ودولية، وشهادات تقدير من مهرجانات داخل إيران وخارجها.

لم تحمل أفلام مينا طابعًا سياسيًا مباشراً، لكنها -كما يصفها النقاد- كانت "صوتًا خافتًا للحقيقة، يزعج الصمت الرسمي". وربما لهذا السبب أصبحت هدفًا للأجهزة الأمنية.

قمع الفن باسم الأمن

يمثّل اعتقال مينا مشهدي جزءًا من حملة أوسع تطول الفنانين والمثقفين في إيران، خصوصًا منذ احتجاجات عام 2022، حيث تعرض العشرات من الممثلين والمخرجين والكتاب للملاحقة والاعتقال بتهم فضفاضة تتراوح بين "التحريض على الفتنة"، و"الإضرار بالأمن القومي". لكن في معظم الحالات، تكون التهمة الحقيقية هي الفن المستقل.

وتُظهر التقارير الحقوقية أن الممارسات القمعية ضد المثقفين أصبحت ممنهجة، إذ تُستخدم أدوات الدولة الأمنية لإخراس كل صوت يعكس صورة مغايرة للراوية الرسمية. ووسط هذه العتمة، لم تسلم حتى السينما الوثائقية من الملاحقة، رغم كونها انعكاسًا صادقًا للواقع.

وسط الصمت الرسمي داخل إيران، بدأت الأصوات الحقوقية في الخارج تُعلي نداءاتها. فقد عبّرت منظمات معنية بحرية التعبير عن قلقها من اعتقال مينا مشهدي، معتبرة أن "توقيفها دون مذكرة قانونية أو توجيه تهم واضحة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي".

وأطلق فنانون إيرانيون في المهجر حملة تضامن عبر مواقع التواصل، حملت وسم #الحرية_لمينا_مشهدي، مطالبين بالإفراج عنها فورًا، ومنددين بما وصفوه بـ"خنق الصوت الثقافي في الجمهورية الإسلامية".

حين يُسجن الفنان

تشير هذه الحادثة إلى أعمق من مجرد اعتقال فرد، إنها انعكاس لصراع أوسع بين الإبداع والرقابة، بين الحرية والخوف، ففي كل مرة يُعتقل فيها فنان، يُطعن الوجدان الجمعي، وتُحاصر الذاكرة البصرية للأمة.

كانت مينا تمسك بالكاميرا لترى، وتسجّل، وتحلم، أما الآن، فثمة كاميرات أخرى، لا توثق، بل تراقب وتكمّم، وفي غيابها، تبقى الأفلام شاهدة على زمنٍ يُراد له أن يُنسى، لكنها -كصاحبتها- تقاوم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية