«لماذا غادرت لوس أنجلوس؟».. عالم مناخ يروي قصة الهروب من جحيم الكوارث البيئية
«لماذا غادرت لوس أنجلوس؟».. عالم مناخ يروي قصة الهروب من جحيم الكوارث البيئية
كتب بيتر كالماس، عالم المناخ ومؤلف كتاب “كن التغيير.. عش حياة جيدة وأشعل ثورة مناخية”، مقالًا مؤثرًا، شارك فيه تجربته الشخصية التي دفعته إلى مغادرة لوس أنجلوس بسبب التدهور البيئي المتسارع.
تحدث كالماس في مقاله المنشور على صحيفة “نيويورك تايمز”، الجمعة، عن شعوره بالغضب والحزن العميقين أثناء متابعته للحرائق المدمرة التي اجتاحت ألتادينا، المنطقة التي كانت موطنه لمدة 14 عامًا، وأدت إلى تدمير أو إتلاف أكثر من 5 آلاف مبنى، واصفًا المشهد بـ"الجحيم على الأرض"، وشبه ما حدث بأحداث رواية الخيال العلمي البارابولا الصاعدة لأوكتافيا باتلر، والتي توقعت أزمات بيئية مشابهة.
يستعرض كالماس في بداية المقال تفاصيل حياته في ألتادينا، وهي بلدة صغيرة تقع بالقرب من باسادينا تُعرف بأنها "السر الأفضل حفظًا" في لوس أنجلوس، حيث عاش بين مجتمع مترابط وسكينة الطبيعة.
وصل كالماس إلى ألتادينا عام 2008 للعمل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في الفيزياء الفلكية، واستقر فيها مع عائلته في منزل هادئ مزود بشجرة أفوكادو ضخمة، عاش حياة بسيطة وملهمة وسط الطيور البرية وأجواء البلدة الحالمة، وبدأ يرى فيها جنة على الأرض.
تغير المناخ
ولكن منذ تلك السنوات الأولى، كانت مخاوف كالماس بشأن تغير المناخ تتزايد، حيث بدأ يراقب آثار ارتفاع درجات الحرارة واشتداد الجفاف، وهو ما دفعه في عام 2012 إلى ترك مجال الفيزياء الفلكية وتحويل مسيرته المهنية إلى علوم المناخ، حيث حصل على وظيفة في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا.
ولم يقتصر عمله على الأبحاث العلمية، بل انخرط في العمل المجتمعي من خلال تنظيم ندوات توعية حول أزمة المناخ، وتأسيس مبادرات بيئية، وتربية الدجاج والنحل كجزء من حياته اليومية في ألتادينا.
ومع مرور السنوات، أصبحت الأزمة المناخية جزءًا لا يتجزأ من حياته الشخصية، وفي عام 2020، خلال موجة حرارة شديدة، عانى كالماس لأول مرة من الإجهاد الحراري، الذي أعقبه اندلاع حريق بوبكات الضخم بالقرب من منزله.
وعلى الرغم من أن الحريق لم يصل إلى منطقة سكنه بشكل مباشر، فإن الدخان الكثيف غطى البلدة لأسابيع، مما أثر على صحة عائلته النفسية والجسدية، يصف كالماس تلك الفترة بأنها نقطة تحول كبرى في حياته، حيث أدرك أن لوس أنجلوس لم تعد مكانًا آمنًا.
مغادرة مكان الأحلام
في عام 2022، عندما عُرضت على زوجته فرصة عمل في دورهام بولاية كارولينا الشمالية، قررت العائلة مغادرة ألتادينا، كان قرارًا مؤلمًا، حيث تركوا خلفهم منزلهم الذي وصفه كالماس بأنه "مكان الأحلام"، وتركوا أيضًا ذكرياتهم، من الكنيسة التي شهدت حفلات موسيقية لأبنائه إلى المتاجر والمقاهي التي كانت جزءًا من حياتهم اليومية.
ورغم انتقاله إلى ولاية جديدة، يوضح كالماس، أن أزمة المناخ أصبحت مشكلة عالمية لا تقتصر على مكان واحد، فحتى دورهام لم تكن بمنأى عن آثار الكوارث المناخية، حيث ضرب إعصار هيلين الجزء الغربي من الولاية، بينما اجتاحت الحرائق مناطق في هاواي عام 2023، وشهدت منطقة الشمال الغربي موجة حر قاتلة في 2021.
يصف كالماس شعورًا عامًا بأن "الأمان أصبح وهمًا"، حيث لم تعد هناك مناطق محصنة ضد آثار التغير المناخي، ويشير إلى أن الكلفة الحقيقية للكوارث المناخية تتجاوز الخسائر المادية، إذ تؤثر بشكل عميق على حياة الناس ونفسياتهم.
عواقب الانبعاثات
ويتوقع كالماس أن تتزايد الكوارث المناخية من حيث الحجم والتكرار مع استمرار اعتماد العالم على الوقود الأحفوري، ويلقي باللوم على شركات النفط والغاز والفحم، التي يشير إلى أنها كانت على دراية كاملة منذ خمسين عامًا بتأثيراتها الكارثية، لكنها اختارت تضليل الناس وعرقلة جهود الانتقال إلى طاقة نظيفة.
يختتم كالماس مقاله برسالة دعا خلالها إلى التحرك الفوري لمواجهة الأزمة، قائلاً: "لن يأتينا أحد لإنقاذنا.. الأمر يتطلب منا جميعًا أن نغضب بما يكفي لتحويل هذا الغضب إلى طاقة تغيير.. فقط عندما ندرك حجم الخسائر التي تسبب بها المستفيدون من هذه الأزمة، سيصبح الغضب قوة تغيير جذرية، كتلك الرياح الشديدة التي تؤجج الحرائق".