بين تمويل ضعيف وضغوط سياسية.. هل ينجح لبنان في إصلاح ما دمرته الحرب؟

بين تمويل ضعيف وضغوط سياسية.. هل ينجح لبنان في إصلاح ما دمرته الحرب؟
آثار العدوان الإسرائيلي على لبنان

حتى لو وضعت الحرب بين لبنان وإسرائيل أوزارها، فإن معاناة سكان جنوب لبنان لن تنتهي قريباً، فقد دمرت إسرائيل عشرات الآلاف من المنازل خلال الحرب، ما أسفر عن تسوية مدن وأحياء كاملة بالأرض، وبينما يأمل سكان القرى المنكوبة في العودة إلى ديارهم، يواجهون واقعاً مريراً يتمثل في دمار واسع النطاق يمنعهم من تحقيق هذا الحلم في المستقبل القريب.

ويحذر الخبراء من أن إعادة الإعمار قد لا تكون سهلة، إذ تبرز مؤشرات دولية تنذر بصعوبات في تأمين التمويل اللازم، ويتوقع أن تواجه عمليات إعادة الإعمار عراقيل عديدة، ما يضع عشرات الآلاف من النازحين أمام مستقبل مجهول، وتزيد هذه التحديات من تعقيد الوضع الإنساني، خاصة وأن حجم الدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة يفوق دمار حرب 2006 بمرتين ونصف.

ووفقاً لتقديرات الخبراء، فإن عملية إعادة الإعمار قد تستغرق 4 سنوات على الأقل، إذا توفرت الموارد المالية واللوجستية اللازمة، ومع ذلك، فإن غياب خطة واضحة لإعادة بناء المناطق المتضررة يثير قلق النازحين الذين يفتقرون إلى مأوى دائم أو ضمانات للعودة إلى حياتهم الطبيعية.

الإعمار بين البناء والترميم

ولإحصاء ما تم تدميره خلال الحرب ومنح التعويضات للمتضررين، بدأت إحدى المؤسسات غير الحكومية حملة للكشف على المنازل والتعويض عن الأضرار على مستوى لبنان.

وقال الكاتب السياسي الدكتور قاسم قصير، "إن ملف التعويضات كبير جدا ويشمل 350 ألف وحدة سكنية ما بين إعادة بناء وترميم"، مبررا التعويضات المالية المتواضعة التي يحصل بعض الناس بالقول "قد تحصل مشاكل أو أخطاء وهناك آليات معتمدة لتصحيح الأخطاء".

وعلمت "جسور بوست" من مصدر مطلع أن "المؤسسة ستوفر المبالغ المستحقة كاملة قبل نهاية شهر يناير الحالي".

وأعلن وزير الأشغال العامة والنقل، علي حميّة، عن انتهاء ملف رفع الأنقاض وبدء مسح الأضرار في المناطق المتضررة من العدوان الإسرائيلي على لبنان، مؤكداً أنّ رفع الركام دخل مرحلة التنفيذ. 

وأشار حمية إلى أنه جرى دفع مبلغ 900 مليار ليرة (10 ملايين دولار)، إلى اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، ومثلها إلى مجلس الجنوب، و500 مليار ليرة (5 ملايين دولار)، للهيئة العليا للإغاثة من أجل رفع الأنقاض.

من مالك إلى مستأجر

وقال شاب يدعى علي، وهو قريب أحد اللبنانيين الذين دمرت منازلهم، "أحد أقربائي يعيش في الغربة منذ أكثر من 20 سنة، وقد عمل بجهد من أجل شراء منزل له في لبنان، لقد دفع فيه نحو 200 ألف دولار على الأقل، عدا عن الأثاث والتعديلات التي أجراها على المنزل خلال سنوات طويلة، ولكن المنزل دمر بالكامل".

وأضاف "بكم سيتم تعويضه من الجهات المعنية؟ هناك أناس رأيناهم يشتكون من ضعف التعويضات، فمثلا، من دفع 200 ألف دولار لشراء لبيت، إن عوضوه بـ100 ألف دولار، فإن ذلك لن يكفيه".

وتابع في حديث مع "جسور بوست"، أن "الجهات غير الرسمية تعوض المتضرر بمبلغ لكي يستأجر منزلا لسنة، فهل من المعقول أن شخصا ما كان يعيش في منزل يملكه، بات مضطرا للبحث عن مكان آخر وأن يبدأ من الصفر، علما أن هناك استغلالا من مالكي الأبنية لرفع أسعار الإيجار، وهذه مشكلة أخرى تحتاج إلى حل".

وأعلن حزب الله، كجهة غير حكومية، في وقت سابق أنه بصدد تأمين مبالغ ما بين 4000 و6000 دولار كبدل إيجار سنوي لكل من فقد منزله، و8000 دولار بدلا عن الأثاث المفقود.

أما نسرين، وهي من سكان محيط بيروت والتي نزحت إلى العاصمة مع الاستهدافات الإسرائيلية لمنطقتها، فقالت "خلال الحرب نزحنا كعائلة إلى منطقة الحمرا في بيروت، وسكنا مع أسرة عمي شقيق والدي، في منزل يملكه قريب لنا مهاجر إلى كندا، ومع انتهاء الحرب، عاد عمي إلى بيته كونه لم يتضرر وأما نحن فما زلنا بعيدين عن البيت".

وأضافت في حديث مع "جسور بوست"، "بعد توقف المعركة ذهبنا إلى البيت وكانت الكارثة. فصحيح أن البيت لم يدمر، ولكنه متضرر، الأثاث مدمر والزجاج محطم وكله هذا يحتاج إلى تكاليف، لقد سمعنا أن هناك لجانا تكشف وتحدد نسبة التعويضات، ولكن أيضا يقال إن التعويضات قليلة، حتى الآن لم نتلق شيئا، ولكن نأمل أن يكون التعويض جيدا، فحالنا مثل حال الشعب اللبناني المتعب اقتصاديا".

التعويض مسؤولية الدولة

وقال أمين صندوق بلدية كفرحمام الجنوبية، حسيب عبدالحميد، إن "كل البيوت في البلدة فيها أضرار، ولكن يوجد 47 موقعا بين وحدة سكنية ومزرعة ومحل متضررة بشكل كلي.. والبلدة تعتبر منكوبة بسبب ما تعرضت له من التدمير الكبير".

وأضاف عبدالحميد، في حديث مع "جسور بوست"، "ليس هناك تقديرات لقيمة الخسائر، كون أن هناك صعوبات في الإحصاء، فالجيش يَمْنع الدخول إلى القرية.. خاصة أن الموضوع بحاجة لأخصائيين ومهندسين".

وشرح عبدالحميد حال بلدة كفرحمام هذه الفترة، قائلا إن "واقع البلدة المهدد من قبل العدو الإسرائيلي لم يفسح المجال أمام عودة المواطنين إليها، إلا قلة قليلة فضلت العودة، على أن تبقى في مراكز الإيواء أو خارج البلدة لعدم قدرتها المادية".

وتابع "مما لا شك أن الأزمة ستطول على الذين فقدوا منازلهم أو تضررت بشكل كبير وهذا ما سيكبدهم أعباء كبيرة خارج البلدة، إذ سيتسبب ذلك في العجز عن متابعة أرزاقهم ومورد رزقهم التي بدورها تتأخر لسنوات بإعادة دورة الإنتاج".

وأضاف عبدالحميد، أن غياب المسوحات من الجهات الرسمية وغير الرسمية يُعقد الأمور "وهذا ما يؤجل التقديمات المالية المفترضة والمخصصة للإيواء أو التعويضات سواء من خلال الأحزاب أو الدولة".

وفي وقت يناشد الدولة القيام بإجراءات استثنائية لدعم أبناء كفرحمام والوقوف إلى جانبهم، يؤكد عبدالحميد "مسؤولية الدولة عن ملف الإعمار ودعم مواطنيها".

وبحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة فإن نحو 124 ألف شخص ما زالوا نازحين في مناطق مختلفة في لبنان.

الشروط السياسية عائق 

أشارت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري، إلى أن "حق السكن واجب على الدولة من منطلق شرعة حقوق الإنسان".

وقالت "الزهيري"، في حديث مع "جسور بوست"، "يجب إيجاد مراكز إيواء أو تأمين بيوت جاهزة للذين تركوا منازلهم قسرا كون أننا على أبواب الشتاء والثلوج".

وعن ربط الإعمار بشروط دولية ترى الزهيري أن "شروط إعادة إعمار لبنان مرتبطة بعامل سياسي.. خاصة أنه كان مطلوبا من لبنان أن ينجز شروطا معينة للإصلاحات التي اشترطها البنك الدولي.. إلى جانب العزلة الدولية التي خضع لها لبنان بسبب الأزمة الداخلية التي أثرت على علاقاته الداخلية والخارجية".

وترى الزهيري أنه "لا يمنع في مثل هذا الوضع إعادة النظر في تلك الإصلاحات، نظرا للوضع المأساوي -اجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا- الذي يمر به لبنان، بحيث يكون هناك تعاطف من قبل الدول المانحة".

وقالت الزهيري، إنه “بعد أن تمر هذه الفترة على خير سنلحظ إعادة إعمار كبيرة جدا، خصوصا أن نسبة الدمار التي مر بها لبنان لم يشهدها من قبل في تاريخه، ولكن هذا يحتاج إلى وقت، إلا أن عدم رفع العزلة الدولية عن لبنان سيتطلب وقتا طويلا قبل أن نخرج من هذه الأزمة”.

عملية الإعمار بدأت

وقال الباحث السياسي، الدكتور قاسم قصير، "إن الحديث عن وجود ضغوط أمريكية لعرقلة الإعمار قد يكون صحيحا، لكنها حتى الآن لم تبرز بشكل واضح، وإن عملية الترميم والإعمار بدأت بغض النظر عن الموقف الأمريكي".

وحول ما إذا كانت الدولة اللبنانية قد تلقت طلبات بعدم تلقي الأموال من إيران، قال قصير، في حديث مع "جسور بوست"، إنه "حتى الآن لا يوجد موقف رسمي حول رفض قبول المساعدة الإيرانية، والأموال الإيرانية وصلت وبدأ توزيعها".

ووفق الأرقام، فإن كلفة الأضرار المادية المباشرة للحرب على لبنان هي  نحو 8 مليارات دولار، وقالت وسائل إعلام لبنان إن عدد الوحدات السكنية المدمرة كلياً في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت بلغ 9000 وحدة و6000 في البقاع و5000 شمال الليطاني و22 ألف وحدة في القرى الحدودية مع فلسطين، علما أن الجهات، غير الحكومية، التي تقوم بالكشف أوضحت أن عدد الوحدات التي كشف عليها وصل إلى 242201 وحدة. 

الحكومة تحاول الاقتراض

وكشف نائب رئيس الحكومة، الوزير سعادة الشامي، عن أنه "بعد دخول وقف إطلاق النار، بدأنا بالعمل على مشروع قرض طارئ من البنك الدولي، ووضعنا ما يسمى بالورقة البيضاء لكي نحدد ما هي الأمور المهمة التي يجب أن نعالجها، على أمل أن نبدأ بعملية التعافي والبناء في أقرب وأسرع وقت ممكن، ولكن لكي نقوم بذلك يجب أن نقوم بتحديث الأرقام حول الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية التي نتجت من جراء الحرب، ونتوقع أن يَصدر تقييم عاجل للأضرار والاحتياجات خلال فترة شهر".

وحول قدرة الدولة على إعادة الإعمار، أوضح الشامي، في حديث مع "جسور بوست"، أن "الكل يعلم أن الحكومة اللبنانية ليس لديها الإمكانات المادية لكي تقوم بعملية الإعمار كاملة"، مضيفا "بالتأكيد الحكومة ستساهم في بعض الأمور، إلا أن إعادة الإعمار ستكون مكلفة جدا، ولبنان ليس لديه الإمكانات لتوفير هذه الأموال في الوقت الحاضر، ومع ذلك هناك مساهمة من قبل الدولة، حيث تم إقرار مبلغ 4000 مليار ليرة من أجل رفع الردم الذي نتج عن العدوان".

وتابع "سنحاول مع البنك الدولي، لإنشاء صندوق ائتماني للمانحين المتعددين، لكي نوفر منحا، وليس قروضا، من الدول من أجل المساعدة في إعادة الإعمار".

وحول تخوف بعض البلدان من عدم الشفافية في توزيع أموال إعادة الإعمار، أشار الشامي إلى تجربة توزيع المساعدات خلال الحرب، قائلا "لقد جرى توزيع مساعدات عينية عبر هيئة الطوارئ الحكومية، وكان هناك شفافية تامة، وكل المعلومات كانت متوفرة على الموقع الرسمي، وكان معروفا إلى أين تذهب المساعدات".

وأضاف أنه "خلال عملية إعادة الإعمار سيكون هناك شفافية مطلقة، خاصة أنه إذا أسس البنك الدولي الصندوق، فسيكون هناك شفافية لكي يعرف الجميع أين تذهب الأموال وعلى ماذا تصرف، خاصة أن البنك الدولي سيكون المشرف على هذا الصندوق مع الحكومة، هذا أمر هام جدا بالنسبة لنا".

وكانت مصادر في مصرف لبنان قد قالت في تصريح لصحف لبنانية، إنه لا قدرة للمصرف المركزي "على تقديم دولار واحد لإعادة الإعمار المقدّرة نفقاتها بعشرات مليارات الدولارات، لأنّ المركزي في هذه الحالة سوف يعطي ما لا يملكه، ومن الأفضل أن تقوم السلطة ببحث هذا الأمر مع المجتمع الدولي".

ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 90 ألف ليرة لبنانية.

تجارب سابقة غير مشجعة

بدوره، أشار المحامي والناشط الحقوقي، الشريف سليمان، إلى أن "أي دعم مربوط بشروط سياسية هو مرفوض، فالسيادة والكرامة الوطنية لا تتجزأ ولا تباع أو تشترى".

وحول ما إذا كان هناك خشية من توزيع أموال إعادة الإعمار مستقبلا بناء على المحسوبيات، قال سليمان في تصريحات لـ"جسور بوست"، إنه “بناء على التجارب العديدة السابقة مع مؤسسات الدولة المحكومة، فلا ثقة بإدارة ملف إعادة الإعمار من قبل المنظومة”.

وتابع: "نأمل أن تقوم الدول المهتمة بإعادة الإعمار، بأن تتعهد قطاعا ما، أو بلدة محددة حسب الميزانية المرصودة، وتلتزم بإعادة الإعمار مباشرة من خلال شركات من قبلها يقبضون منها مباشرة، على غرار ما حصل بعد 2006، بحيث تستطيع تلك الدول الإتيان بشركات والقيام بمحاسبة تلك الشركات مباشرة".

وبينما يذكر بأن الدولة لا تملك أموالا لإعادة الإعمار، يرى سليمان، أن "الدولة تريد أن تشحذ أموالا على حساب الشعب الذي تهدمت منازله، لكي تسرق جزءا وتبني بالجزء الآخر منها".

الأمم المتحدة ملتزمة مع لبنان

وأشار منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، عمران رضا، في تصريحات صحفية إلى أن الأمم المتحدة "ملتزمة تمامًا بتكييف استجابتها مع الوضع المتطور ومواصلة دعم الحكومة على كافة المستويات".

وأضاف "أن شعب لبنان يستحق أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة، فهو يستحق الفرصة لإعادة بناء حياته وسبل عيشه، والمساهمة في مجتمعاته، وتمهيد الطريق بشكل جماعي للسلام الدائم والتنمية".

وأعلنت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية تمديد العمل بالنداء الإنساني العاجل للبنان بطلب تمويل إضافي قيمته 371.4 مليون دولار أمريكي. 

ويهدف التمديد الذي يغطي فترة 3 أشهر من ديسمبر 2024 حتى مارس 2025، إلى دعم مليون شخص من النازحين والمهجّرين والفئات الأكثر تضررًا من الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة واستعادة الخدمات الأساسية الحيوية للمجتمعات والمناطق المتأثرة، في مواصلة لجهود الاستجابة للأزمة الإنسانية المستمرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية