«الإيكونوميست»: السياسات قصيرة الأجل وراء ارتفاع حجم الدمار بلوس أنجلوس
12 ألف مبنى مدمر و24 ضحية نتيجة الحرائق
شهدت مدينة لوس أنجلوس حرائق مدمرة التهمت الأخضر واليابس، مخلفة وراءها دمارًا هائلًا وأرقامًا صادمة؛ أكثر من 12 ألف مبنى تحولت إلى رماد، وفقد 24 شخصًا حياتهم في مشهد مأساوي أثار القلق والتساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء تفاقم الكارثة.
وأشارت مجلة "الإيكونوميست" في تقرير لها، الاثنين، إلى أن السياسات البيئية قصيرة النظر لعبت دورًا رئيسيًا في تضخيم حجم الدمار، وأوضحت أن تلك السياسات لم تتعامل بجدية مع مخاطر التغير المناخي وزيادة الجفاف، إلى جانب التحديات التي فرضها الانتشار العشوائي للنباتات القابلة للاشتعال في المناطق الجبلية.
وقالت لوري بيلوتا: "رأى زوجي وهجًا على التل"، مشيرة إلى موقع كانيون إيتون في باسادينا، وهو مكان شهير للتنزه، وأضافت أثناء وصفها لما حدث في 7 يناير: "في بضع ثوانٍ فقط، كبرت النيران حتى وصلت إلى طولي، ثم اشتعل الجبل بأكمله بالنيران.. كانت ألسنة اللهب في كل مكان".
وتمكنت لوري وزوجها بوب من الهرب بصحبة قطتيهما، وقادا جنوبًا نحو الأمان، وبمعجزة ما، نجح منزلهما في النجاة من الدمار.
حجم الكارثة وتداعياتها
انتشرت حرائق إيتون بين عدة مناطق في مقاطعة لوس أنجلوس، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 24 شخصًا وتدمير أكثر من 12 ألف مبنى، في حي ألتادينا، الذي يتميز بتنوعه الاجتماعي والاقتصادي.
وأشعلت الرياح العاتية ألسنة اللهب التي دمرت المنازل بشكل كبير، ما جعل الحي يبدو وكأن قنبلة قد انفجرت فيه، لم يتبقَ سوى آثار صغيرة مثل شاحنة لعبة، وأرجوحة، وشجرة ليمون قوية وسط الرماد.
ومع استمرار الرياح القوية وعدم وجود أمطار في الأفق، لم تتمكن السلطات من السيطرة على الحرائق بشكل كامل، وتوقع الخبراء أن تكون هذه الحرائق الأكثر تكلفة في تاريخ أمريكا، ليس بسبب حجمها، بل بسبب المواقع التي اندلعت فيها.
وتُعد مقاطعة لوس أنجلوس، التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة، أكثر سكانًا من 40 ولاية أمريكية مجتمعة، يعيش العديد من سكانها في أحياء خلابة تقع بالقرب من الجبال، لكنها عرضة بشدة للحرائق، على سبيل المثال، كانت تكلفة المنازل في منطقة باسيفيك باليسيدز الراقية، التي دمرتها النيران، تفوق 3 ملايين دولار قبل وقوع الكارثة.
تحليل أسباب الكارثة
عانت لوس أنجلوس من حرائق متكررة بسبب طبيعة تضاريسها وجفافها، لكن عوامل متعددة زادت من حدتها، تفاقمت المخاطر بسبب تغير المناخ، حيث أصبحت الحرائق تلي الفترات الماطرة بشكل غير مسبوق.
وشهدت المدينة خلال العامين الماضيين عواصف مطرية قوية عُرفت بالأنهار الجوية، ما أدى إلى نمو كثيف في الغطاء النباتي، ومع ذلك، أدى غياب الأمطار منذ مايو إلى جفاف هذه النباتات، ما جعلها عرضة للاشتعال.
انتشرت النباتات غير الأصلية في الجبال المحيطة بلوس أنجلوس، حيث استبدلت الأعشاب الغازية بالشجيرات المقاومة للنيران، أشارت أبحاث باتريك براون من معهد "بريكثرو" إلى أن إزالة الغطاء النباتي القابل للاشتعال يمكن أن تقلل من شدة الحرائق بنسبة تصل إلى 15% بحلول عام 2050، لكن القوانين الفيدرالية وقوانين الولاية تعوق مثل هذه الإجراءات، حيث تتطلب المراجعات البيئية المعقدة سنوات للموافقة على عمليات الحرق الوقائية.
تحديات البنية التحتية
فرضت المدينة معايير بناء صارمة لضمان مقاومة المنازل الجديدة للحرائق، لكن صعوبة بناء منازل جديدة بسبب المعارضة المحلية أدت إلى احتفاظ المخزون السكني القديم بمكانته، حيث تتكون الأحياء القديمة من منازل تحتوي على أجزاء خشبية قابلة للاشتعال.
وتمتد هذه الحرائق إلى سفوح الجبال، وتجعل الطرق الضيقة والمتعرجة في هذه المناطق من الصعب على شاحنات الإطفاء والمواطنين إخلاء المنطقة بسرعة.
وفي المناطق غير المدمجة من مقاطعة لوس أنجلوس، مثل ألتادينا، تم بناء حوالي 90% من المنازل قبل عام 1990، وكان الجزء الأكبر منها قد أُنشئ في الخمسينيات خلال فترة الطفرة العمرانية بعد الحرب العالمية الثانية.
السياسات الاقتصادية وتأثيرها
عرقلت السياسات الاقتصادية المحلية استجابة المدينة للحرائق، ولم يكن السبب كما زعم الرئيس السابق دونالد ترامب أن المياه تم تحويلها لإنقاذ "سمك غير ذي قيمة يُدعى السمولت"، بل نتيجة لنهج كاليفورنيا في صناعة السياسات من خلال الاستفتاءات الشعبية، حيث تسبب ذلك في صعوبة تمويل الخدمات العامة مثل الإطفاء.
وفي عام 1978، صوّت سكان كاليفورنيا لتخفيض معدل ضريبة الممتلكات وتحديد زياداتها المستقبلية، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإيرادات المحلية، لجأت المدن إلى فرض رسوم على مشاريع التنمية، مما زاد من تكلفة البناء.
وفي عام 1988، فرضت مبادرة اقتراع أخرى، المعروفة باسم الاقتراح 103، قيودًا على شركات التأمين تمنعها من رفع أقساطها بشكل يعكس المخاطر الفعلية للمنازل غير المقاومة للنيران في المناطق الأكثر عرضة للحرائق، أدى ذلك إلى انسحاب العديد من شركات التأمين من الولاية، حيث لم تتمكن من تحمل تكاليف إعادة التأمين.
ومنعت مفوضية التأمين في كاليفورنيا الأسبوع الماضي الشركات من إلغاء سياسات العملاء في المناطق المتضررة من الحرائق لمدة عام، ما جعل السوق أقل جاذبية لشركات التأمين.
الآثار المستقبلية وإمكانية التعافي
من المتوقع أن تُحدث الحرائق تغييرات سياسية واجتماعية في لوس أنجلوس، واجهت العمدة كارين باس انتقادات بسبب سفرها إلى غانا في ظل تحذيرات من الطقس الحار والجاف، ورغم أن مسؤولية التحضير لمواجهة الحرائق في مناطق مثل ألتادينا وباسادينا ليست ضمن نطاق صلاحياتها المباشرة، فإن غيابها أثناء الأزمة قد يؤثر على شعبيتها في الانتخابات المقبلة.
وأظهر استطلاع حديث أجراه معهد السياسة العامة في كاليفورنيا أن ربع سكان لوس أنجلوس يفكرون في الانتقال لتجنب آثار تغير المناخ، ورغم ذلك فإن الأمريكيين عمومًا يواصلون الانتقال إلى المناطق المعرضة للخطر بدلاً من مغادرتها.
ويُرجح أن تؤدي تكاليف الإسكان المرتفعة إلى عرقلة النمو السكاني في المدينة، حيث أفاد 47% من سكان لوس أنجلوس بأنهم فكروا في مغادرتها بسبب هذه التكاليف.
إعادة البناء
رغم التحديات، قد توفر هذه الحرائق فرصة لإعادة البناء بطريقة أفضل؛ تستعد المدينة لاستضافة مباريات كأس العالم في 2026، وسوبر بول في 2027، والألعاب الأولمبية في 2028، مما سيزيد من الضغط على المسؤولين لإظهار تعافي المدينة.
وأعلن الحاكم الديمقراطي غافين نيوسوم عن خطط لإطلاق "خطة مارشال" لإعادة بناء لوس أنجلوس، مستلهمًا من جهود إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وأصدر نيوسوم أمرًا تنفيذيًا لتسريع إعادة بناء المنازل في المناطق المتضررة.
وتوقع الخبراء أن تسهم معايير البناء الحديثة في تحسين مقاومة المنازل للحرائق، وأشارت مديرة مركز المجتمعات المستدامة بجامعة كاليفورنيا، ستيفاني بينستل، إلى أن المدينة يجب أن تستغل هذه الفرصة لمعالجة أزمة الإسكان من خلال بناء أحياء أكثر كثافة وتنوعًا.
وأضافت: "يمكن أن تكون هناك شقق فاخرة، ولكن يجب أن تكون هناك أيضًا أماكن سكنية للعاملين مثل الخادمات دون الحاجة إلى التنقل لساعات عبر المدينة".
وبينما أشار بعض السكان، مثل بيلوتا، إلى أن إعادة البناء ستتبع نمطًا مألوفًا، حيث ستحل المنازل الأكبر والأغلى محل المنازل التي دُمرت في المناطق المحترقة، تظل المدينة أمام مفترق طرق: إما أن تكرر أخطاء الماضي أو تتبنى رؤية جديدة أكثر استدامة للمستقبل.