«اليوم التالي لوقف الحرب».. غزة الجريحة تبدأ مرحلة التعافي بوساطة أمريكية قطرية مصرية
بعد 15 شهراً على حرب طاحنة
بمشهد لن ينساه العالم وقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، وخلفه نائبته كامالا هاريس ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ليعلن عن التوصل رسمياً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة يبدأ تنفيذه الأحد المقبل.
وأكد بايدن أن "الأمريكيين سيكونون جزءاً من المرحلة الأولى لإطلاق سراح الرهائن، والفلسطينيون سيتمكنون من العودة إلى أحيائهم في جميع مناطق غزة... والاتفاق يقضي بأن يستمر وقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات مستمرة".
وكشف مصدر أمريكي وفقا لفضائية "سكاي نيوز عربية" أن مبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف أبلغ عدة دول عربية بإتمام العمل على صفقة لإنهاء الحرب في غزة، مضيفا: "مبعوث ترامب أبلغ إسرائيل بضرورة وقف الحرب فورا".
ووقف الحرب بشكل نهائي، كان محل خطة ذكرها بلينكن خلال كلمة أمام "مركز أبحاث المجلس الأطلسي" بواشنطن، قائلا: "تتضمن الخطة دعوة السلطة الفلسطينية لشركاء دوليين لتأسيس وإدارة إدارة مؤقتة تتولى مسؤولية القطاعات المدنية، مثل البنوك، والمياه، والطاقة، والصحة، والتنسيق المدني مع إسرائيل"، مضيفاً أن "المجتمع الدولي سيقدم التمويل، والدعم، والإشراف".
وتابع: "ستشمل الإدارة المؤقتة فلسطينيين من غزة وممثلين عن السلطة الفلسطينية، وستعمل بتنسيق وثيق مع مسؤول كبير في الأمم المتحدة لضمان أمن الحدود، وهو أمر ضروري لمنع حماس من إعادة بناء قدراتها العسكرية… مبادرة جديدة سيتم إطلاقها لتدريب وتجهيز قوات أمنية بقيادة السلطة الفلسطينية لتولي مسؤولية القانون والنظام تدريجياً في غزة، سيتم تضمين هذه الترتيبات في قرار لمجلس الأمن الدولي".
وذكر بلينكن أن "بعض الشركاء أبدوا استعدادهم لإرسال قوات أو شرطة لدعم هذه المهمة، ولكن فقط إذا تم الاتفاق على توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة سلطة فلسطينية يتم إصلاحها، كجزء من مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة"، مشدداً على ضرورة أن “تقبل إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية موحدة”.
ولفت بلينكن إلى أن “السعي لإنهاء الحرب في غزة سيتم بطريقة تضع الأساس لسلام دائم، إلى جانب تحقيق التطلعات المشروعة للإسرائيليين للأمن والفلسطينيين للاستقلال من خلال إقامة دولتهم الخاصة”، قائلا: "مبادئنا كانت ألّا يشكل قطاع غزة تحت حكم حماس تهديدا مستمرا لإسرائيل، ووقف الحرب في القطاع".
بنود الاتفاق
وتتمثل مدة المرحلة الأولى من الاتفاق 42 يوما ستشهد وقفا لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقا وبعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان للتمركز على الحدود في جميع مناطق قطاع غزة، وتبادل الأسرى والرهائن وفق آلية محددة وتبادل رفاة المتوفين وعودة النازحين إلى أماكن سكنهم وتسهيل مغادرة المرضى والجرحى لتلقي العلاج.
ويشمل الاتفاق أيضا في مرحلته الأولى إطلاق حركة "حماس" سراح 33 محتجزا إسرائيليا، بما يشمل النساء المدنيات والمجندات والأطفال وكبار السن والمرضى والجرحى المدنيين، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال.
وتتضمن المرحلة الأولى تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها الآمن والفعال على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز وإدخال مستلزمات الدفاع المدني والوقود وإدخال مستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب.
بدوره، أكد رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، “ضرورة التزام الطرفين الكامل بتنفيذ الاتفاق بمراحله الثلاث حقنا لدماء المدنيين وتجنيب المنطقة تبعات هذا الصراع وتمهيدا للوصول للسلام العادل والمستدام”، معلنا أن المرحلتين الثانية والثالثة سيتم الاتفاق عليها خلال تنفيذ المرحلة الأولى.
وقال إن قطر ستعمل بشكل مشترك مع مصر والولايات المتحدة لضمان تنفيذ الأطراف لالتزاماتها وضمان استمرار المفاوضات لتنفيذ بقية المراحل، معربا عن تطلعه لتضافر الجهود الإقليمية والدولية في تقديم المساعدات الإنسانية ودعم الأمم المتحدة في إدخال وإيصال المساعدات للسكان المدنيين في قطاع غزة.
استجابة مشروطة
وفي أول تعليق فلسطيني، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، إن السلطة الفلسطينية وحدها هي صاحبة الشرعية لتولي الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء القتال ويجب ألا تكون هناك محاولة لفصل غزة عن الضفة الغربية كجزء من دولة فلسطينية.
وأضاف مصطفى في مؤتمر الصحفي: "بينما ننتظر وقف إطلاق النار، من المهم التأكيد على أنه لن يكون مقبولا لأي كيان آخر أن يحكم قطاع غزة غير القيادة الفلسطينية الشرعية وحكومة دولة فلسطين".
وترفض إسرائيل أي دور لحماس التي كانت تحكم قطاع غزة قبل الحرب، وتأسست السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو التي وُقعت قبل أكثر من ثلاثة عقود ومنحت الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية، فيما يتهم إسرائيليون السلطة الفلسطينية بدعم الهجمات ضد بلادهم وتأييد حركة "حماس".
وأكد وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع سيجريد كاخ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، على ضرورة عودة السُلطة الوطنية الفلسطينية للقيام بواجباتها في قطاع غزة، وأن مصر لا تؤيد وجود قوات أجنبية في قطاع غزة.
وقال الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، إن بلاده تؤكد دوما على موقفها الثابت بضرورة إنهاء التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة وجميع الأراضي الفلسطينية، وأن يكون القرار في غزة فلسطينياً، مبينا أنه من المبكر الآن الحديث عن كيفية إدارة المرحلة الانتقالية بعد الوصول إلى اتفاق والانتهاء من مراحله الثلاث.
وأشار الأنصاري، في بيان، إلى انفتاح دولة قطر على كل ما يمكن أن يدير المرحلة الانتقالية في قطاع غزة بشكل مناسب طالما كان القرار "فلسطينيا– فلسطينيا"، مشيرا إلى أهمية وجود أكثر من ضامن دولي لتنفيذ هذا الاتفاق عند التوصل إليه.
خطة مؤقتة
قال السفير الفلسطيني الأسبق بمصر، بركات الفرا، إن السلطة الفلسطينية لن تقبل بإبعادها عن إدارة قطاع غزة ولكن الولايات المتحدة وإسرائيل تريان أنهما منتصرتان وتمليان شروطهما، وفي ظل العلاقات العربية الأمريكية الجيدة يمكن أن نرى شيئا مقاربا من هذه الخطة دون استثناء للسلطة الفلسطينية بشكل كبير.
وأضاف الفرا في تصريح لـ"جسور بوست": "يمكن أن نرى وجودا للسلطة الفلسطينية مع وجود لقوات عربية أو دولية لفترة مؤقتة تُعد انتقالية بقطاع غزة، وبعد ذلك تتولى السلطة زمام الأمور بعد تسوية كل الأمور".
وعن إمكانية تنفيذ إبعاد حماس وانسحاب إسرائيل من القطاع، تابع السفير الفلسطيني السابق قائلا: "الضغوط الأمريكية قادرة على أن تنفذ ذلك خاصة في ظل عهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي استطاع تمرير الهدنة في وقت قصير، وإسرائيل ستقبل وكذلك حماس التي تم القضاء على قدراتها بشكل كبير وحاليا تمر بحالة ضعف وبالتالي لم يعد لها القوة التي تسمح لها بالوجود مجددا في إدارة قطاع غزة فضلا عن رفض السلطة الفلسطينية شراكة معها".
وحول إمكانية أن يعطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوصول لليوم التالي، يرى أنه احتمال وارد مستدركا: "لكن ترامب سيرفض أي ألاعيب منه وقد يقود الأمور لتهدئة".
معيار التنفيذ
وقال أمين عام مركز الفارابي للدراسات السياسية، الدكتور مختار غباشي، إن "وجود أي سلطة فلسطينية مع إدارة دولية سيكون عليه تحفظات كبيرة"، مشيرا إلى أن الأمر يجب أن يكون أمر الإدارة فلسطيني فقط في غزة منعا لحدوث أزمات.
وأضاف غباشي في تصريح لـ"جسور بوست": "أتصور أن العائق في اليوم التالي ليس إدارة فلسطينية أم لا، ولكن هل إسرائيل ستنسحب انسحابا كامل أم لا؟ وهل باتت مقتنعة بوقف كامل لإطلاق النار أم لا؟ وآليات تنفيذ اتفاق الهدنة؟
وأشار إلى أن ترامب يضغط ويواصل الضغط، لكن ربما يتجاهل الانغماس في تفاصيل اليوم التالي ويوكلها للوسطاء لمناقشتها خاصة أن الأولوية له كانت إنجاز الهدنة وإطلاق الرهائن، مؤكدا أن تنفيذ المرحلة الأولى سيكون كاشفا لمدى إمكانية تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة وستحدد هل سنذهب لليوم التالي سريعا أم سيعطلنا نتنياهو.
ولفت إلى أن مفاوضات اليوم التالي للحرب ستكون في المرحلة الثالثة من اتفاق هدنة غزة، موضحا أن المرحلة الأولى يجب أن تحمل رسائل ثقة لتعزز فرص الوصول للمرحلة الثانية وبالتالي للمضي بجدية لإنهاء الحرب.
في 7 أكتوبر 2023، هاجمت حركة حماس جنوب إسرائيل بشكل مفاجئ، مستهدفة بلدات ومهرجانًا موسيقيًا، وخلال الهجوم تم خطف 251 شخصًا واقتيادهم كرهائن إلى غزة، فيما تسبب الهجوم في مقتل 1205 أشخاص تقول إسرائيل إن بينهم مدنيين.
ومنذ ذلك الحين شنت إسرائيل حربا طاحنة على قطاع غزة، وبلغ عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع 46 ألفاً و707 شهيدا فلسطينيا على الأقل، وإصابة 110 آلاف و265 آخرين، فضلا عن شن عدوان غاشم على قطاع غزة استهدف كل أشكال الحياة هناك والمباني والبنية التحتية الحيوية وتم شطب عائلات بأكملها من السجلات.