غزة التي لا تموت.. أفراح حذرة وآمال بتحقيق السلام بعد حرب طاحنة بين إسرائيل وحماس
غزة التي لا تموت.. أفراح حذرة وآمال بتحقيق السلام بعد حرب طاحنة بين إسرائيل وحماس
بعد أكثر من عام من الصراع الدموي والدمار الواسع الذي اجتاح قطاع غزة، تم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، اتفاقٌ شكل لحظة فاصلة في سلسلة من الحروب المتتالية بين إسرائيل والفلسطينيين.
وعلى الرغم من توقف القتال بين الطرفين، فإن ردود الفعل الدولية والشعبية حول هذا الاتفاق تتراوح بين التفاؤل الحذر والخوف من أنه مجرد هدنة مؤقتة، دون أي أفق لحل سياسي دائم يضمن الأمن والسلام لكل الأطراف.
داخل فلسطين، تجسد الفرحة بهذا الاتفاق في شوارع غزة، رغم الجراح العميقة التي خلفتها الحروب، ففي القطاع الذي عانى التدمير وحصار خانق منذ سنوات، جاء الإعلان عن وقف إطلاق النار كنسمة أمل لسكانه الذين عايشوا أسوأ مراحل حياتهم خلال الأشهر الماضية.
حسب التقارير الصادرة عن منظمات إنسانية، يعاني أكثر من 70% من سكان غزة من نقص حاد في الغذاء والماء، فيما يعيش القطاع أزمة صحية خانقة إثر تدمير المنشآت الصحية بسبب القصف، وقد عبّر العديد من سكان غزة عن أملهم في أن تتيح الهدنة فرصة لإدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى القطاع المنكوب، وأكدوا أن العيش في ظروفٍ من دون قصف وإراقة دماء يمثل خطوة إيجابية، حتى وإن كانت مؤقتة.
لكن الحذر كان أيضًا سمةً سائدة بين الفلسطينيين داخل غزة، حيث أبدى البعض تخوفهم من أن تكون هذه الهدنة مجرد فترة قصيرة من الهدوء قبل أن تندلع المواجهات مجددًا. في حين أشارت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن ما يقارب 500,000 فلسطيني ما زالوا يعيشون في ظروف غير إنسانية، حيث لا تزال البنية التحتية المدنية مدمرة بشكل كامل في بعض المناطق.
ووفقا للبيانات، فإنه رغم الاتفاق، يبقى تحدي إعادة بناء غزة الهائل قائمًا، وتقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار بنحو 10 مليار دولار، وبالتوازي مع ذلك، أشار الخبراء إلى أن التزام إسرائيل بتخفيف الحصار على غزة يبقى محل تساؤل، في ظل مواقف متباينة داخل الحكومة الإسرائيلية تجاه هذه المسألة.
ردود فعل متباينة
في الشتات الفلسطيني، كانت ردود الفعل متباينة أيضًا، ففي مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا، عبر الفلسطينيون عن تفاؤلهم الحذر، مشيرين إلى أن الهدنة تمنح الفلسطينيين في غزة فسحة من الأمل، ولكنهم ظلوا في الوقت نفسه يشددون على ضرورة أن تكون هذه الهدنة بداية لحل شامل يضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة وإنهاء الاحتلال.
وفي الأردن، حيث يعيش أكبر عدد من الفلسطينيين في الشتات، كانت الاحتفالات بالهدنة محدودة، مع تساؤلات حول تأثير هذا الاتفاق على مصير الفلسطينيين في الشتات ومستقبل قضيتهم.
وفي الضفة الغربية، فقد كانت ردود الفعل أكثر تحفظًا، ففي رام الله ونابلس، استقبل الفلسطينيون الاتفاق بترحيب جزئي، مع التأكيد على أن هذه الهدنة لا تشكل حلاً دائمًا للصراع، بل مجرد استراحة في نزاع مستمر لم يكن هناك أي التفاف واسع حول الهدنة، بل كان هناك تذكير بأن الحل السياسي العادل والشامل هو ما يريده الفلسطينيون. وقال أحد المواطنين في رام الله: "نحن بحاجة إلى حلول سياسية حقيقية، لا مجرد وقف مؤقت للقتال".
وعلى الساحة الدولية، رحبت العديد من الدول والمنظمات بهذا الاتفاق باعتباره خطوة مهمة نحو تخفيف معاناة الفلسطينيين، حيث أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تصريح له أن "الهدنة تمثل بداية لتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة"، مشيرًا إلى أن الأولوية الآن يجب أن تكون لتوفير المساعدات الإنسانية بشكل مستدام.
وأفادت تقارير الأمم المتحدة بأن نحو مليوني شخص في غزة بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وأضاف غوتيريش أن تنفيذ هذا الاتفاق يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف لضمان وصول المساعدات الإنسانية وضمان سلامة المدنيين.
خطوة مهمة نحو السلام
ورحّبت الولايات المتحدة، أيضًا بالاتفاق، واعتبرته خطوة مهمة نحو استئناف المفاوضات لتحقيق سلام شامل في المنطقة، وقال بايدن: "نحن ملتزمون بدعم عملية السلام، ولن نتوقف عن العمل مع جميع الأطراف لضمان أن هذا الاتفاق يسهم في خلق ظروف مواتية لاستئناف المفاوضات نحو سلام دائم في المنطقة". من جهة أخرى، أشارت تقارير صحفية إلى أن المرحلة الثانية من الاتفاق ستشمل مفاوضات حول القضايا الأكثر تعقيدًا، مثل تبادل الأسرى وتحديد آليات الأمن، حيث كانت قضية الرهائن أحد المواضيع الحساسة في المفاوضات.
في بريطانيا، أثنى رئيس الوزراء كير ستارمر على الاتفاق، وقال: “إن هذا الاتفاق يمثل خطوة نحو تخفيف المعاناة الإنسانية في قطاع غزة”، وأضاف أنه من الضروري أن تزداد المساعدات الموجهة للمدنيين في غزة الذين يعانون من نقص حاد في الإمدادات الأساسية. وأكدت المملكة المتحدة أنها ستواصل دعمها لاستئناف المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أهمية تلبية احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني في غزة يعيشون في ظروف قاسية.
وفي الاتحاد الأوروبي، رحبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بالاتفاق، لكنها دعت إلى ضرورة الالتزام الكامل بتنفيذ بنود الاتفاق، وقالت: "إن هذه الهدنة خطوة مهمة نحو إنهاء الصراع، ولكن يجب أن تضمن الأطراف التزامًا تامًا بتطبيقها لتحقيق السلام المستدام". وأضافت أنه يجب أن يتبع الاتفاق تقدم في المفاوضات نحو حل دائم لصراع الشرق الأوسط.
وفي الدول العربية، كانت هناك أيضًا ردود فعل إيجابية، حيث رحب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالهدنة، مشيرًا إلى ضرورة الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وأكد أهمية استقرار الوضع في المنطقة من خلال دعم الهدنة، بينما عبر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد عن دعمه الكامل لجهود إعادة إعمار القطاع، مشيرًا إلى أن الهدنة يجب أن تكون خطوة نحو التوصل إلى تسوية دائمة.
وعبر الرئيس رجب طيب أردوغان عن دعم بلاده المستمر لفلسطين، مشيرًا إلى أن تركيا ستواصل دعمها لتحقيق "حل الدولتين" الذي يضمن الأمن والسلام لكلا الشعبين، وقد أكد ضرورة أن يتم دعم الفلسطينيين في غزة بشكل مستمر، وأن يكون هناك تقدم في عملية السلام.
رغم الترحيب الواسع بالهدنة على مستوى العالم، يبقى التحدي الأكبر هو تنفيذها بشكل فعّال، فبينما يعبر العديد من الخبراء عن تفاؤلهم بأن هذه الهدنة قد تكون نقطة تحول في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبقى التساؤل الأهم: هل ستؤدي هذه الهدنة إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي الصراع المستمر، أم أنها مجرد هدنة مؤقتة لتخفيف المعاناة دون التطرق لجذور المشكلة؟ وبينما تستمر الخشية من أن تكون هذه الهدنة مجرد فترة راحة مؤقتة في صراع طويل الأمد، يبقى الأمل أن تكون بداية لحل دائم يحقق الأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة.
انتصرت غزة
وقال الخبير الحقوقي الفلسطيني الدكتور محمود الحنفي، إن وقف الحرب يعتبر إنجازًا، فالحرب تعني مزيداً من القتل والتدمير والإبادة والتجويع وامتهان الكرامة الإنسانية، لقد طال انتظارها لأن من يدفع الثمن هم أهل غزة، ولذا الفرحة لا توصف ونتمنى أن تكون دائمة، وآن للمتعبين أن يستريحوا.
وتابع الحنفي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إسرائيل وضع أهدافًا للحرب كما هو معروف، ولم تتحقق وعليه عمليًا وإن كانت التكلفة كبيرة على أهل غزة إلا أن إسرائيل لم تحقق أهدافها، وبتأمل الأمر فإذا نظرنا إلى أهل غزة الطرف الأعزل والطرف الآخر الإسرائيلي الذي يمتلك كل شيء ولم يستطيع هذا الأخير تحقيق أهدافه فهذا يعني أنه لا يوجد انجاز لهم حقيقي يذكر سوى جرائم الحرب، حتى على مستوى اطلاق سراح الأسرى في ظل غطاء تكنولوجي وسياسي، وكان له أن يفاوض فيوقف تهويد القدس أو رفع يده عن غزة، ولذا اعتبر أن إسرائيل خسرت الحرب.
واسترسل الخبير الحقوقي الفلسطيني، أعتقد وإن كان الفلسطينيون قد دفعوا ثمنًا كبيرًا، لكن صورة ومكان إسرائيل ومشاريعها الكبرى في المنطقة كلها تضررت وسقطت، وهناك تغيرات دراماتيكية مرتبطة بما يجري في غزة، سنتعاون على إعمار غزة وعودتها.
وأتم: كان للعرب أن يكونوا أكثر فاعلية، لقد ذبحت غزة وتركوا وحيدين، وبكل الأحوال الشعوب العربية انفطر قلبها على غزة، لكن كان لا بد من ترجمة هذا بطريقة أفضل وعدم ترك إخوانهم الفلسطينيون وحدهم.
بارقة أمل
وقال أحد أهالي غزة ويدعى محمد ناصر إن الهدنة أمر جيد وإن شاء الله تستكمل كل مراحلها وستكون مسمار بناء وتعمير في الدولة الفلسطينية، وما حدث خلال العام ونصف العام الماضيين كان ضريبة قاسية جدًا لم يراعِ فيها المعتدي الإسرائيلي حجرًا ولا بشرًا، فانتقم من الجميع فقتل الأطفال والشيوخ ورمل النساء.
وتابع ناصر، في تصريحات لـ"جسور بوست"، ستكون الهدنة بارقة أمل في استكمال النصر والتحرير لفلسطين المستقلة إن شاء الله، وأهل غزة انتظروا كثيرًا العودة لبيوتهم وتفقد حاجاتهم، غزة جميعها اليوم تدرس ماذا ستفعل بعد العودة، فسيعود النازحون إلى بيوتهم لانتشال الأشلاء ودفن أقاربهم ومن ثم تعمير بيوت جديدة، متشبثين بديارهم وأرضهم مفشلين القضاء على حلم إقامة دولة إسرائيلية.
واسترسل، لا أعلم إن كانت حماس تهدف إلى تحرير بعض الأسرى، لكن عملية طوفان الأقصى كانت قوية جدًا ووجهت من خلالها ضربة قاسية للاحتلال الإسرائيلي، لذلك لدينا أمل كبير بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وأسأل الله أن يتم ذلك.
وعن فرحة العرب بالهدنة أكد أن العرب جميعًا في سوريا ولبنان ومصر وكل العرب كانت ردود الفعل بفرحة سريعة وإن شاء الله يديم الفرح، ولا ننسى استكمال أعمالنا بملاحقة الاحتلال ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة جميعهم بلا استثناء وهذا يتطلب جهدا عربيًا ودوليًا، ولمنع تكرار تلك الجرائم يجب على المجتمع الدولي والجميع ملاحقتهم في كل بقاع العالم حيث عمدت الصهيونية إلى قتل هذا الشعب الأعزل في بقعة صغيرة مع استخدام قوة كبرى لتدميره.
بداية البناء
وبفرحة مختلطة قال طه الغوانمي، طبيب، عندما سمعت خبر الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، انتابني شعور مختلط بين الفرح والارتياح العميق، كفلسطيني يعيش في السويد، وعلى الرغم من أنني بعيد عن أرض الوطن، فإنني لا أستطيع أن أخفي تأثري الشخصي بكل ما يحدث هناك، كل لحظة تمر تشعرني بالوحدة، ولكنني أعيش على أمل أن ينتهي هذا الصراع المدمر الذي يعصف بمستقبل شعبي وأرضي.
وتابع الغوانمي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أول ما خطر ببالي بعد إعلان الهدنة كان الفكرة التي طالما راودتني، وهي أن الحياة قد تعود إلى غزة، وأننا قد نحظى بفرصة جديدة لإعادة بناء ما تهدم، فما بين الدماء، والخراب، والتشريد، بقيت شعلة الأمل تضيء رغم كل الظلام، هذه الهدنة، وإن كانت مؤقتة في نظر البعض، تمثل بداية جديدة لي شخصياً ولكل فلسطيني، فهي ليست مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، بل هي فرصة لنا جميعاً لنلتقط أنفاسنا، لنعيد التفكير في كيف يمكننا أن نعيش معاً بسلام، وكيف يمكننا أن نبني حياة أفضل لأولادنا في غزة وفي الضفة الغربية.
وأوضح أنه، “في الأردن، حيث يعيش جزء من عائلتي كانت الفرحة كبيرة، رغم الحذر الذي يميز العقل الفلسطيني، الهدنة لم تكن بالنسبة لهم مجرد قرار سياسي، بل كانت فرصة لحفظ الأرواح وإعادة إحياء الأمل. العديد من أفراد عائلتي تحدثوا عن شعورهم بالاطمئنان لعدة أيام، وإن كانوا يعرفون أن التحديات لن تختفي بين ليلة وضحاها، لكنهم يدركون أن الهدنة هي فرصة للتركيز على الحياة اليومية في المخيمات الفلسطينية، وللتفكير في المستقبل بدلاً من أن يكون الجميع مشغولين بالهروب من الموت في كل لحظة”.
وعلى الصعيد الشخصي قال: يمكنني أن أقول إنني شعرت بأن الهدنة ليست مجرد وقف للدماء فحسب، بل هي فرصة للمصالحة الداخلية، لا بد أن يعيد الجميع النظر في مواقفهم وتوجهاتهم، وأن يبحثوا عن أرضية مشتركة لتحقيق السلام بعيداً عن الصراع المسلح. لقد عشنا لفترة طويلة في دائرة من العنف والدماء، ورغم أننا لا نزال نؤمن بحقوقنا، فإننا بحاجة أيضاً إلى مساحة من الأمل لتحقيق حياة أفضل لأبنائنا وأحفادنا.
وتابع: في السويد، أتابع ما يحدث في فلسطين عبر الأخبار، وأشعر أن وجودي بعيداً عن الوطن يجعلني أكثر إصراراً على السعي نحو العمل على استثمار هذه اللحظة التاريخية هنا، في المهجر، تتاح لي الفرصة لرؤية الأمور من منظور آخر، حيث يمكنني أن أرى الفرق بين الحياة في سلام والحياة في صراع، هذا يجعلني أدرك قيمة الهدنة، التي قد تكون بداية لحقن الدماء ولكنها أيضاً فرصة لبناء جسور جديدة بين الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم، ولا ننسى أهمية دعم المجتمع الدولي لهذا الاتفاق حتى لا يظل مجرد صفحة جديدة في التاريخ، بل نقطة انطلاق لحل دائم.
وأكد أن الهدنة تعني أكثر من مجرد "توقف مؤقت" للصراع، فهي تمثل حلاً إنسانياً، فرصة لبناء البنية التحتية في غزة المحاصرة، وإعادة الحياة للمستشفيات والمدارس التي تضررت بشكل كبير، كما أنها تفتح المجال لتدفق المساعدات الإنسانية، التي طال انتظارها، من منظور بعيد عن الأحداث اليومية، يمكنني أن أرى فيها بداية للتركيز على الإنسان الفلسطيني، على أحلامه، وطموحاته، فهي ليست فقط فرصة لنا، بل هي بداية لفرصة جديدة للفلسطينيين في الشتات للوحدة والنهوض سوياً.
وأتم: ما أتمناه هو أن تكون هذه الهدنة بداية لمصالحة حقيقية بين الفلسطينيين أنفسهم، وبين الفلسطينيين والعالم بأسره.. نحتاج إلى أن نتذكر أننا شعب واحد، ونعيش في أرض واحدة، وأننا نستحق الفرصة للعيش بسلام، وأن الدماء التي سالت على مدى عقود من الزمن كانت كافية لتعلمنا درساً عميقاً في ضرورة البحث عن طرق أخرى لتحقيق حقوقنا بعيداً عن العنف والدمار.