في اليوم الـ50.. هل ينهي محور «فيلادلفيا» اتفاق وقف النار في غزة؟
وسط مخاوف من تراجع نتنياهو
بدأ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد 15 شهرا من الحرب، ليفتح جبهات جديدة من الاختلاف والتساؤلات بشأن جدية إسرائيل في الانسحاب من محور "فيلادلفيا" الذي احتلته في مايو 2024، بالمخالفة لاتفاق السلام مع مصر، لا سيما وبنود الصفقة تنص على يوم محدد لاكتمال مغادرة القوات الإسرائيلية لذلك الارتكاز الحدودي.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في خطاب عشية اتفاق وقف إطلاق النار استمرار وزيادة قواته في محور "فيلادلفيا"، رغم أن ذلك التواجد مسار توتر كبير في الأشهر الأخيرة مع مصر، والتي تجاهلت التعليق على تلك التصريحات، وسط تهديد وزير إسرائيلي بالاستقالة حال مغادرة قوات بلاده لهذا المحور.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ"جسور بوست"، فإن تصريحات نتنياهو من باب مواجهة الضغوط الداخلية عقب استقالات داخل حكومته منعا لانهيارها، متوقعين مواصلة إدارة الرئيس دونالد ترامب الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لتنفيذ كامل الاتفاق خاصة مع وصول مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للمنطقة.
محور فيلادلفيا
هو محور يسمى فلسطينيا ومصريا باسم "محور صلاح الدين"، ويقع ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14.5 كيلومتر ممتدا من البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا، حيث نقطة التقاء الحدود بين مصر وقطاع غزة، وأنشئ عليه معبر رفح البري، الذي يمثل المنفذ الرئيسي لسكان غزة في ظل غلق المعابر الأخرى.
وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على المنطقة إلى حين انسحاب إسرائيل من قطاع غزة منتصف أغسطس 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2007 سيطرت حماس على قطاع غزة، وخضع محور فيلادلفيا لسيطرتها، قبل أن تندلع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، وتعود إسرائيل في مايو 2024 لاحتلال ذلك المحور والمعبر تحت مزاعم عديدة بينها وجود أنفاق ممتدة لمصر تهرب من خلالها الأسلحة لحماس.
خطة التراجع
وحسب اتفاق "هدنة غزة" الممتد عبر 3 مراحل، فإن المرحلة الأولى منه تستغرق 42 يوماً، وخلال تلك المدة يقوم الجانب الإسرائيلي بخفض القوات تدريجياً في منطقة الممر (محور فيلادلفيا) وفقاً للخرائط المتفق عليها والاتفاق بين الجانبين، وبعد إطلاق سراح آخر رهينة من المرحلة الأولى في اليوم الـ42، تبدأ القوات الإسرائيلية انسحابها، وتستكمله بما لا يتجاوز اليوم الـ50.
وغداة الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار أكد مسؤول سياسي إسرائيلي، أن قوات بلاده لن تنسحب من ممر فيلادلفيا، نافيًا ما وصفه بـ"التقارير المضللة" التي تحدثت عن مغادرتها للمنطقة، وفق ما أوردته فضائية الحرة الأمريكية.
وقال المسؤول الإسرائيلي، إن بلاده ستبقى في الممر طوال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي تمتد لـ42 يومًا، مع الإبقاء على حجم القوات الحالي، لكن مع إعادة توزيعها بشكل مختلف، بما يشمل نقاط عسكرية ودوريات ومراقبة وسيطرة على طول المحور.
وأوضح أن بدء المفاوضات بشأن إنهاء الحرب سيكون اعتبارًا من اليوم الـ16 من المرحلة الأولى، مضيفًا أنه في حال رفضت حركة "حماس" شروط إسرائيل بإنهاء الحرب، فإن القوات الإسرائيلية ستبقى في محور فيلادلفيا بعد اليوم الـ42، وكذلك بعد اليوم الـ50، مختتما حديث بالقول إن "إسرائيل عمليًا ستبقى في ممر فيلادلفيا حتى إشعار آخر".
وعشية بدء تنفيذ الاتفاق في 19 يناير الجاري، قال نتنياهو في خطاب متلفز: "على عكس جميع التقارير سنستمر بالسيطرة على محور فيلادلفيا، وأعداد قواتنا هناك ستزداد في المنطقة العازلة بغلاف غزة"، متعهدا بـ"إتمام أهداف الحرب عبر إعادة الرهائن من غزة وتدمير (حماس)".
وأكد نتنياهو أنه حصل على دعم كامل من الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن والرئيس الحالي دونالد ترامب لـ"تنفيذ كافة أهداف الحرب والعودة إلى القتال إن تطلب الأمر ذلك".
وجاء حديث نتنياهو بعد خلافات عميقة شهدها اجتماع حسم الاتفاق داخل الحكومة الإسرائيلية، وصوّت 24 وزيراً لصالح الاتفاق، بينهم نتنياهو وغالبية وزراء حزبه وجميع الأحزاب "الحريدية"، فيما عارضه 8 آخرون، هم 3 وزراء حزب إيتمار بن غفير، و3 وزراء حزب بتسلئيل سموتريتش، ووزيران من "الليكود"، بينما امتنع وزير آخر من "الليكود" عن التصويت.
وقال المعترضون إن الاتفاق ينطوي على تراجع كبير عن أهداف الحرب وتعهدات رئيس الوزراء، مثل محور فيلادلفيا الذي قال عنه نتنياهو إنه الضمان الأساس لمنع تهريب أسلحة لحماس، واحتجوا على تنازل إسرائيل عن مراقبة انتقال المواطنين الغزيين إلى الشمال، وعلى إطلاق سراح سجناء فلسطينيين متهمين بقتل إسرائيليين.
مناوشات غاضبة
وجاء احتلال الجيش الإسرائيلي لمحور فيلادلفيا بعد أحاديث متكررة من نتنياهو في ديسمبر 2023، بـ"ضرورة أن يكون المحور تحت سيطرة إسرائيل"، وأعاد الحديث ذلك في نهاية يناير 2024، بالقول: لن ننهي الحرب في غزة دون سد الثغرة في (محور فيلادلفيا)"، وتكررت تلك الأماني بالسيطرة حتى إتمام ذلك في مايو 2024.
ويدرس ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، زيارة قطاع غزة، بهدف الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في مساره الصحيح، وفقا لما قاله مسؤول مطلع لشبكة "إن بي سي نيوز".
وحسب المصدر ذاته، يسلط ويتكوف الضوء على "هشاشة اعتقاد فريق ترامب بقوة اتفاق غزة"، كما يخطط أيضا لأن يكون له وجود شبه دائم في المنطقة خلال الأشهر المقبلة، من أجل "تحري الخلل وإصلاحه في حال خرج الاتفاق عن إطاره".
ولم تسفر محادثات بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية طوال عام 2024، عن التوصل إلى حلول بخصوص المحور مع تمسك مصري بضرورة الانسحاب الإسرائيلي.
وكان سبتمبر 2024، حافلا بتوتر جديد بين مصر وإسرائيل، إذ قال نتنياهو: "لقد حرصنا على ألا يدخل دبوس إلى غزة من جانبنا، لكنهم سلحوا أنفسهم عبر محور فيلادلفيا ومصر"، وردا على ذلك أعربت وزارة الخارجية المصرية في بيان عن "رفضها التام لتصريحات نتنياهو".
وأضافت الخارجية المصرية آنذاك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "يحاول الزج باسم مصر لتشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي، وعرقلة التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين، وتعقيد جهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة".
وفي أغسطس 2024، نقلت قناة "القاهرة الإخبارية"، عن مصدر مصري رفيع المستوى، قوله إن "مصر ترفض أي وجود إسرائيلي في معبر رفح أو محور فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة والقاهرة، مؤكداً أن بلاده أبلغت جميع الأطراف المعنية بعدم قبولها ذلك.
وقال الخبير العسكري، العميد محمود محيي الدين، في تصريحات متلفزة، إن المتواجد حالياً في المحور أقل من 100 جندي إسرائيلي وقد يصل إلى 20 جنديا فقط مع الوقت، لكن في اليوم الخمسين سيتم الانسحاب بشكل كامل.
وأضاف: "هذا لا يعلن في الجانب الإسرائيلي ولا في الجانب السياسي الذي يتحدث عنه نتنياهو بشأن السيطرة (..) لا يقصد بالسيطرة التواجد على الأرض ولكن في الرقابة البحرية والجوية والقوات الجاهزة التي ستكون متواجدة في معبر كرم أبو سالم (الذي تسيطر عليه إسرائيل)".
استبعاد متوقع
وقال أستاذ القانون العام والنظم السياسية والقيادي بحركة "فتح"، الدكتور جهاد الحرازين: "هناك بعض البنود المتعلقة ببنود فيلادلفيا تم صياغتها في الاتفاق وتم التوقيع عليها، متعلقة بالانسحاب التدريجي أو الابتعاد عن منطقة معبر رفح بما يعني انسحابا تدريجيا، وبالتالي فإن تصريحات نتنياهو بالزيادة والبقاء في إطار الاستهلاك الإعلامي لطمأنة بعض الأصوات الرافضة للاتفاق وتجاوز الانتقادات ضده".
وأوضح الحرازين في تصريح لـ"جسور بوست" أن نتنياهو سينفذ انسحابا كاملا من محور فيلادلفيا مع حلول الـ50، مشيرا إلى أن نتنياهو لو وجد ضمانات وضغوطا سيلتزم، خاصة بعد تصريح الرئيس دونالد ترامب بأنه يريد تنفيذ الاتفاق بالكامل، فضلا عن وصول مبعوث ترامب للمنطقة لمتابعة الاتفاق وهذا سيعزز الاتفاق والالتزام به.
وعن تجاهل مصر الرد عن نتنياهو، أضاف الحرازي، أنها تدرك أن كثيرا من التصريحات منه تكون للاستهلاك الإعلامي وموجهة للداخل الإسرائيلي، وعادة ما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه لن يوقف الحرب وسيواصل القتال والآن نراه يقبل بالاتفاق، مضيفا: "ليس كل ما يقوله يمكن أن يصدق أو ينفذ".
واستدرك: "لكن مصر لديها موقف واضح وصريح ولن تتراجع عنه وتريد الالتزام باتفاق المعابر الموقع في 2005 وعدم تدخل أي طرف آخر".
وأوضح أن هناك نقاشات مصرية أوروبية فلسطينية قادمة بشأن المعبر وستبحث آلية تشغيل المعبر وابتعاد أي طرف غير معني عن المعبر ومحيطه بما يشمل محور فيلادلفيا أيضا، مؤكدا أنه من مصلحة نتنياهو تنفيذ الاتفاق كاملا خاصة المتعلق بالمعبر والابتعاد عن المحور.
الضفة مقابل المحور
وقال أستاذ العلوم السياسية المختص في العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، إن نتنياهو لديه حلف متطرف ومنهم من يهدد بالاستقالة من حكومته، ومن ثم فإن تصريحاته هي محاولة لتقليل خسائره في ظل الضغوط عليه من ترامب وبالتالي لا تخرج عن كونها استهلاكا محليا.
وأضاف صادق في تصريح لـ"جسور بوست" أن "مصر تدرك جيدا طبيعة تلك التصريحات ولديها خبرة مع الحكومات الإسرائيلية، ولا ترد على كل شيء (..) مصر ترفض التواجد العسكري الإسرائيلي في تلك المنطقة المذكورة في معاهدة السلام لكن لن يصل الخلاف لحرب أو صدام".
وعن إمكانية تجاوز نتنياهو مدة الـ50 يوما وعدم الانسحاب، يرى الخبير المصري أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يتجاوز مطالب ترامب والذي يريد وقف هذه الحرب التي تعطل مسار التطبيع في المنطقة، لافتا إلى أن زيارة مبعوث ترامب سيدعم ذلك الموقف ولن تقبل بخلاف ذلك.
ولا يستبعد سعيد صادق أن يلجأ نتنياهو للمناورة في محور فيلادلفيا ويضغط مع المفاوضات لتحقيق مكاسب أكبر، مستدركا: "لكن ضغوط ترامب ومطالبه أكبر، وقد نرى سماحا بالمقابل لعمليات إسرائيلية بالضفة الغربية التي لا تخضع للاتفاق".