"بعد حكم المحكمة الوطنية".. هل بات لجوء سكان غزة إلى فرنسا حقاً مشروعاً؟

"بعد حكم المحكمة الوطنية".. هل بات لجوء سكان غزة إلى فرنسا حقاً مشروعاً؟
سكان غزة- أرشيف

في خطوة قضائية وحقوقية غير مسبوقة، أقرت المحكمة الوطنية الفرنسية لحق اللجوء في 11 يوليو الجاري، منح سكان قطاع غزة، ممن لا تشملهم حماية وكالة "الأونروا"، الحق في تقديم طلبات اللجوء في فرنسا استنادًا إلى اتفاقية جنيف لعام 1951. 

ويشكل القرار، الذي جاء بعد استئناف تقدمت به لاجئة فلسطينية وابنها القاصر، سابقة قانونية قد تُغير مسار النظر في ملفات الفلسطينيين القادمين من غزة، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الجمعة.

بموجب الحكم، اعترفت المحكمة أن أي فلسطيني كان يقيم في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، هو معرّض بشكل مباشر للاضطهاد والانتهاك بسبب جنسيته، مما يؤهله للحصول على "صفة لاجئ" وفق المعايير الدولية، لا مجرد "حماية فرعية" كما كان شائعًا في السابق.

تقول رزان نضال، المستشارة القانونية المختصة بشؤون الهجرة واللجوء، إن القرار جاء "ليملأ فجوة قانونية" ظلت قائمة بين فئتين من اللاجئين الغزاويين: من يتمتعون بحماية الأونروا (وهم غالبية سكان القطاع من اللاجئين الأصليين)، ومن هم من أصل غزاوي مباشر لا تنطبق عليهم حماية الوكالة.

ومنحت المحكمة الفرنسية هؤلاء الأخيرين صفة لاجئ كاملة، في سابقة تمثل إنصافًا قانونيًا وإنسانيًا بعد عقود من التهميش.

من هم المستفيدون فعليًا؟

بحسب القرار، فإن الفئة المستفيدة حصرًا هي: الفلسطينيون من غزة، والذين وصلوا فعليًا إلى الأراضي الفرنسية، ويقدمون طلبات لجوء على الأراضي الفرنسية.

ولا يشمل القرار الغزاويين المقيمين في غزة أو في دول الجوار، ولا يعني أنه يمكن تقديم طلبات لجوء في السفارات أو القنصليات الفرنسية بالخارج.

واعتمدت المحكمة في قرارها على تقارير حقوقية وأممية تؤكد أن كل فلسطيني في غزة، مهدد بشكل مباشر بسبب الحصار، والقصف، والتجويع، وسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل، ما يجعل الجنسية الفلسطينية بذاتها مبررًا كافيًا لمنح الحماية الدولية.

ويشكل هذا القرار تحولًا في مبدأ الإثبات، حيث لم يعد اللاجئ ملزمًا بإثبات تعرضه لخطر فردي أو مباشر، بل يكفي أنه فلسطيني عاش في غزة خلال الحرب. 

ووفقًا لرزان نضال: "القرار يجعل الجنسية الفلسطينية في غزة أساسًا قانونيًا للحماية، وهو ما كان يتم إنكاره سابقًا من مكتب حماية اللاجئين (الأوفبرا) الذي كان يمنح فقط الحماية الفرعية".

الأوفبرا مطالب بتغيير سياسته

يُتوقع خلال الفترة المقبلة أن يُجبر مكتب الأوفبرا (المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية) على تغيير نهجه ليتماشى مع قرار المحكمة، وإلا فإن كل من يُرفض طلبه من غزة، سيكسب قضيته على مستوى الاستئناف، مما يخلق ضغطًا مؤسسيًا لتوحيد السياسة.

وسيؤدي هذا القرار إلى تسريع منح صفة لاجئ كاملة بدلًا من الاكتفاء بالحماية المؤقتة أو الجزئية.

وأكدت نضال أن القرار لا يمتد إلى القنصليات أو السفارات الفرنسية في الخارج، ولا يعني فتح "باب التوطين" كما تروّج بعض الجهات اليمينية.

"فرنسا لم تفتح يوماً طلبات لجوء للفلسطينيين في قنصلياتها، كما حدث مع السوريين أو الأفغان. هذا قرار حقوقي لا يُلزم وزارة الداخلية بتوسيع مسارات الدخول، بل يُطبق فقط على الموجودين داخل البلاد".

خلفية قانونية.. ومعنى إنساني

تتيح اتفاقية جنيف لعام 1951، والتي استند إليها القرار، منح اللجوء للأفراد الذين يواجهون اضطهادًا بسبب أحد خمسة أسباب: العرق، الدين، الجنسية، الانتماء لجماعة معينة، أو الرأي السياسي. 

ومن خلال هذا الإطار، اعترفت المحكمة الفرنسية بأن الغزاويين هدف عسكري وسياسي ممنهج وأن وجودهم في غزة بحد ذاته يجعلهم مهددين بالفناء.

ويمثل القرار، وإن بدا قانونيًا بحتًا، رسالة أخلاقية من العدالة الفرنسية، مفادها أن الصمت أمام الإبادة لم يعد ممكنًا، وأن الضحايا لا يجب أن يُتركوا للمجهول.

لا يشمل كل الفلسطينيين

رغم ذلك، فإن القرار لا يشمل الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية أو القدس أو الشتات، بل يخص فقط أولئك الذين عاشوا في غزة أثناء الحرب، أو خرجوا منها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.

وبينما تحصي غزة شهداءها، ويصارع الآلاف للبقاء على قيد الحياة تحت الحصار والمجاعة، تأتي هذه الخطوة القضائية كبصيص أمل لضحايا حرب تُوصف دوليًا بأنها جريمة مستمرة ضد الإنسانية.

ورغم أن القرار لا يغيّر الوقائع على الأرض، فإنه يمثل اعترافًا قانونيًا وأخلاقيًا، بأن الإنسان الفلسطيني يستحق الحماية لا العقوبة، ويستحق الحياة لا الحصار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية