«الإيكونوميست»: قرارات ترامب بشأن الهوية الجندرية تعمّق الانقسام حول الحقوق المدنية
«الإيكونوميست»: قرارات ترامب بشأن الهوية الجندرية تعمّق الانقسام حول الحقوق المدنية
بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية بإثارة جدل واسع حول واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المجتمع الأمريكي، وهي الهوية الجندرية وحقوق المتحولين جنسيًا، وبقرارات تنفيذية وصفتها منظمات حقوقية بأنها "تراجعية"، حيث سعى ترامب لإلغاء السياسات التي اعتمدتها إدارة بايدن لتعزيز حقوق هذه الفئة.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست”، أمس الاثنين، فإنه بينما يرى داعمو ترامب أن هذه القرارات تمثل عودة إلى "الحقيقة البيولوجية"، يعتقد معارضوه أنها تكرس التمييز وتعمق الانقسام في ملف الحقوق المدنية.
وتعود قرارات ترامب إلى رغبة واضحة في إعادة صياغة مفهوم "الجنس" داخل المؤسسات الحكومية، بعد أن أصبحت هذه القضية محورًا للسياسات الفيدرالية في العقد الأخير.
وصف معارضوه هذه القرارات بأنها "هجوم شامل على السياسات الداعمة لحقوق المتحولين جنسيًا"، وذكروا أنها تمثل تراجعًا كبيرًا عن التقدم الذي أحرزته إدارتا أوباما وبايدن في تعزيز مفهوم أوسع للجنس، يشمل الهوية الجندرية كجزء من الحقوق المدنية.
إعادة تعريف الهوية الجندرية
أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا بعنوان "الدفاع عن النساء من تطرف أيديولوجيا الجندر واستعادة الحقيقة البيولوجية في الحكومة الفيدرالية"، نص الأمر على العودة إلى استخدام التعريفات التقليدية القائمة على الأساس البيولوجي لمفهوم "ذكر" و"أنثى"، وأمر بحذف أي سياسات أو لوائح تدعم الهوية الجندرية أو تعترف بها.
وشدد القرار على إزالة أي إشارة إلى ما وصفه بـ"أيديولوجيا الجندر" من جميع المراسلات والسياسات الحكومية، ووقف التمويل الفيدرالي لأي برامج تعزز هذا المفهوم، وبموجب هذا القرار، يتعين على السجناء الفيدراليين أن يُوزعوا بناءً على جنسهم البيولوجي فقط، دون مراعاة هويتهم الجندرية، مع حرمانهم من أي علاجات طبية تتعلق بالجندر بسبب حظر التمويل الفيدرالي.
وأشار القرار إلى أن المتحولين جنسيًا الذين غيروا بيانات جوازات سفرهم لتتوافق مع هويتهم الجندرية سيُطلب منهم إعادة تعديلها عند التجديد، ما يعكس تحولًا جذريًا في السياسات السابقة.
ردود فعل حقوقية
أثار القرار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، حيث أعلنت منظمة "جلاد لاو"، التي تدافع عن حقوق المثليين والمتحولين جنسيًا، عن نيتها الطعن فيه أمام المحاكم.
وذكرت المنظمة أن "أي إجراء حكومي يجب أن يستند إلى هدف مشروع وغير تمييزي"، محذرة من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تفاقم التمييز ضد فئة هشة بالفعل.
وقد تواجه هذه القرارات عقبات قانونية، إذ يمكن أن تُعلق بعض أجزائها أو تُلغى بالكامل إذا تبين أنها تتعارض مع القوانين الفيدرالية القائمة أو الدستور.
بين التراجع والتقدم
ذكرت الإيكونوميست أن الجدل حول تعريف "الجنس" بدأ يتصاعد منذ عام 2010 خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، حيث حاولت إدارته توسيع مفهوم الجنس ليشمل الهوية الجندرية.
وفي عام 2016، أصدرت الإدارة رسالة توجيهية للمؤسسات التعليمية، تطلب منها معاملة الهوية الجندرية للطلاب كجنسهم الفعلي، شملت هذه السياسة السماح للطلاب المتحولين جنسيًا باستخدام المرافق التي تتوافق مع هويتهم الجندرية، مع استثناء بعض الفرق الرياضية.
لكن هذه الجهود واجهت معارضة شديدة، حيث علقت محكمة فيدرالية تنفيذ هذه التوجيهات، بحجة أنها خالفت الإجراءات الإدارية، وبعد ذلك، ألغت إدارة ترامب هذه التوجيهات في عام 2017، قبل أن تعيد إدارة بايدن العمل عليها في عام 2021.
صراع التوجهات
استهل الرئيس السابق بايدن ولايته بإصدار أمر تنفيذي لتعزيز حقوق المتحولين جنسيًا، مؤكدًا أن هذه الحقوق جزء أساسي من الحريات المدنية.
وبذلت إدارة ترامب جهودًا كبيرة لتوسيع تعريف "الجنس" في المؤسسات الفيدرالية، لكنها واجهت عقبات قانونية وسياسية، أبرزها إلغاء إحدى سياساته من قبل محكمة فيدرالية بولاية كنتاكي قبل مغادرته منصبه.
ووصفت أستاذة القانون دوريان كولمان من جامعة ديوك الوضع الحالي بأنه حالة "ارتداد عنيف"، حيث يتأرجح تعريف الحكومة للجنس بين السياسات التقدمية والمحافظة وفقًا للإدارة الحاكمة.
وأشارت إلى أن هذه التحولات تترك أثرًا سلبيًا على استقرار الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.
طرق محتملة لحسم الخلاف
توقعت "الإيكونوميست" حلين رئيسيين لإنهاء هذا الجدل، الأول يتمثل في تمرير الكونغرس لقانون يحدد تعريفًا واضحًا وثابتًا لمفهوم الجنس، لكن هذا الحل يواجه تحديات سياسية كبيرة في ظل الاستقطاب بين الديمقراطيين والجمهوريين.
ويكمن الحل الثاني في تدخل المحكمة العليا لحسم الجدل من خلال القضايا المتعلقة بالجنس والهوية الجندرية المعروضة عليها، رغم أن المحكمة قد لا تصدر حكمًا شاملًا يحسم كل القضايا، فإنها يمكن أن تقدم إرشادات واضحة للجهات الحكومية بشأن كيفية التعامل مع هذه القضايا.
وأنهت المجلة البريطانية تقريرها بالتأكيد أن المعركة حول تعريف الجنس والهوية الجندرية ليست مجرد قضية سياسية، بل تمثل صراعًا حقوقيًا وقانونيًا سيستمر لفترة طويلة، ما لم يتم التوصل إلى حلول دائمة تحترم الحقوق المدنية وتضمن العدالة للجميع.