تعذيب واغتصاب وإعدامات.. منظمات حقوقية تتهم إيران بارتكاب انتهاكات بحق المساجين

تعذيب واغتصاب وإعدامات.. منظمات حقوقية تتهم إيران بارتكاب انتهاكات بحق المساجين
انتهاكات في السجون الإيرانية

في ظلام الزنازين، حيث يُمحى الزمن وتختفي الحدود بين الليل والنهار، تنبعث صرخات مكتومة، تكسر صمت الموت الذي يخيّم على المكان، إنها ليست مجرد أصوات، بل شواهد على معاناة تقشعر لها الأبدان، شهادات حية على القمع الممنهج والانتهاكات اليومية التي تتعرض لها النساء خلف قضبان السجون الإيرانية

ونُشرت رسالة مؤخرًا من داخل أحد أكثر السجون الإيرانية رعبًا، كشفت عن واقع مروّع تعيشه المعتقلات، حيث الإعدامات باتت طقسًا يوميًا، والتعذيب النفسي والجسدي صار قاعدة ثابتة، والاغتصاب أصبح سلاحًا في يد الجلادين.

ووفقًا لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية، شهد عام 2023 تنفيذ أكثر من 580 حكم إعدام، بزيادة تجاوزت 75% مقارنة بالعام السابق، النساء لم يكنّ بمنأى عن هذه الموجة القاتلة، حيث نُفّذ بحق عشرات منهن أحكام الإعدام بتهم تراوحت بين الزنا، والردة، والانتماء إلى حركات معارضة. في سجن "آمل" وحده، ذكرت المصادر الحقوقية أن ما لا يقل عن 25 سجينة سياسية أُعدمن في الأشهر الستة الماضية دون محاكمات عادلة أو فرص للطعن في الأحكام.

وتسود سياسة العقاب الجماعي، داخل الزنازين، حيث تُجبر السجينات على الوقوف لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة أو في البرد القارس، مكبلات الأيدي والأرجل بالسلاسل الحديدية، بعضهن يُحشرن في زنازين انفرادية لشهور، دون أي تواصل مع العالم الخارجي، وتشير التقارير إلى أن 65% من السجينات يتعرضن للتعذيب الجسدي، بما في ذلك الجلد والصدمات الكهربائية، في حين أن 40% على الأقل يُجبرن على تقديم اعترافات كاذبة تحت التهديد والضغط النفسي، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "هرانا" الحقوقية.

ويعد أحد أكثر الأساليب وحشية المستخدمة كسلاح تعذيب هو الاغتصاب، حيث أكدت تقارير متعددة أن السجينات، خاصة السياسيات، يتعرضن للانتهاكات الجنسية بشكل منتظم، وأشار تقرير لمنظمة العفو الدولية إلى أن 30% من السجينات تعرضن للاغتصاب خلال فترة احتجازهن، بينما تمارس السلطات هذا الانتهاك بشكل متعمد لترهيب النساء وردعهن عن أي نشاط معارض. روايات الناجيات تكشف عن تفاصيل مروعة، من إجبارهن على مشاهدة عمليات اغتصاب سجينات أخريات، إلى تهديدهن بإيذاء عائلاتهن إذا تحدثن عن الانتهاكات التي تعرضن لها.

اكتظاظ داخل السجون

وكشفت تقارير منظمات حقوقية، أن السجون الإيرانية تعاني من الاكتظاظ الشديد، حيث تفوق أعداد السجينات الطاقة الاستيعابية للمعتقلات بثلاثة أضعاف، في سجن "وزراء"، على سبيل المثال، تتكدس السجينات في زنزانات لا تتجاوز مساحتها 15 مترًا مربعًا، تضم أكثر من 30 نزيلة، الطعام شحيح، والمياه غير صالحة للشرب، والرعاية الصحية شبه معدومة. 70% من السجينات يعانين من أمراض جلدية بسبب سوء الظروف الصحية، بينما تحرم المصابات بأمراض مزمنة مثل السكري والسرطان من تلقي العلاج اللازم.

ولا تواجه النساء في إيران القمع فقط داخل السجون، بل إن القوانين والممارسات الرسمية تجعلهن عرضة للتمييز والعنف بشكل يومي، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن إيران تُعدّ واحدة من أسوأ الدول في مجال حقوق المرأة، حيث لا تزال النساء محرومات من العديد من الحقوق الأساسية، مثل حرية التنقل، وحق الطلاق، وحضانة الأطفال، وتولي مناصب قيادية. 85% من النساء الإيرانيات تعرضن لشكل من أشكال العنف المنزلي، في حين أن القوانين لا توفر لهن أي حماية قانونية فعلية، إذ لا يزال العنف الأسري غير مُجرّم بشكل واضح في القانون الإيراني.

وكانت الاحتجاجات النسائية التي شهدتها إيران خلال السنوات الأخيرة دليلًا على وعي متزايد بحقوق المرأة، لكن السلطات قابلتها بقمع وحشي، حيث قُتلت المئات من المتظاهرات، واعتُقلت الآلاف، وفقًا لمنظمة العفو الدولية. 

وطالبت منظمات حقوق الإنسان مرارًا بفرض عقوبات دولية على إيران بسبب الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء، لكن ردود الفعل الدولية بقيت محدودة وغير كافية، ورغم إدراج طهران على قائمة الدول الأكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان، فإن المجتمع الدولي لم يفرض تدابير حاسمة لمنع استمرار الإعدامات والتعذيب والاغتصاب داخل السجون.

قمع ممنهج وجرائم بلا محاسبة

وقالت خبيرة حقوق الإنسان الأكاديمية السورية، ترتيل درويش، إن ما يحدث داخل السجون الإيرانية انتهاك صارخ لكل المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، حيث تواجه النساء المحتجزات أشكالًا مختلفة من التعذيب النفسي والجسدي، في ظل غياب شبه تام لأي محاسبة أو رقابة دولية فعالة، وما تكشفه الرسائل المسربة من داخل المعتقلات ليس مجرد حالات فردية، بل نمط ممنهج من الانتهاكات يعكس سياسة قمعية تهدف إلى كسر إرادة السجينات، خصوصًا اللاتي جُرّمْنَ لمجرد تعبيرهن عن آرائهن السياسية أو مشاركتهن في احتجاجات سلمية.

ووفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا سيما المادتين الخامسة والتاسعة، فإنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، و"لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا"، إلا أن الواقع في السجون الإيرانية يكشف صورة معاكسة تمامًا لهذه المبادئ. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، التقارير الحقوقية تؤكد أن النساء المحتجزات يعانين من الضرب المبرح، والصعق الكهربائي، والعزل الانفرادي المطول الذي يصل أحيانًا إلى أشهر دون محاكمة عادلة، مما يشكل انتهاكًا لمبدأ المحاكمة العادلة المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتعرض النساء في السجون الإيرانية أيضًا للعنف الجنسي، وهو من أخطر الانتهاكات التي تعاني منها السجينات السياسيات. 

ويندرج الاغتصاب والإيذاء الجنسي ضمن جرائم التعذيب وفقًا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّعت عليها إيران، لكن لا يزال هذا الانتهاك يُستخدم كسلاح ممنهج ضد المحتجزات، سواء لانتزاع اعترافات قسرية أو لمعاقبتهن على نشاطهن السياسي، ويؤدي هذا النوع من الانتهاكات إلى تداعيات نفسية طويلة الأمد، حيث تواجه الناجيات وصمة العار الاجتماعية في ظل مجتمع لا يوفر لهن الحماية أو الدعم النفسي والقانوني.

وعن الإعدامات الجماعية، أشارت إلى أنها تعكس سياسة الترهيب التي تمارسها السلطات للقضاء على المعارضة بأي ثمن، وتنفذ الإعدامات في كثير من الأحيان بعد محاكمات صورية تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، حيث يُحرم المتهمون من حقهم في الدفاع أو الاستعانة بمحامٍ مستقل. 

وتشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى أن إيران كانت من بين الدول التي سجلت أعلى معدلات الإعدام عالميًا، حيث بلغت نسبة تنفيذ أحكام الإعدام فيها أكثر من 60% من إجمالي الإعدامات التي تم توثيقها في الشرق الأوسط عام 2022، مما يعكس الاستخدام المفرط والممنهج لهذه العقوبة كأداة للقمع السياسي.

وقالت إن الظروف المعيشية داخل السجون تزيد من قسوة العقوبات المفروضة، حيث تعاني السجينات من نقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية، وفي كثير من الحالات، يتم منع المحتجزات من الحصول على الأدوية أو تلقي العلاج المناسب، مما يتسبب في تفاقم الأمراض المزمنة أو حتى الوفاة نتيجة الإهمال الطبي، وهذا يعد انتهاكًا واضحًا للمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حق كل فرد في مستوى معيشي لائق يشمل الرعاية الصحية والغذاء المناسب.

وأكدت أن الوضع الحالي للنساء في السجون الإيرانية، يعكس بوضوح الانحدار الحاد في مستوى الحريات وحقوق الإنسان داخل البلاد، حيث يتم التعامل مع الأصوات المعارضة على أنها تهديد يستوجب السحق بكل الوسائل الممكنة، لكن رغم ذلك، تبقى صرخات السجينات شاهدة على صمود لا يمكن كسره بسهولة، حيث تواصل النساء تحدي القمع بإصرارهن على توثيق معاناتهن وإيصالها إلى العالم الخارجي، رغم كل المخاطر التي تترتب على ذلك.

وأتمت، لا يمكن اعتبار ما يجري داخل هذه السجون مجرد انتهاكات فردية، بل هو جزء من نظام قمعي متكامل يسعى إلى خنق كل أشكال المعارضة، مما يجعل من الضروري اتخاذ موقف حاسم من قبل المجتمع الدولي لوضع حد لهذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.

انتهاك للقانون الدولي

وقال الخبير القانوني الأكاديمي، فهمي قناوي، إن الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء في السجون الإيرانية تمثل خرقًا فاضحًا للالتزامات القانونية الدولية التي يفترض أن تحترمها إيران، كونها طرفًا في عدد من الاتفاقيات التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، وتعزز حقوق السجناء في الحصول على محاكمات عادلة وظروف احتجاز إنسانية، ما تكشفه الشهادات المسربة حول الإعدامات العشوائية والاعتداءات الجنسية والتعذيب النفسي والجسدي ضد المعتقلات السياسيات وغيرهن.

وتابع قناوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، تنص المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه إيران، على أنه "لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، ومع ذلك، فإن التقارير الحقوقية تؤكد أن النساء المحتجزات يتعرضن بشكل روتيني للتعذيب البدني والنفسي، بما في ذلك الضرب المبرح، والعزل الانفرادي المطول، والحرمان من النوم، والإذلال الجنسي، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا لهذه المادة، كما أن هذه الممارسات تتعارض مع اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تحظر صراحة التعذيب بجميع أشكاله.

واسترسل، الإعدامات التي تُنفذ بحق النساء، خاصة بعد محاكمات تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير القانونية، تتعارض مع المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد أن "الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا"، وتشير التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية إلى أن المحاكم الإيرانية غالبًا ما تستند إلى اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب، مما يفقد أي حكم بالإعدام مشروعيته القانونية، كما أن غياب الحق في الدفاع الفعّال، وحرمان المعتقلات من التمثيل القانوني المستقل، ينتهك المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد ذاته.

وأشار قناوي، إلى أن العنف الجنسي الذي تتعرض له السجينات، سواء من خلال عمليات التفتيش الجسدي المهين أو الاغتصاب أثناء الاستجواب، يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي ينص في المادة السابعة على أن "الاغتصاب -أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة- متى ارتُكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، يعتبر جريمة ضد الإنسانية"، وهذا يجعل من هذه الجرائم مسؤولية قانونية دولية لا يمكن التغاضي عنها، حتى لو كانت ترتكب داخل حدود الدولة نفسها.

وقال إنه لا يمكن تبرير هذه الجرائم حتى وفقًا للقانون الإيراني ذاته، إذ ينص الدستور الإيراني في المادة 38 على أنه "يحظر تعذيب أي شخص بهدف انتزاع الاعترافات أو الحصول على معلومات"، كما تشدد المادة 39 على أن "إهانة كرامة أي فرد محتجز، سواء كان مدانًا أم غير مدان، محظورة"، ومع ذلك، فإن التقارير تشير إلى أن هذه النصوص تبقى حبرًا على ورق، حيث يتم تطبيق القوانين بشكل انتقائي وبما يخدم السلطات الأمنية والقضائية، في ظل غياب آليات فعالة للمحاسبة الداخلية.

وأدان الخبير القانوني، التواطؤ القضائي مع الأجهزة الأمنية والذي يعد أحد أبرز أوجه الإخفاق القانوني في إيران، حيث يتم توظيف القضاء كأداة قمعية بدلًا من كونه ضمانة للعدالة، فالأحكام التي تصدر عن المحاكم الثورية، التي غالبًا ما تُجرى فيها المحاكمات خلف أبواب مغلقة ودون حضور محامين مستقلين، تتعارض مع مبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه في المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1985 وهذا يفتح المجال أمام الإفلات من العقاب، حيث لا تتم محاسبة أي من المتورطين في هذه الجرائم، بل يُمنح الجلادون حصانة تجعلهم يستمرون في انتهاكاتهم دون خوف من الملاحقة القانونية.

وقال قناوي، إن استمرار هذه الانتهاكات يضع إيران في موقف يتعارض مع التزاماتها القانونية الدولية، ويجعلها عرضة للمزيد من الضغوط والمساءلة من قبل المنظمات الحقوقية والمحاكم الدولية، ورغم أن إيران ليست طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن ذلك لا يمنع إمكانية ملاحقة المسؤولين الإيرانيين بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يتيح للدول مقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، بغض النظر عن جنسياتهم أو مكان وقوع الجريمة، وقد شهدت السنوات الأخيرة تحركات في هذا الاتجاه، حيث تم رفع دعاوى قضائية في عدد من الدول ضد مسؤولين إيرانيين بتهم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون.

وأتم، لا يمكن النظر إلى ما يحدث في السجون الإيرانية باعتباره مجرد تجاوزات عابرة، بل هو جزء من منظومة قمعية تهدف إلى سحق أي صوت معارض، خصوصًا إذا كان صادرًا عن النساء اللاتي يتعرضن لأبشع أشكال الانتقام لمجرد مطالبتهن بحقوقهن الأساسية، وفي ظل استمرار هذه الممارسات، فإن غياب العدالة لا يمثل فقط مأساة فردية لكل امرأة معتقلة، بل هو وصمة عار على جبين القانون الدولي الذي لم ينجح حتى الآن في توفير الحماية الحقيقية لمن يقبعون خلف القضبان دون ذنب سوى أنهم طالبوا بالحرية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية