عيد الحب عند اللاجئين والمهاجرين.. يوم يتجدد فيه الألم بعيدًا عن الوطن
عيد الحب عند اللاجئين والمهاجرين.. يوم يتجدد فيه الألم بعيدًا عن الوطن
في زحمة الحياة المتسارعة، حيث تتشابك الأحداث وتتداخل المصائر، يحلُّ عيد الحب كذكرى عالمية تحتفي بالمشاعر الإنسانية التي تجمع البشر، بغض النظر عن اختلافاتهم وانتماءاتهم.
لكنه بالنسبة إلى فئة اللاجئين والمهاجرين لا يكون يومًا للاحتفال بقدر ما يعيد فتح الجراح القديمة، حيث تتجلى تحديات الواقع القاسي الذي يهدد استقرارهم العاطفي والعائلي.
وتُشير الإحصائيات الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين حول العالم بلغ أكثر من 35.3 مليون شخص في عام 2023، بينما وصل عدد النازحين قسرًا إلى أكثر من 110 ملايين شخص، وهو رقم غير مسبوق في التاريخ الحديث.
وتظهر هذه الأرقام حجم الأزمة الإنسانية وراء كل عدد قصة حب مفككة، وعائلة مشردة، وأمل معلق بين الحدود والأسلاك الشائكة.
معوقات لمّ الشمل
ويُعد لمّ الشمل أحد أكبر التحديات التي تواجه اللاجئين، إذ تتباين السياسات من دولة إلى أخرى، مما يحول دون اجتماع العائلات مجددًا، فمثلًا، في ألمانيا، ورغم السياسة المرحبة باللاجئين، فإن إجراءات لمّ الشمل تستغرق بين 12 و24 شهرًا، وهي مدة طويلة قد تؤدي إلى تفكك العلاقات العائلية.. في المقابل، تفرض بعض الدول الأوروبية الأخرى قيودًا صارمة على لمّ الشمل، مثل الدنمارك التي أصدرت في 2021 قوانين تُصعّب من منح التأشيرات لأفراد عائلات اللاجئين.
وفقًا لدراسة أجراها "المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية" (DIW)، فإن معدلات رضا اللاجئين الذين يعيشون مع عائلاتهم أعلى بنسبة 35% من أولئك الذين يعيشون منفصلين عن أحبائهم، وتشير الأرقام إلى أن 60% من اللاجئين المتزوجين الذين لم يتمكنوا من لمّ شملهم يعانون من اضطرابات نفسية، مقارنة بـ30% فقط بين أولئك الذين تمكنوا من الاجتماع بعائلاتهم.
وإلى جانب العقبات القانونية، تأتي الصعوبات الاقتصادية كعامل رئيسي يؤثر على استقرار العلاقات العاطفية للاجئين، فوفقًا للبنك الدولي، فإن أكثر من 80% من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر، حيث يعتمدون على المساعدات الإنسانية أو يعملون في وظائف منخفضة الأجر وغير مستقرة.
وتؤثر هذه العوامل بشكل مباشر على العلاقات العاطفية، إذ تشير دراسة أجراها "المركز الأوروبي للدراسات السوسيولوجية" إلى أن 45% من اللاجئين الذين يعانون من أزمات مالية متكررة أبلغوا عن توترات دائمة مع شركائهم العاطفيين، مقابل 20% فقط بين اللاجئين ذوي الدخل المستقر.
الصحة النفسية واستقرار العلاقات
تلعب الصحة النفسية دورًا حاسمًا في التأثير على علاقات اللاجئين والمهاجرين، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن اللاجئين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 60% مقارنة بالسكان الأصليين في الدول المضيفة، كما يعاني 30% منهم من اضطراب ما بعد الصدمة، نتيجة العنف أو التهجير القسري أو فقدان الأحبة.
وتشير الدراسات إلى أن هذه العوامل تترك أثرًا بالغًا على العلاقات العائلية والعاطفية، حيث يواجه الأزواج صعوبة في التواصل العاطفي بسبب الضغط النفسي المستمر، ففي دراسة أجرتها جامعة "كامبريدج"، تبين أن 55% من اللاجئين المتزوجين يواجهون مشكلات في العلاقة الزوجية بسبب الصدمات النفسية التي تعرضوا لها خلال رحلة الهجرة.
ولا تقتصر التحديات على الجوانب القانونية أو الاقتصادية، بل تمتد إلى البُعد الثقافي والاجتماعي، حيث يواجه اللاجئون صعوبات في التكيف مع المجتمعات الجديدة، خاصة إذا كانت هناك فجوة ثقافية واسعة. هذا الاندماج الصعب قد يؤثر على العلاقات العاطفية، خاصة عندما يكون هناك اختلاف في العادات والتقاليد بين الطرفين.
في فرنسا، على سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها "المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية" أن 35% من اللاجئين الذين تزوجوا من مواطنين محليين يواجهون تحديات في التفاهم الثقافي، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق بينهم، كما أن اللاجئين الذين يعانون من ضعف في اللغة يجدون صعوبة في بناء علاقات اجتماعية وعاطفية مستقرة.
وسط هذه التحديات، يصبح عيد الحب بالنسبة إلى اللاجئين والمهاجرين مناسبة تُعيد فتح الجروح بدلًا من أن تكون يومًا للاحتفال فبالنسبة إلى الكثيرين، هو يوم يذكّرهم بأحبائهم الذين ما زالوا عالقين في مناطق النزاع أو ينتظرون لمّ الشمل. لكن في المقابل، يمثل أيضًا فرصة للتأكيد على أهمية التضامن الإنساني والدعم المجتمعي لهذه الفئة التي تواجه تحديات استثنائية.
ويرى خبراء أن الحب يظل حقًا إنسانيًا لا يجب أن يكون رهينة للأوضاع القانونية أو الظروف الاقتصادية، فاللاجئون والمهاجرون، رغم كل التحديات، لا يفقدون قدرتهم على الحب أو حاجتهم إلى العاطفة.. ولعل الحل يكمن في تكاتف الجهود لتخفيف الأعباء القانونية والمعيشية عنهم، كي يتمكنوا من العيش بكرامة، ويجدوا مساحة للفرح حتى وسط الألم.
القمع وحقوق اللاجئين العاطفية
قالت خبيرة حقوق الإنسان التونسية، مريم حمودة، إن الحب هو أكثر من مجرد مشاعر فردية، إنه حاجة إنسانية أساسية لا تقل أهمية عن الحق في الحياة والحرية والكرامة، ومع ذلك، فإن اللاجئين والمهاجرين غالبًا ما يُحرمون من هذا الحق تحت وطأة القوانين القاسية والسياسات التمييزية التي تفصل بينهم وبين أحبائهم، وتضع قيودًا صارمة على لمّ الشمل، وتحرمهم من فرص بناء حياة مستقرة.
وقالت حمودة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن الاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص بوضوح على أن لكل إنسان الحق في تكوين أسرة والعيش مع من يحب في بيئة آمنة ومستقرة، لكن الواقع يُظهر أن هذه الحقوق تتلاشى عندما يتعلق الأمر باللاجئين، الذين يصبحون أسرى لأنظمة قانونية تجعل وجودهم ذاته محل جدل سياسي وأمني، إنهم يواجهون عراقيل إدارية معقدة لا تمنعهم فقط من لمّ شملهم مع شركائهم وعائلاتهم، بل تعزز عزلة قسرية تنعكس على صحتهم النفسية والاجتماعية.
وتابعت، أن حق الإنسان في مستوى معيشي لائق، كما نصت عليه المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُحرم منه ملايين اللاجئين الذين يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية، هذه الظروف تخلق بيئة من عدم الأمان العاطفي والمادي، مما يؤدي إلى تفكك العائلات وضياع الأحلام، كما أن التمييز الثقافي والمجتمعي الذي يواجهه اللاجئون يزيد من عزلتهم، ويضع قيودًا إضافية على قدرتهم في تكوين علاقات صحية.
وشددت على أن الحق في الحب ليس رفاهية يجب التنازل عنها عند مواجهة النزوح واللجوء، بل هو جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية، ولا يمكن لأي نظام قانوني أو سياسي أن يبرر حرمان اللاجئين من حقهم في بناء حياة عاطفية وأسرية مستقرة، فالحب، كما هي الحال مع الحرية والكرامة، ليس امتيازًا يُمنح للبعض ويُحجب عن آخرين، بل هو حق إنساني يجب أن يكون متاحًا للجميع بغض النظر عن وضعهم القانوني أو بلدهم الأصلي.
وأوضحت أن السبيل إلى تحقيق ذلك لا يكمن فقط في تعديل القوانين لتسهيل لمّ الشمل والاعتراف بحقوق اللاجئين في الاستقرار، بل في إعادة النظر في الطريقة التي يُنظر بها إليهم، يجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات المضيفة أن تدرك أن اللاجئين ليسوا عبئًا، بل أفرادًا يسعون إلى حياة كريمة مثل أي شخص آخر، إن منحهم فرصة الحب والاستقرار لا يحقق فقط العدالة الإنسانية، بل يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا وتسامحًا.
هل تُقيد الحدود مشاعر الإنسان؟
وقالت الناشطة التونسية، ريم بن خلف، إن الحب وحقوق اللاجئين، ظاهرتان متداخلتان بشكل معقد، ولكنهما نادراً ما تُطرحان في سياق واحد، فالحب، هو ذلك الشعور الإنساني الأعمق، واللجوء، ذلك الوضع القسري الذي يُفرض على الإنسان، يبدوان على طرفي نقيض، لكنهما يلتقيان في تجربة الإنسان حين يجد نفسه منبوذاً أو مرحَّباً به، مقبولاً أو مرفوضاً، مرغوباً أو مُحاطاً بأسوار خشنة من العزلة، إن الحب في جوهره فعل احتواء، وهو ذاته ما يفتقده اللاجئ حين يغادر وطنه مكرهاً، فتغدو الأرض الجديدة التي تطأها قدماه اختباراً لحقيقة الشعارات الإنسانية التي ترفعها المجتمعات المستقبلة.
وتابعت ريم بن خلف، في تصريحات لـ"جسور بوست، أن اللاجئ الذي يُنتزع من سياق حياته يجد نفسه في عالم يفرض عليه تعريفاً جديداً، فهو لم يعد فرداً متكاملاً، بل تحول إلى "آخر"، إلى "عبء"، إلى "قضية" تُناقش في الغرف المغلقة أو تُوظف في الحملات السياسية، حتى حين يقع في الحب، يجد أن حبه مسيّج بقيود القانون، تُفرَض عليه قيود البيروقراطية التي تمنع لمّ شمله بعائلته أو تضع أمامه عراقيل في تكوين أسرة جديدة، هذا الاختناق القانوني ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو اغتيال خفي لمشاعر البشر، حيث يتحول الحب من كونه حقاً طبيعياً إلى معركة يخوضها المرء في مواجهة أنظمة صمّاء.
واسترسلت: في بعض المجتمعات، يتعرض اللاجئ لعزلة قسرية، فلا يجد فرصة لبناء علاقات طبيعية مع مواطني البلد المضيف، تخلق هذه العزلة نوعاً من الفراغ العاطفي، حيث يصبح الحب ترفاً مستحيلاً أو مغامرة محفوفة بالأحكام المسبقة، فالعلاقات العاطفية التي تتجاوز الفروقات الثقافية تُستقبل أحياناً بالريبة، وكأنها تهديد للهوية الجمعية، وهكذا يصبح الحب بدوره خاضعاً لمنطق الحدود، حدود الجغرافيا، وحدود القانون، وحدود الأعراف الاجتماعية التي تُحاصر اللاجئ في نطاق ضيق، فلا يحق له أن يحب إلا ضمن شروط محددة سلفاً.
وأشارت ريم بن خلف إلى أن الحب بطبيعته يتجاوز الحدود، فكما لم يختر اللاجئ مصيره، كذلك لا يختار القلب متى يقع في الحب، فهناك قصص تتحدى هذا الواقع، حيث تثمر العلاقات العابرة للحدود عن تجارب إنسانية تُبرهن على أن الحب قادر على تفكيك الحواجز التي يضعها القانون والمجتمع، ومع ذلك تبقى هذه القصص الاستثنائية مجرد استثناءات، بينما تظل الأغلبية تصارع نظاماً لا يرى في الحب إلا امتيازاً، وليس حقاً.
وقالت إن الحديث عن حقوق اللاجئين يجب ألا يُختزل في الضروريات الأساسية من مأكل ومسكن وأمن، بل يجب أن يمتد ليشمل الحق في أن يكون الإنسان إنساناً كاملاً، يعيش، ويحب، ويحلم دون أن تعوقه الهويات المصطنعة.