على وقع أزمات سياسية وبيئية.. بلاد الرافدين مهددة بالعطش والجفاف
على وقع أزمات سياسية وبيئية.. بلاد الرافدين مهددة بالعطش والجفاف
بلاد الرافدين مهددة بالعطش.. هكذا بات حال العراق عقب انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات بشكل خطير، وسط تجاهل تركي وإيراني.
وقبل أيام، تداول نشطاء عراقيون مقطعا مصورا يظهر شابا يعبر نهر دجلة سيرا دون أن تغمره المياه، ما يعكس حالة جفاف غير مسبوقة في البلد العربي.
وفي محاولة لتهدئة مخاوف شعبية متصاعدة، أصدرت وزارة الموارد المائية العراقية بيانًا استنكرت فيه ما وصفته بـ"استغلال البعض مقطع الفيديو لبث الذعر بين المواطنين".
وعاب مغردون عراقيون عبر منصات التواصل الاجتماعي، على حكومة بلادهم انتهاجها سياسة "التواطؤ والإنكار" التي تتعامل بها مع الأزمة، مؤكدين أن مساحات شاسعة من الأراضي العراقية تحولت إلى صحراء قاحلة.
وأقر خبراء عراقيون لـ"جسور بوست" بتفاقم أزمة شح المياه في البلد العربي، جراء ما اعتبروه "سياسات مائية عدائية" من تركيا وإيران، إضافة إلى تأثير التغيرات المناخية، متهمين الحكومات المتعاقبة بالفشل في إدارة هذا الملف الإستراتيجي.
ويعتمد العراق على الأنهار القادمة من تركيا وإيران في توفير نحو 90 بالمئة من موارده المائية، فيما يستمد الباقي من بحيراته الطبيعي التي تغذيها المياه الجوفية.
ومنذ سنوات بدأت أنقرة وطهران في بناء سدود عملاقة على منابع نهري دجلة والفرات، ما دفع بغداد إلى التهديد أكثر من مرة باللجوء إلى تدويل القضية لكنها لم تفعل حتى الآن.
تحذيرات رسمية
وتعتبر التقاريرُ الدوليةُ العراقَ واحدًا من أكثر 5 دول في العالم تضررًا من التغييرات المناخية، وأكثرها عرضة للتصحر، متوقعة جفاف مياه دجلة والفرات في غضون 20 عامًا، ما لم يتم التعامل مع الأزمة بشكل صحيح.
ووفق تقديرات رسمية، تسببت التغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وندرة هطول الأمطار في فقدان العراق نحو 50 بالمئة من موارده المائية بداية من العام الماضي.
وفي إبريل الماضي، قال الرئيس العراقي برهم صالح، في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر، إن "التغير المناخي يشكل تهديدًا وجوديا للبلاد، فمصير بحيرة ساوة، التي أصبحت الآن أرضًا ملحية قاحلة، يذكرنا بالخطر الذي ينتظرنا".
وأضاف صالح أنه "من المتوقع أن يصل العجز المائي في العراق إلى 10.8 مليار متر مكعب بحلول عام 2035، بعد تراجع منسوبي دجلة والفرات وتبخر المياه خلف السدود وعدم تحديث طرق الري".
وقبل أيام، قال وزير الموارد المائية العراقية مهدي رشيد، إن تركيا تقاسمت مع بلاده الضرر في ما يتعلق بشح المياه، لكن إيران لم تفعل ذلك، بل حولت مجرى الأنهار داخل أراضيها وحرمت قطاعاً واسعاً من الشعب العراقي من المياه.
تراخي الحكومات
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي المختص بالشأن الدولي حيدر سليمان لـ"جسور بوست"، إن مؤتمر التغير المناخي COP 26 الذي أقيم في غلاسكو بالمملكة المتحدة، صنف العراق واحدا من بين 10 دول هي الأكثر تضررا من التغيرات المناخية بالعالم.
وأضاف سليمان أن الأزمة الكبيرة التي تواجه بلاده تتمحور في رفض تركيا وإيران تقاسم الضرر مع العراق، حيث تصر كل منهما على الاحتفاظ بحصتها من مياه، عبر بناء السدود وتحويل مجرى الأنهار الدولية بشكل متعمد.
وأردف: "هذه السياسات العدائية حرمت العراق ما يقرب من 50 إلى 60 بالمئة من موارده المائية، طهران وأنقرة تتنصلان من الالتزامات الواردة في الاتفاقية الدولية، ومنها معاهدة الدول المتشاطئة، التي تنظم المياه بين الدول المتقاسمة للأنهار الدولية".
وأشار إلى أن السياسات المائية الإيرانية والتركية، أدت إلى انحسار المياه في نهري دجلة والفرات، ما أثر سلباً على الحصة المائية لكل من سوريا والعراق، إضافة إلى تراجع مساحات الرقعة الزراعية.
واستشهد سليمان بأن محافظة البصرة جنوبي العراق يعيش فيها نحو 5 ملايين نسمة بلا مياه صالحة للشرب، ومع قدوم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة سيتحول الوضع في العراق إلى جحيم.
وانتقد سليمان ما وصفه بـ"تراخي الحكومات المتعاقبة في التعامل مع هذا الملف الإستراتيجي الحساس"، مؤكدا أن العراق كان بإمكانه بناء السدود والبحيرات وتعزيز مخزون المياه الجوفية، لكن السلطات انشغلت بالصراعات السياسية ولم يشغلها سوى بيع النفط لتسيير الحياة اليومية.
مخاطر متوقعة
من جانبه، قال، الباحث العراقي المتخصص في شؤون البيئة خالد سليمان، لـ"جسور بوست" إن منسوب المياه في نهري دجلة والفرات انخفض بنسبة كبيرة، ما أدى إلى جفاف مناطق كثيرة في النهرين.
وأضاف خالد أن "العراق باعتباره دولة المصب هو المتضرر الوحيد من السياسات المائية العدائية التي تمارسها تركيا وإيران، وتتمثل في بناء السدود وتغيير مجرى الأنهار باستخدام خطوط أنابيب عملاقة".
وتابع: "هذا سيحرم أبناء العراق من حقهم في الحصول على المياه، ويؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي والأمني في مناطق عراقية كثيرة، وربما تنتج عن ذلك حالات نزوح جماعي وهجرات داخلية وخارجية خلال السنوات المقبلة".
وأكد أن هناك مساحات شاسعة من الأراضي العراقية تحولت إلى صحراء قاحلة غير صالحة للزراعة وإنتاج الغذاء، بفعل السياسات المائية لدولتي الجوار، والتغيرات المناخية التي يعاني من تأثيراتها العراق.
واتهم سليمان الحكومة العراقية الحالية بالتعامل السيئ مع هذا الملف، مطالبًا إياها بـ"وضع خطة عاجلة وطارئة لحل الأزمة بشكل مستدام، خاصة أن العراق يزيد سكانه كل عام نحو مليون نسمة".
ومضى قائلا: "من المرجح أن يصل تعداد سكان العراق إلى 80 مليون نسمة في عام 2050، وبالتالي فإن نقص المياه والموارد الطبيعية يمثل خطرًا يهدد وجود العراق بأكمله".
فيما أشار سليمان إلى استمرار سلوكيات سلبية في استخدام المياه، والتي أسفرت عن جفاف بحيرة ساوة في الجنوب وبحيرة حمرين في الشرق، وغيرها من البحيرات الجوفية".
وأوضح أنه بجانب تراجع الموارد المائية وندرة هطول الأمطار، هناك أزمة تتمثل في حفر عدد كبير من الآبار الجوفية للحصول على المياه، سواء للاستخدام المنزلي أو الصناعي في هذه المناطق، وهو ما يهدد بجفاف البحيرات بشكل كامل.
وقال سليمان إن الحكومة فشلت أيضًا في التعامل مع مياه الصرف الصحي، حيث تعود تلك المياه بعد استخدامها في المنازل والمصانع والزراعة إلى الأحواض النهرية مرة أخرى دون معالجة؛ ما يلوث المياه الصالحة للشرب ويهدد بانتشار أمراض خطيرة.
ومؤخرا يعاني العراق بشكل لافت من الجفاف والعواصف الرملية وارتفاع في درجات الحرارة يتجاوز الـ50 درجة مئوية، ما أجبر السلطات إلى خفض مساحات الأراضي المزروعة إلى النصف خلال فصل الشتاء الماضي.
وفي نوفمبر الماضي، توقع البنك الدولي أن العراق البالغ عدد سكانه 41 مليون نسمة، سيعاني انخفاضا بنسبة 20 بالمئة في موارده المائية بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ.
ويحتاج البلد العربي الذي عانى على مدى عقود من الصراعات والحروب إلى استثمار 180 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين في البنية التحتية وبناء السدود ومشاريع الري، بحسب البنك الدولي.