بين أنياب المجاعة ومخالب العنف.. أجساد النساء عملة في اقتصاد الأزمات
بين أنياب المجاعة ومخالب العنف.. أجساد النساء عملة في اقتصاد الأزمات
في عالم يزداد ترابطًا وتعقيدًا، تبرز العلاقة بين المجاعات والعنف الجنسي كواحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحًا وإثارة للقلق، هذه العلاقة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج تفاعل معقد بين عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية تتفاقم في ظل الأزمات الإنسانية.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 811 مليون شخص حول العالم يعانون من الجوع المزمن، بزيادة قدرها 161 مليون شخص منذ بداية جائحة كوفيد-19، وهذه الأرقام المروعة لا تعكس فقط أزمة غذاء، بل تكشف عن أزمة إنسانية أعمق، حيث تصبح النساء والأطفال، وخاصة الفتيات، الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للاستغلال والعنف.
في السودان، على سبيل المثال، أصبحت الأزمة الإنسانية تتفاقم بشكل غير مسبوق، قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، توم فليتشر، إن السودان يمثل "حالة طوارئ إنسانية مروعة"، محذرًا من تفاقم المجاعة المستمرة وانتشار العنف الجنسي، بالإضافة إلى قتل وإصابة الأطفال.
ولكن السودان ليس حالة معزولة، ففي اليمن يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بينما يحتاج 16 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وفي أفغانستان، التي تشهد أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، يعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي، مع توقعات بزيادة هذا العدد في الأشهر المقبلة.
تفكك البنى الاجتماعية
وتعد العلاقة بين المجاعات والعنف الجنسي، نتاج تفاعل معقد بين عوامل متعددة، ففي ظل انعدام الأمن الغذائي تتفكك البنى الاجتماعية وتنهار الأنظمة الأسرية، مما يزيد من تعرض النساء والأطفال للاستغلال.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة "أنقذوا الأطفال"، فإن 70% من النساء في مناطق النزاع يتعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي، بينما تتعرض الفتيات لخطر الزواج المبكر القسري كوسيلة للهروب من الفقر والجوع. هذه الممارسات ليست فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل هي أيضًا عامل يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث يؤدي العنف الجنسي إلى تدمير الصحة النفسية والجسدية للضحايا.
في الصومال، تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 1.8 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما تعاني النساء من ارتفاع معدلات العنف الجنسي، خاصة في مخيمات النازحين وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن 60% من النساء في هذه المخيمات تعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي، بينما تتعرض الفتيات لخطر الختان القسري والزواج المبكر.
وفي الكونغو الديمقراطية، حيث يعاني أكثر من 27 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، تتعرض النساء لخطر العنف الجنسي بشكل يومي، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "أطباء بلا حدود"، فإن أكثر من 40% من النساء في شرق الكونغو تعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي، بينما تتعرض الفتيات لخطر الاختطاف والاستغلال الجنسي. هذه الأرقام المروعة تكشف عن واقع يعاني منه ملايين الأشخاص، حيث تصبح النساء والأطفال الضحايا الرئيسيين للعنف الجنسي في ظل انعدام الأمن الغذائي.
وتعد العلاقة بين المجاعات والعنف الجنسي، قضية حقوقية وسياسية تتطلب تدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي، ففي ظل انعدام الأمن الغذائي، تتفاقم الأزمات الإنسانية وتزداد معاناة النساء والأطفال، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والعنف.
ويتطلب حل هذه الأزمة ليس فقط توفير المساعدات الغذائية، بل أيضًا تعزيز الحماية للنساء والأطفال في ظل الأزمات الإنسانية، ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة فإن أكثر من 80% من النساء في مناطق النزاع يتعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي، بينما تتعرض الفتيات لخطر الزواج المبكر القسري هذه الممارسات ليست فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل هي أيضًا عامل يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.
وفي ظل انعدام الأمن الغذائي، تتفاقم الأزمات الإنسانية وتزداد معاناة النساء والأطفال، ما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والعنف. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن أكثر من 60% من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي هم من النساء والأطفال، بينما تتعرض النساء لخطر العنف الجنسي بشكل يومي هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي صرخة استغاثة من واقع يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم.
علاقة وطيدة مدمرة
وقالت خبيرة حقوق الإنسان التونسية، مريم حمودة، إن العلاقة بين المجاعات والعنف الجنسي، خاصة في ظل الأزمات الإنسانية، ليست مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية، فالمجاعات، بوصفها أزمة إنسانية، لا تقتصر آثارها على انعدام الأمن الغذائي، بل تمتد لتشكل تهديدًا مباشرًا لكرامة الإنسان وحقوقه، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا، وهم النساء والأطفال هذه الفئات، التي تعاني بالفعل من التمييز الهيكلي في أوقات الاستقرار، تتحول إلى أهداف سهلة للاستغلال والعنف في أوقات الأزمات، مما يعكس فشلًا نظاميًا في حماية حقوق الإنسان.
وتابعت حمودة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) تلزم الدول باتخاذ تدابير فعالة لمنع العنف ضد المرأة، بما في ذلك في حالات النزاع والأزمات الإنسانية، ومع ذلك فإن الواقع يشير إلى أن النساء في مناطق المجاعات يتعرضن لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاغتصاب والاستغلال الجنسي والزواج القسري، دون وجود آليات حماية فعالة.
واسترسلت: إن اتفاقية حقوق الطفل، التي تلزم الدول بحماية الأطفال من جميع أشكال العنف والاستغلال، تُنتهك بشكل صارخ في ظل المجاعات فالأطفال، وخاصة الفتيات، يصبحون عرضة للاستغلال الجنسي والاتجار بهم، بل ويتم إجبارهم على الزواج المبكر كوسيلة لتخفيف العبء الاقتصادي على الأسر هذه الممارسات لا تنتهك فقط حقوق الأطفال في الحماية والسلامة، بل تحرمهم أيضًا من حقوقهم في التعليم والصحة والنمو في بيئة آمنة..
وقالت إنه من المهم الإشارة إلى أن هذه الانتهاكات لا تحدث في فراغ، بل هي نتاج لسياسات وإجراءات فاشلة على المستويات المحلية والدولية، فغياب الحوكمة الفعالة في العديد من الدول التي تشهد مجاعات، بالإضافة إلى تقاعس المجتمع الدولي عن توفير الحماية الكافية للنازحين واللاجئين، يسهم في تفاقم هذه الأزمات.
وأتمت: العلاقة بين المجاعات والعنف الجنسي ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي قضية حقوقية بالدرجة الأولى، ففي ظل انعدام الأمن الغذائي، تتحول النساء والأطفال إلى ضحايا لانتهاكات جسيمة تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
تحليل اقتصادي للاستغلال
وقال الخبير الاقتصادي، والأكاديمي، رشاد عبده، إنه في المجتمعات التي تعاني من المجاعات، لا يقتصر أثر انعدام الأمن الغذائي على تدهور الصحة العامة وانخفاض الإنتاجية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليؤدي إلى انهيارات اجتماعية عميقة تسهم في تفشي العنف الجنسي، لا سيما ضد الفئات الأضعف مثل النساء والأطفال، ومن منظور اقتصادي، يمكن فهم هذه العلاقة المأساوية بين الجوع والاستغلال الجنسي عبر عدة نظريات اقتصادية، من بينها نظرية العرض والطلب، ونظرية الاقتصاد المؤسسي الجديد، بالإضافة إلى تحليل تأثير الفقر والندرة على السلوك البشري وفقاً لاقتصاديات السلوكيات البشرية.
وتابع عبده في تصريحات لـ"جسور بوست"، توضح نظرية العرض والطلب كيف أن الندرة الحادة في الموارد، وخاصة الغذاء، تؤدي إلى إعادة تشكيل علاقات القوة داخل المجتمع، عندما تتضاءل الإمدادات الغذائية، يرتفع الطلب عليها بشكل كبير، مما يمنح من يمتلكون الغذاء أو القدرة على الوصول إليه قوة تفاوضية هائلة على حساب من يعانون من الجوع، في ظل هذه المعادلة المختلة، تصبح النساء والأطفال أكثر عرضة للاستغلال، حيث يُدفع بهم إلى ممارسات قسرية مثل الزواج القسري، والاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي مقابل الحصول على الضروريات الأساسية.
وتابع: نظرية الاقتصاد المؤسسي الجديد تفسر كيف أن غياب المؤسسات القوية وسيادة القانون في أوقات الأزمات يؤديان إلى انتشار العنف الجنسي كأداة للهيمنة الاقتصادية والاجتماعية، عندما تنهار الحكومات أو تصبح غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية، تظهر الأسواق غير الرسمية والاقتصادات غير المشروعة التي تعتمد على استغلال الفئات الأكثر ضعفاً الجماعات المسلحة، فتستغل غياب الدولة لفرض سيطرتها الاقتصادية من خلال تجنيد الأطفال، والاتجار بالبشر، واستخدام العنف الجنسي كسلاح لترهيب المجتمعات وضمان استمرارية نفوذها.
وأوضح: المجاعة تؤدي إلى تحولات نفسية وسلوكية تؤثر على آليات اتخاذ القرار لدى الأفراد، مما يزيد من احتمالات تعرض النساء والفتيات للاستغلال، عندما يكون البقاء على قيد الحياة هو الهاجس الأساسي، تصبح الخيارات المتاحة للأفراد محدودة للغاية، ويفقدون القدرة على التخطيط بعيد المدى أو تقييم البدائل الاقتصادية المتاحة.
وأشار إلى أن تأثيرات العنف الجنسي في ظل المجاعات لا تتوقف عند الضرر المباشر على الضحايا، بل تمتد لتشمل الاقتصاد ككل من خلال تأثيراتها طويلة الأمد على رأس المال البشري فقد أظهرت دراسات عدة أن النساء اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي يعانين من انخفاض الإنتاجية، وتراجع فرص التوظيف، وارتفاع مستويات الفقر، مما يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي على المستوى الوطني.
وشدد الخبير الاقتصادي على أنه ولمعالجة هذه الأزمة من منظور اقتصادي، يجب التركيز على تعزيز الأمن الغذائي كوسيلة للحد من عدم المساواة في القوة التفاوضية بين الأفراد، وتعزيز الهياكل المؤسسية التي تضمن الحماية القانونية للفئات الأضعف، إضافة إلى سياسات اقتصادية تدعم التمكين الاقتصادي للنساء كوسيلة للحد من هشاشتهن أمام الاستغلال، فبدلاً من الاكتفاء بحلول إغاثية قصيرة الأمد، ينبغي الاستثمار في مشاريع إنتاجية تعزز الاستقلال الاقتصادي للمجتمعات المتضررة، مثل برامج النقد مقابل العمل، ودعم المشاريع الصغيرة، وتعزيز فرص التعليم والتدريب المهني، وفرض رقابة صارمة على عمليات توزيع المعونات، وضمان عدم تحولها إلى أدوات للابتزاز والاستغلال.
وأتم: العلاقة بين المجاعات والعنف الجنسي ليست مجرد نتيجة طبيعية لأزمات اقتصادية، بل هي انعكاس لخلل أعمق في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية التي تسمح بحدوث هذه الانتهاكات، وكسر هذه الحلقة يتطلب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المتبعة في أوقات الأزمات، والاعتراف بأن الحل لا يكمن فقط في توفير الغذاء، بل في بناء أنظمة اقتصادية عادلة تضمن الحماية والكرامة للجميع.