المتقاعدون في المغرب.. سنوات العطاء تنتهي بمعاشات لا تكفي للعيش

المتقاعدون في المغرب.. سنوات العطاء تنتهي بمعاشات لا تكفي للعيش

يواجه المتقاعدون في المغرب أوضاعا اقتصادية صعبة، في ظل تدني المعاشات التي يحصلون عليها عند تقاعدهم عن العمل، في ظل ظروف اقتصادية صعبة وارتفاع كبير في الأسعار.

"هذه الفئة في المجتمع تعيش أوضاعاً مزرية على جميع الأصعدة، سواء المعيشية، نظراً لغلاء المعيشة، وكذلك الصحية والاجتماعية، فتقريباً منذ ربع قرن لم تعرف المعاشات في المغرب أية زيادة، رغم أن الأسعار ترتفع في كل حين، ونسبة الارتفاع بلغت تقريباً 400%، أو أكثر، منذ ذلك الوقت (أي خلال 25 سنة)"، يقول محمد عبوب (66 عاماً)، متقاعد مغربي.

وقال محمد، الذي كان أستاذاً في السلك الابتدائي بالقطاع العام، في حديث مع "جسور بوست"، إن "هناك معاشات في المغرب تقل عن 500 درهم مغربي (50 دولاراً أمريكيّاً) (شهريّاً)، وإن هناك مجموعة من المتقاعدين يعولون أسراً تضم أبناءً لا يشتغلون، وهناك من يعولون حتى أحفادهم، وإن معظم المتقاعدين والمتقاعدات مصابون بأمراض مزمنة ومكلفة".

وأضاف محمد، المتقاعد منذ 5 سنوات، والقاطن في مدينة المحمدية (مجاورة لمدينة الدار البيضاء)، يرى أن "هذا يحتم عليهم القيام بوقفات احتجاجية، من أجل مجموعة من المطالب، التي يعتبرها منطقية، وأولها -بحسبه- الزيادة في معاشات المتقاعدين، لتتلاءم على الأقل مع غلاء المعيشة الحالية، وألّا تقل أدنى المعاشات عن الحد الأدنى للأجور في المغرب".

وتابع: "أنا متقاعدة منذ 4 سنوات، من متقاعدي القطاع الخاص، معاشي لا يكفيني حتى لشراء الدواء"، تقول ح.ق (65 عاماً)، متقاعدة مغربية.

وقالت سيدة طلبت عدم ذكر اسمها، وهي مطلقة، وكانت مستخدَمة في معمل للنسيج، في حديث مع "جسور بوست"، إن "راتبها الشهري خلال فترة اشتغالها كان يتراوح ما بين 2000 و2500 درهم مغربي (ما بين 200 و250 دولاراً أمريكيّاً)، وإن معاشها يبلغ حاليّاً 1200 درهم مغربي (120 دولاراً أمريكيّاً)، وإنها تعاني من أمراض مزمنة، وأم لابن لا يزال يدرس، وتكتري سكناً، وليس لديها معيل، ولا تعرف كيف ستتصرف"، معتبرة أن هذا "غير إنساني". 

وتابعت السيدة القاطنة في مدينة الدار البيضاء، أن "الأسعار في المغرب ترتفع"، وأنها "تواجه مشكلاً في المعيش اليومي"، معبرة عن استيائها من رفع أجور الناس، الذين ينتجون ويشتغلون (الموظفون والمستخدَمون، الذين لا يزالون في الخدمة)، دون أن تُرفَع معاشات المتقاعدين.

وأضافت: "أملنا في الجمعيات، التي تناضل، وتتحدث عن حقوق المتقاعدين، ونحن معها إلى غاية اليوم، الذي سنموت فيه، نحن مع جمعية المتقاعدين، وفيدرالية المتقاعدين، وشبكة هيئات المتقاعدين، حتى لو اضطررنا إلى الوقوف والاحتجاج بعكاكيزنا، نريد فقط العيش الكريم، لا نريد الكماليات، نريد الضروريات".

يخوض محمد، والسيدة المطلقة، وغيرهما من المتقاعدين المغاربة المنضوين تحت لواء الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين، سلسلة من الاحتجاجات المستمرة، للمطالبة بمجموعة من المطالب، أبرزها الزيادة في معاشاتهم، أسوة بالموظفين والمستخدَمين في القطاعين العام والخاص، الذين لا يزالون في الخدمة، ويتم رفع أجورهم.

سوق مغربي - أرشيف

أكثر من 65 ألف متقاعد بين 2024 و2028

بحسب تقرير حول الموارد البشرية، أرفق بمشروع قانون مالية المغرب لسنة 2025، فإن عدد الموظفين المدنيين في الوظيفة العمومية بلغ برسم سنة 2024 نحو 570.917 موظفاً، مقابل ارتفاع في عدد حالات التقاعد، وحذف عدد من المناصب.

واستناداً إلى معطيات الصندوق المغربي للتقاعد، التي أوردها التقرير المذكور، فمن المتوقع إحالة 65.213 موظفاً مدنيّاً على التقاعد، لبلوغهم حد السن القانوني، خلال الفترة ما بين سنتي 2024 و2028، وهو ما يعادل حاليّاً 13% من إجمالي عدد الموظفين المدنيين.

وصادق رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في أواخر سنة 2022 على قرار استفاد بموجبه ‏مئات الآلاف من المتقاعدين المنتمين إلى القطاع الخاص من زيادة في معاشاتهم قدرها 5%، وذلك بأثر رجعي ‏ابتداءً من يناير 2020.

سيدة تتبضع في سوق مغربي - أرشيف

مطالب المتقاعدين

قال رئيس فيدرالية المتقاعدين بالمغرب، وعضو الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين، المصطفى البويهي، إن مطالبهم تتمثل أولاً في "رفع الحظر" عن المعاشات، لأن "المعاشات في المغرب لم تعرف -بحسبه- زيادات منذ أزيد من 23 سنة"، وأنه "يتم رفع أجور الموظفين في إطار تعويضات، بينما لا ترفع معاشات المتقاعدين"، مبيناً أنهم يعتبرون هذا "نوعاً من الاحتيال على القانون، لأن الفصل 2-44 من المرسوم 71-011، الذي صدر في 30 ديسمبر، ينص على أن أية زيادات طرأت على الراتب الأساسي، يجب أن يستفيد منها الجميع؛ موظفون، ومتقاعدون".

وتابع البويهي، في حديث مع "جسور بوست"، أنه "لكيلا يتم رفع معاشات المتقاعدين في المغرب، لا يُرفَع الراتب الأساسي للموظفين، بل تكون الزيادة في رواتبهم على شكل تعويضات"، مطالباً بمراجعة القانون، الذي يخص التعويضات، و"يحرم المتقاعدين من الزيادة في المعاشات".

وأفاد بأن "أجور جميع الموظفين عرفت هذه السنة زيادات تتراوح ما بين 1000 و3000 درهم مغربي (ما بين 100 و300 دولار أمريكي)، بينما لا شيء بالنسبة للمتقاعدين"، وأن "قانون المالية لسنة 2025 لا يوجد فيه أي حديث عن زيادة في معاشاتهم"، داعياً إلى إقرار زيادة فورية قدرها 2000 درهم مغربي (200 دولار أمريكي) للمتقاعدين، واعتماد السلم المتحرك للمعاشات، تماشياً مع ارتفاع الأسعار، وأن يكون أقل معاش يتساوى مع الحد الأدنى للأجور في البلاد.

إلغاء الضريبة على المعاشات

اعتبر البويهي أن إلغاء الدولة للضريبة عن المعاشات، "تحايل على الملف المطلبي للمتقاعدين"، لأن إلغاءها "في صالح ذوي المعاشات الكبيرة"، مبيناً أنه "إذا لم تكن تتقاضى أكثر من 14 ألف درهم (1400 دولار أمريكي)، فإلغاء تلك الضريبة لن يفيدك شيئاً، وسيرتفع المعاش بمبالغ صغيرة، وهذه الزيادة لا تتماشى، بحسبه، مع ارتفاع الأسعار الموجود".

ومن بين التدابير الجبائية الجديدة، التي وردت في قانون مالية المغرب لسنة 2025، فسيتم إلغاء الضريبة على الدخل المطبقة على معاشات التقاعد، المدفوعة في إطار أنظمة التقاعد الأساسية، ابتداءً من فاتح يناير سنة 2026، في حين ستخفَّض تلك الضريبة بنسبة 50% خلال سنة 2025، كإجراء انتقالي قبل أن تُلغى كليّاً.

وأضاف البويهي أنهم يطالبون أيضاً برفع التعويضات عن التطبيب إلى 100%، وتجويد الخدمات الاجتماعية والصحية، ومن بينها التنقل، والفنادق، وأن يدفعوا 50% فقط، كما هو الوضع -بحسبه- في جميع الدول المتقدمة، أو غير المتقدمة، وأن تحصل أرملة المتقاعد على المعاش، الذي كان يحصل عليه زوجها قيد حياته، كاملاً، بدل نصفه، وأن تكون للمتقاعدين تمثيليات في المجالس الإدارية للتقاعد.

كما يطالب المتقاعدون، وفق البويهي، بتنزيل وتطبيق كل الاتفاقات المبرمة بين الحكومة والنقابات، وعلى رأسها اتفاق 26-4-2011، الذي سيمكن المتقاعدين -بحسبه- من تسوية وضعيتهم، والمرور إلى درجة أخرى، مبرزاً أن "هذا الاتفاق، واتفاقات أخرى، بين الحكومة والنقابات، يمكن أن يستفيد منها المتقاعدون، تم تجميدها".

وأوضح البويهي أنهم يطالبون أيضاً بتمثيل جميع هيئات وجمعيات المتقاعدين في كل الأجهزة والمؤسسات الحقوقية والاجتماعية، والاستشارية، لأنهم "لا يتوفرون على ممثلين لهم في جميع المؤسسات، وعلى رأسها صناديق التقاعد".

ودعا البويهي إلى افتحاص الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي "كنوبس"، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي "CNSS"، قبل أن تقوم الدولة بدمجهما، ليظهر السبب وراء إفراغ صناديق التقاعد، وتربط المسؤولية بالمحاسبة، موضحاً أن "أموال المتقاعدين تستثمر، لكنهم لا يستفيدون منها".

مقر البرلمان المغربي في العاصمة الرباط - أرشيف

الاستمرار في الاحتجاج

في ما يخص التحركات الاحتجاجية المستقبلية للمتقاعدين، أبرز البويهي أنهم "قاموا بجميع المسائل، التي يجب أن يقوموا بها، إذ راسلوا -بحسبه- جميع المؤسسات والجهات المعنية بالملف، وبوضعية المتقاعد المتأزمة، وراسلوا الوزير الأول، والبرلمان، ومؤسسة وسيط المملكة (ديوان المظالم سابقاً/ هي مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين)".

وتابع البويهي أنهم "راسلوا النقابات، وكانوا ينتظرون على الأقل طرح ملف المتقاعدين في الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات"، وأنهم "قاموا بعد ذلك بمجموعة من الصيغ النضالية المتمثلة في وقفات احتجاجية، لكن لحد الآن لا يوجد رد وتجاوب"، وأن هناك "تجاهلاً".

وبيَّن البويهي أن لديهم في فيدرالية المتقاعدين بالمغرب، والشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين بالمغرب، برنامجاً نضالياً تصعيدياً، وأنهم سيواصلون الاحتجاج إلى أن يتحقق الملف المطلبي للمتقاعدين.

وجهة مثالية للمتقاعدين الفرنسيين

جرى اختيار المغرب ضمن قائمة مختصرة تضم 21 دولة حول العالم، صنفتها يومية "لوفيغارو" الفرنسية وجهات مثالية للفرنسيين، للاستمتاع بتقاعد جيد.

وبحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية، فقد أجرت "لوفيغارو" هذا التصنيف في قائمتها لعام 2024 للدول الأكثر إقبالاً من طرف المتقاعدين الفرنسيين، والتي توفر ظروفاً جيدة للاستقرار، وذلك على أساس تحليل مفصل لـ28 معياراً، من بينها الأمن، والبيئة المعيشية، والنظام الصحي، والترفيه، وتكلفة المعيشة، والثقة، ومتعة الحياة، والجاذبية.

ومن جانبه، قال الحقوقي المغربي، محمد النشناش، إن المتقاعدين ساهموا (ماليّاً/ الاقتطاعات الشهرية)، طيلة فترة اشتغالهم، في صندوق التقاعد، الذي ينتمون إليه، وأنه في الدول المتقدمة حتى الذين لم يشتغلوا، ووصلوا إلى سن التقاعد، يكون لديهم تعويض مستمر حسب مستوى المعيشة في البلد، متابعاً أن المعاش، الذي يتسلمه المتقاعدون في الدول المجاورة للمغرب، وهي إسبانيا، وفرنسا، وغيرها، يحدد بناءً على الارتفاع، الذي يعرفه مستوى المعيشة كل سنة، وأن المعاش يمكن أن يتغير باستمرار، نظراً للزيادة، التي يعرفها المستوى المعيشي اليومي.

تقلُّص الحياة الكريمة

أضاف النشناش، في حديث مع "جسور بوست"، أن المتقاعدين في المغرب "كانوا دائماً ضحايا لعملهم"، وأنهم "عندما يصلون إلى سن اليأس بالنسبة النساء، وسن البؤس بالنسبة للعاملين، في جميع القطاعات، نرى أن تلك الحياة الكريمة، التي كانوا يتمتعون بها أثناء حياتهم الإنتاجية، تتقلص كثيراً حين يصلون إلى سن التقاعد، في الوقت الذي أصبح فيه الغلاء مهيمناً".

وأردف النشناش أنه في المغرب قررت الدولة مراجعة الأجور (رفعها) في الوظيفة العمومية، وكذلك في القطاع الخاص، وأنه "من غير المعقول أن يظل لدى المتقاعدين نفس مستوى الدخل"، موضحاً أن هذا "يجعلهم يواجهون حالة صعبة، لتغطية الضروريات الحياتية"، معتبراً أن "مطلبهم حقوقي محض"، وأنه "من حقهم المطالبة بالموازنة بين معاشاتهم والزيادات في مستوى المعيشة"، وأنه "بما أن هناك قراراً لزيادة أجور الموظفين، ومستخدَمي القطاع الخاص، فيجب كذلك أخذ المتقاعدين بعين الاعتبار في هذه الوضعية".

مطلب طبيعي جدّاً

من جهته، قال النائب البرلماني المغربي عن حزب الاستقلال (ينتمي إلى الأغلبية الحكومية الحالية بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار)، نور الدين مضيان، إن مطلب المتقاعدين المتمثل في الزيادة في معاشاتهم طبيعي جدّاً، وإن الحكومة أقرت مجموعة من الزيادات لفائدة فئات في القطاعين العام والخاص (الذين لا يزالون في الخدمة)، وكذلك إعفاءات في ما يخص مجموعة من الضرائب بالنسبة للمتقاعدات والمتقاعدين، ما أدى إلى ارتفاع معاشاتهم بنسب مختلفة.

وفي المقابل، أوضح مضيان، في حديث مع "جسور بوست"، أنه "للأسف الشديد لم يستفد المتقاعدون من الفئات الدنيا من أي قرار"، وأنه "من حقهم بطبيعة الحال أن يطالبوا، وأن ينبهوا الحكومة إلى ضرورة تحسين وضعيتهم، والرفع من أجورهم، خاصة بالنسبة للفئات الهشة المعوزة".

وتابع مضيان أنه يتمنى أن تفتح الحكومة هذا الملف، خاصة أن هذه الفئة (المتقاعدين) "قدمت الكثير بأجور ضعيفة"، وأنه حان الوقت لكي تنصف هذه الحكومة كذلك هذه الفئات، خاصة أنها كبرت وشاخت، وأنه يتمنى كما انتبهت الحكومة إلى علاج مجموعة من الوضعيات الخاصة بفئات مختلفة، أن تهتم بهذه الفئة كذلك، التي يعد مطلبها طبيعيّاً جدّاً، بحسب مضيان، الذي أكد أن من حقهم أن يطالبوا ويحتجوا.

غير منظمين وتحسين قريب

اعتبر مضيان أن المتقاعدين "غير منظمين، لا في نقابة، ولا في جمعية"، وأنه طبيعي جدّاً أن تنتبه الحكومة أكثر إلى الفئات المنظمة، لكنه أفاد في المقابل بأنه "حسب علمه، حتى فئة المتقاعدين ستستفيد خلال الأيام اللاحقة من تحسين وضعيتها"، لأنه "منطقيّاً لا يعقل أن نحسن وضعية فئة دون جميع الفئات الأخرى، خاصة الفئات، التي تعيش وضعية غير مريحة وهشة".

وتعليقاً على أن هناك فيدرالية المتقاعدين بالمغرب، والشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين، وبالتالي هناك إطارات تنظم المتقاعدين، قال مضيان إنها للأسف إطارات "تنشط من حين إلى آخر، وليس بشكل مستمر"، وإنه يجب أن تبلغ هذه الفيدرالية رسائلها، متمنياً أن تنسق أيضاً مع النقابات، والأحزاب السياسية، مردفاً أنهم يجب أن ينفتحوا على الفرق البرلمانية، ويعقدوا اجتماعات ولقاءات معها، من أجل التعريف، والتحسيس، بوضعيتهم الاجتماعية، لأن البلاغات والبيانات -بحسبه- لا تكفي، وأنه لا بد من إشراك مجموعة من الفئات، التي تتمثل في مؤسسات مختلفة؛ حزبية، ونقابية، وبرلمانية، وأن يعقدوا اجتماعات معها، مبرزاً أنهم كانوا يستقبلون في البرلمان، أسبوعيّاً تقريباً، مجموعة من الفئات، التي تطالب بحقوقها، ويترافعون عنها داخل البرلمان.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية