رفضاً للقمع والاعتقال.. مهسا شفيعي صوت إيراني ينشط من خلف القضبان

رفضاً للقمع والاعتقال.. مهسا شفيعي صوت إيراني ينشط من خلف القضبان
الناشطة الإيرانية مهسا شفيعي

في بلدة "ياسوج" الواقعة بين جبال الجنوب الإيراني، لم تكن مهسا شفيعي تتوقع أن يتحول الحزن على شقيقتها إلى تهمة، ولا أن تصير دموع الفقد جريمة تعاقَب عليها، لكن في إيران ما بعد انتفاضة 2022، صار من الطبيعي أن تدفع العائلات الثكلى ثمنًا إضافيًا، ليس فقط لفقدان أحبّائهم، بل لمحاولتهم البقاء صوتًا يرفض الصمت.

منذ قُتلت بارسا شفيعي، شقيقة مهسا، خلال احتجاجات عام 2022 التي اندلعت إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، لم تنطفئ شرارة الألم في قلب شفيعي، فقد خرجت بارسا، ابنة العشرين ربيعًا، إلى الشارع تنشد الحرية، فعادت جثة هامدة تحت وطأة العنف الأمني، ومنذ تلك اللحظة، حملت مهسا على عاتقها مسؤولية إيصال صوت أختها إلى العالم، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الثلاثاء.

"لم تكن بارسا تملك سوى صوتها، وقد أخذوه منها.. لكني أقسمت أن أُبقيه حيًا"، هكذا قالت مهسا شفيعي ذات مرة لأحد الناشطين الحقوقيين.

فصل جديد من الترهيب 

في السابع عشر من يوليو الجاري، طرق رجال الاستخبارات الإيرانية باب منزل عائلة شفيعي، لم يكن ذلك من أجل تقديم العزاء أو إغلاق ملف قديم، بل لفتح فصل جديد من الترهيب. 

داهمت القوات منزل العائلة، فتّشت المكان، صادرت الأجهزة الإلكترونية، واستجوبت الأب والابنة تحت التهديد، ثم، دون أي مذكرة قضائية، اعتُقلت مهسا واقتيدت إلى أحد سجون مدينة ياسوج بتهمة "التعاون مع وسائل إعلام معادية للنظام".

وأعلنت مهسا فور اعتقالها دخولها في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجًا على الظلم الذي لحق بها، ورفضًا لاستمرار استهدافها بسبب أنشطتها السلمية.

رسالة من داخل الزنزانة

تمكنت مهسا من تسريب رسالة قصيرة إلى خارج السجن، قالت فيها: "لم أعد أملك شيئًا أخسره.. خطفوا أختي، وهددوا والدي، وحاصروني بالصمت، لكنهم لن يحصلوا على صمتي أيضًا، سأقاوم حتى آخر نفس".

لم تكن تلك الكلمات صرخة استسلام، بل رسالة تحدٍّ من شابة تبلغ من العمر 22 عامًا، وجدت في الألم معنى أوسع للمقاومة.

وأدانت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية عملية الاعتقال، مؤكدة أن ما تتعرض له مهسا هو جزء من "سياسة منهجية تتبعها السلطات لإسكات عائلات ضحايا الانتفاضة ومنعهم من المطالبة بالعدالة". 

وأشارت المنظمة إلى أن استهداف الناجين وأقارب القتلى أصبح سلاحًا تستخدمه الحكومة لإرهاب المجتمع المدني ومنع أي حراك حقوقي.

قصة مهسا ليست استثناءً

ليست مهسا وحدها في هذا المسار المرير، فمنذ اندلاع احتجاجات 2022، سُجلت عشرات الحالات التي جرى فيها استدعاء واعتقال أقارب الضحايا، لا لشيء سوى أنهم يطالبون بالحقيقة، ويرفضون دفن ذكريات أحبّائهم تحت ركام الخوف.

وفي هذا المشهد القاتم، تبرز قصة مهسا رمزاً للمقاومة الفردية، فتاة لم تحمل سلاحًا، بل صورة شقيقتها، لم تكتب بيانًا سياسيًا، بل خاطبت الضمير الإنساني بلغة الحزن والحنين والحق.

في الزنزانة المظلمة، حيث يختلط الألم بالقهر، تقف مهسا شفيعي في مواجهة واحدة من أقسى الأنظمة القمعية، مدفوعة بذاكرة شقيقتها وحقها في العيش بحرية. 

قصتها ليست فقط عن سجن أو إضراب، بل عن إرادة لم تنكسر، وعن امرأة قررت أن تكون صوت من سُلبوا حياتهم.. وألا تُسكت حتى لو جاع الجسد واشتدت القيود.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية