في قلب المعركة.. صحفيو السودان يعانون الانتهاكات المتواصلة والحقوق المنسية
في قلب المعركة.. صحفيو السودان يعانون الانتهاكات المتواصلة والحقوق المنسية
تتواصل الحرب في السودان مُسببة معاناة غير مسبوقة للملايين، ومن بين هؤلاء يواجه الصحفيون انتهاكات جسيمة هددت أرواحهم ومحاولاتهم للوصول للحقيقة، ووضعت السودانيين تحت مقصلة الأخبار المضللة أو المعلومات المنقوصة أو الأنباء الموجهة.
ووفق نقابة الصحفيين في السودان، فإن الصحفيين يواجهون كارثة كبيرة ويعيشون أسوأ اللحظات بتاريخهم، حيث يواجه نحو 3 آلاف صحفي نقابي ومستقل تهديدات وانتهاكات جسيمة وحقوق منسية.
وشهد السودان تدهورًا حادًا في الأوضاع الإنسانية منذ اندلاع النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وتسببت المعارك في نزوح الملايين داخل البلاد وخارجها، بينما انهار النظام الصحي بشكل شبه كامل في العديد من المناطق.
ويعاني نحو 638 ألف شخص في السودان من مستويات جوع كارثية، ونحو 4.7 مليون طفل دون سن الخامسة، إضافة إلى النساء الحوامل والمرضعات والفتيات، من سوء تغذية حاد، وفق التقديرات الأممية.
انتهاكات واسعة
وأعلنت نقابة الصحفيين السودانيين، في بيان، أنها "تتعرض إلى حملة تنطلق من الغرف الإعلامية للنظام السابق (نظام البشير)، وغرف تأجيج الحرب في البلاد"، لافتة إلى أنه "بما أن الصحافة ليست جريمة، أطلقت النقابة وسم (هاشتاغ) "#الصحافة_ليست_جريمة"، لحماية عضويتها وإرسال رسالة إلى المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بحماية الصحفيين والعالم الحر بأن الصحفيين السودانيين يتعرضون لمخاطر وتهديدات بسبب تحريض من قيادات تتبع للنظام المباد.
وأكدت، في البيان ذاته، أنها "قادرة على حماية عضويتها من أي مهددات وقادرة على التصدي بحزم لكل المتربصين بها".
وبحسب تقرير رصد الانتهاكات والتجاوزات على الصحفيين والحريات الصحفية 2024: "تصاعدت وتيرة العنف نتيجة لاستمرار الصراع، وشهد عام 2024 زيادة هائلة في عدد الضحايا، ولقي 16 صحفياً حتفهم، أي بزيادة 300% مقارنة بالعام السابق.. وما يثير الصدمة والغضب هو الاستهداف الممنهج للصحفيين".
ومنذ بداية الصراع حتى نهاية العام الماضي 2024، كشف التقرير عن ارتفاع عدد الصحفيين الذين تم اغتيالهم منذ بداية الحرب إلى 20 صحفياً، ولا تقتصر الجرائم على القتل، بل تتعداها إلى التعتيم والتشويه، مع مصاحبة العديد من عمليات الاغتيال حملات تشويه ممنهجة، وحجب للمعلومات حول ملابسات الحادث.
ووفق التقرير، "تمارس أبشع أنواع التعذيب والتنكيل بالصحفيين، وذلك بهدف ترويعهم وإسكات أصواتهم.. ولم تعد عمليات الاغتيال تقتصر على الصحفيين، بل امتدت لتشمل أي شخص يُشتبه في تعاونه معهم، وهذه الجرائم ترتكب بدافع الانتقام والرغبة في السيطرة على المعلومات، وتؤكد مدى الاستهانة بحق الحياة والكرامة الإنسانية".
ويؤكد التقرير أنه في "ظل غياب القانون وانتشار الفوضى، يمارس طرفا الصراع أبشع أنواع الانتهاكات والجرائم بحقهم، دون أن يواجهوا أية عقوبات"، وعادة ما ينفي طرفا الصراع تلك التهم.
وتحت وطأة الحرب، "غرقت المؤسسات الإعلامية السودانية في صمت قاتل، حيث إن أكثر من 90% من هذه المؤسسات توقفت عن العمل منذ اندلاع الصراع، تاركة الشعب السوداني في ظلام معلوماتي دامس. ومن بين 22 إذاعة محلية، لم يبقَ سوى ثلاث يعملن بشكل متقطع، وتبث خطاباً متحيزاً يخدم مصالح طرف دون الآخر"، وفق رصد الانتهاكات والتجاوزات الذي أعدته نقابة الصحفيين السودانية.
وبلغ مجمل الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون ووسائل الإعلام منذ اندلاع الصراع 509 حالات انتهاك موثقة، كل منها يشهد على حجم الجريمة التي ترتكب بحق الحقيقة وحرية التعبير. وهي مصنفة وموثقة بحسب طبيعة كل انتهاك، بحسب التقرير.
وسجل التقرير بخلاف القتل، أن العدد الكلي للاعتداء الجسدي والإصابة منذ اندلاع الصراع ارتفع إلى 11 من بينهم 4 صحفيات، بخلاف وصول العدد الكلي لحالات الإخفاء والاعتقال والاحتجاز إلى 69 من بينهم 13 صحفية، كما ارتفع العدد الكلي لحالات النهب المسلح إلى 32 صحفيا من بينهم 3 صحفيات، أغلبها وقائع تحدث في منازلهم".
وقبل يومين، أعربت نقابة الصحفيين السودانيين عن بالغ قلقها واستنكارها للقرار الصادر عن السلطات السودانية بحظر نشاط قناة الشرق للأخبار في السودان دون تقديم أي تفسير رسمي، مؤكدة أن القرار المذكور يمثل انتهاكاً صريحاً لحرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، كما يشكل تهديداً خطيراً للمبادئ الأساسية لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام.
أسوأ اللحظات
وقال السكرتير العام لنقابة الصحفيين في السودان محمد عبد العزيز، إن الصحافة السودانية تواجه أسوأ لحظة في تاريخها الذي يمتد لأكثر من 150 عاما، مشيرا إلى أن الحرب تسببت في إغلاق وتدمير 90% من المؤسسات الإعلامية والصحفية وتشريد العشرات من الصحفيين وفقدهم فرص عملهم، ما وضع الجمهور في الوقت ذاته ضحية لحملات إعلامية مضللة ومنظمة وخطابات كراهية.
وأوضح عبد العزيز في تصريح لـ"جسور بوست"، أن حجم الانتهاكات يتزايد، لافتا إلى أن الحرب بدأت يوم 15 أبريل الساعة 8 ونصف صباحا بالخرطوم وأول انتهاك ضد صحفيي البلاد تم تسجيله في نقابة الصحفيين 9 صباحا أي بعد نصف ساعة، مضيفا: "للأسف الإعلاميون والصحفيون كانوا مستهدفين في هذه الحرب من طرفي الصراع في مناطق سيطرة الجيش أو الدعم السريع".
وأشار السكرتير العام لنقابة الصحفيين في السودان إلى أن "الحرب في السودان تحمل سمات بها قدر من التوحش والانتهاكات، والصحفيون كان لهم قدر كبير من هذه الانتهاكات".
ولفت إلى أن النقابة بذلت جهودا عديدة في توفير الحماية للصحفيين سواء من خلال تدريبهم أو توعيتهم بالتغطية في مناطق النزاع واستخدام أدوات الحماية الجسدية والرقمية، فضلا عن التذكير بميثاق الشرف الصحفي وإصدار مدونة للقواعد المهنية وعدم الانخراط في خطابات الكراهية وكيفية التحقيق والتدقيق في المعلومات.
وبرأي عبد العزيز، "كان جزء من حماية الصحفيين هو رصد النقابة الانتهاكات التي يتعرضون لها وباتت تلك البيانات المرجعية الأساسية للتقارير التي تصدر عن الحالة الصحفية على مستوى العالم خلال الفترة الماضية بخلاف توجيه دعوات متكررة لحماية الصحفيين"، لافتا إلى جهود تبذل على مستوى التقاضي المحلية والدولية لملاحقة من قتل الصحفيين وتقديمهم للعدالة.
وشدد السكرتير العام لنقابة الصحفيين في السودان، محمد عبد العزيز، على استمرار النقابة في المطالبة بحماية الصحفيين خلال تغطياتهم للأحداث وتسهيل وصولهم للمعلومات ومواقع الأحداث، معربا عن أسفه لأن الانتهاكات بحق الصحفيين قد تستمر طالما استمرت الحرب.
ودعا عبد العزيز، المؤسسات الدولية لمزيد من الدعم والمساندة بشكل أكبر للصحفيين في السودان خاصة والحرب توصف بأنها منسية ولا تظهر في وسائل الإعلام بالشكل المناسب.
مطالب للدعم
وفي السياق، قالت سكرتير الحريات بنقابة الصحفيين السودانية، إيمان فضل، لـ"جسور بوست"، إن الانتهاكات ضد صحفيي بلادها تزداد يوما بعد يوم، إذ ارتفعت حالات القتل بحقهم 300% في 2024 مقارنة بـ2023، مشيرة إلى أنه منذ بداية عام 2025 هناك 4 اغتيالات بحق صحفيين ليرفع العدد إلى 24 صحفيا.
وبخلاف القتل، أكدت فضل أن هناك استهدفا ممنهجا للصحفيين لا سيما مع الانتهاكات المتكررة يوميا، لا سيما في ارتكازات الجيش أو الدعم السريع، مضيفة: "إذا كنت أنت صحفيا معروفا فلا بد أن يتم إيقافك وإذا تم التعرف على هويتك الصحفية أيضا سيتم إيقافك والتحقيق معك وربما احتجازك، وهذا جعل هناك صحفيين مفقودين وبعد شهور تبين أنهم معتقلون وطالت الاعتقالات ما يقارب 80 من الصحفيين".
ولفتت إلى أن الصحفيين في السودان لا يتجاوزون 3 آلاف بينهم نحو ألفين أعضاء نقابة، مشيرة إلى أن طرفي الصراع لا يعترفان بالانتهاكات وكل طرف يلقي تهما على الآخر، مما جعل الوضع كارثيا ضد الصحفيين في ظل صعوبات في الرصد والتوثيق.
وشددت سكرتير الحريات بنقابة الصحفيين السودانية، على أن هناك انتهاكات جسيمة تواجه الصحفيين ببلادها وأيضا حقوق منسية دوليا، مشيرة إلى أن صحفيي السودان بحاجة لمناصرة ودعم أكبر وتسليط الأضواء على ما يتعرضون له من انتهاكات في ظل تعامل طرفي الصراع مع المهنة وكأنها جريمة، بخلاف تحريض من "أنصار النظام البائد".
وأكدت فضل على مواصلة نقابة الصحفيين في السودان رصد الانتهاكات التي تتم ضد صحفيي بلادها والاستمرار في استعراض الحقائق كاملة والمطالبة بدعم أكبر من جميع المؤسسات المعنية بحقوق الصحافة بالعالم.