فاطمة المرنيسي.. المرأة السعيدة هي التي تستطيع ممارسة حقوقها

فاطمة المرنيسي.. المرأة السعيدة هي التي تستطيع ممارسة حقوقها
فاطمة المرنيسي

أبت أن تكون كما النساء في واقع مجتمعها المحلي والعربي، ورأت في ذلك الواقع أن المرأة ما تزال حبيسة حدودٍ موضوعةٍ من قِبل المجتمعات، وعليها عشرات الحراس يمنعونها التحليق في سماء العصر الحديث، يقيدونها بما لا يجب، يجعلون بينها وبين المرأة في الغرب فجوة زمنية بعيدة، لكنها "مُختلفة".

قررت التمرد على كل هذا لتغير واقعها، بل وتغير واقع كل امرأة عرفتها وتأثرت بها.. هي "شهرزاد" حفيدة السلطانات المنسيات.. إنها فاطمة المرنيسي.

وفي مدينة فاس المغربية ولدت فاطمة عام 1940 لأسرة كانت مقاومة للاستعمار الفرنسي في بلادها، ونشأت في واقع مجتمع وصفته في كتابها "أحلام النساء"، حيث النساء محاصرات داخل مصطلح "الحريم" بالحدود والمحظورات.

تلقت فاطمة تعليمها الأساسي في مدارس الحركة الوطنية، ثم التحقت بمدرسة محمد الخامس لدراسة العلوم السياسية، ومنها إلى باريس حيث جامعة السوربون لتواصل هناك الدراسة في علم الاجتماع، ومنها إلى جامعة برانديز بالولايات المتحدة، حيث حصلت على درجة الدكتوراه عام 1974.

الدفاع عن حقوق المرأة

لم تكرِّس فاطمة المرنيسي حياتها فقط لـ"تحرير المرأة" والدفاع عنها والعمل على تحصيل حقوقها، فانطلقت من مجتمعها وبيئتها الصغرى، ناقدة أوضاع المرأة التي كان ينظَر لها باعتبارها آلة إنجابية لا مانع من سلب حقوقها والجور عليها بمسميات مختلفة، وهو الواقع الذي أبت المرنيسي إلا أن تواجهه بقوة لتصبح منارة تحريرية للمرأة المغربية والعربية.

وتضاعفت جهود المرنيسي بعد عودتها للتدريس في جامعة محمد الخامس، فنشرت أول دراسة لها في عام 1974 بعنوان "ما وراء الحجاب.. الجنس كهندسة اجتماعية"، مقدِمة تحليلاً اجتماعياً لتطور البنية العائلية ودينامية العلاقة بين الرجل والمرأة في المغرب بعد الاستقلال، ومؤكدة وجود فكرة المساواة الجنسية في الإسلام مع عدم تطبيقها في المجتمعات الإسلامية.

ولم تكن فاطمة راضية عن نظرة الغرب للمرأة فتقول “إذا كانت النظرة لما يسمى ”الحريم" في الشرق تُحيل لواقع تاريخي ومتخيل للنساء، هو أبعد ما يكون عن الشهوانية والفراغ والعري، فإنه في الخيال الغربي يشير إلى نساء خاضعات ومستسلمات مرتعاً للهو، وهو ما تجسد في لوحات الرسامين الذين كانوا يستمتعون برسم نساء سجينات، ناسجين رباطاً غير مرئي بين المتعة والاستعباد".

مؤلفات وأزمات عدة

أثرت المرنيسي المكتبة العربية بمؤلفات مهمة منها "الحريم السياسي" و"شهرزاد ترحل إلى الغرب" و"أحلام النساء الحريم" و"شهرزاد ليست مغربية" و"سلطانات الإسلام المنسيات".

وواجهت المرنيسي العديد من الأزمات نتيجة آرائها، منها التهديد بفصلها من الجامعة، وكذلك منع العديد من الدول تداول كتبها حتى بعد وفاتها يتصدر اسمها وسائل الإعلام العربية مع كل معرض كتاب يقام في دولة من الدول بسبب منع عرض كتبها.

واجهت المرنيسي حملات التشويه من بعض التيارات، ولا سيما الإسلام السياسي الذي وجّه تهماً عدة؛ محاولاً تشويه صورتها رغم أنها رفضت تحميل النصوص الدينية المسؤولية عن واقع المرأة في المجتمع الإسلامي، بل حمّلتها لمن حاول استغلالها، حيث قالت، "إذا كانت حقوق النساء مشكلة بالنسبة لبعض الرجال المسلمين في الوقت الراهن، فليس ذلك بسبب القرآن، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وليس بسبب التقاليد الإسلامية، لأنه بكل بساطة هذه الحقوق في صراع مع مصالح نخبة ذكورية".

ونقلت المرنيسي جهودها على أرض الواقع عندما أسست مبادرة "قوافل مدنية من أجل حقوق المرأة" وإطلاق تجمع "نساء، أسر، أطفال" إلى جانب العمل مع المؤسسات الدولية المعنية بحقوق المرأة.

جوائز ورحيل

في عام 2003 حصلت فاطمة، على جائزة أستورياس للآداب، وهي أرقى الجوائز الإسبانية التي تمنح لكبار كتاب العالم لمدى ذيوعهم وتأثيرهم في الأنظمة المعرفية قديماً وحديثاً، وذلك بالمناصفة مع الكاتبة والناقد الأمريكية سوزان سونتاغ.

وفي 2011 وضعتها جريدة الغارديان في قائمة الـ100 امرأة الأكثر تأثيراً في العالم بسبب نشاطها المناصر للمرأة، وفي 2016 دُشّن كرسي الكاتبة فاطمة المرنيسي في جامعة محمد الخامس في الرباط، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لوفاتها.

ورحلت فاطمة المرنيسي في عام 2015 عن عمر ناهز الـ75 عاماً بعد صراع مع المرض.

وما تزال وصايا المرنيسي للنساء حاضرة في كل يوم خاصة في الثامن من مارس (يوم المرأة العالمي) بأن المرأة السعيدة هي التي تستطيع ممارسة حقوقها، بما في ذلك حق التجول والابتكار ومواجهة الآخرين وتحديهم دون خوف.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية