علاج جديد لمرض السكري من النوع الأول باستخدام الخلايا الجذعية
علاج جديد لمرض السكري من النوع الأول باستخدام الخلايا الجذعية
حياة مريض السكري من النوع الأول حياة صعبة وقاسية فهو معرض دوما مع انخفاض معدلات السكر الفجائية في دمه لأخطار عدة أبسطها أخطرها على الإطلاق وهو فقدان الوعي دون سابق إنذار، والمخاطر الناجمة عنه أثناء العمل أو الحركة والسير أو حتى البقاء وحده دون متابعة وإسعاف لإنقاذه في حال تعرضه لأي نوبة مفاجئة من نوبات اضطراب السكر في الدم.
برايان شيلتون -بحسب “نيويورك تايمز“- هو أحد هؤلاء الذين عانوا معاناة جمة مع مرض السكري من النوع الأول طوال سنوات حياته، واضطر لترك عمله في سن الـ57 لكثرة نوبات فقدان الوعي التي كان يتعرض لها حتى إن زوجته السابقة اضطرت لإصطحابه للعيش معها خوفا على حياته.
في وقت مبكر من هذا العام، رصدت دعوة من شركة فيرتكس للأشخاص المصابين بالسكري من النوع الأول للمشاركة في تجربة إكلينيكية لعلاج مرضى السكر، كانت الشركة كانت قد طورت فعلياً علاجاً تم العمل عليه على مدى عقود من قبل عالم تعهد بإيجاد علاج للسكري بعد إصابة ابنته المراهقة وابنه الرضيع بهذا المرض المدمر.
كان شيلتون هو المريض الأول الذي تقدم للتجربة، في 29 يونيو حصل على حقنة من الخلايا الجذعية وهي مثل خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين التي يفتقر إليها جسمه، والآن يتحكم جسده تلقائيا في مستويات الإنسولين والسكر في الدم وقد يكون السيد شيلتون البالغ من العمر الآن الـ64 أول شخص يتعافى في العالم من مرض السكرى من النوع الأول في تجربة لعلاج ناجح لمرض يفتك بما لا يقل عن 1.5 مليون شخص فقط في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
قال شيلتون معقبا على شفائه: “إنها حياة جديدة تماما تبدو مثل معجزة”.
العلماء ما زالوا في مرحلة تجريب واستطلاع للعلاج الجديد لكنهم حثوا على توخي الحذر طالما أن الدراسة ما زالت مستمرة وخاصة أنه لا زال أمامها خمس سنوات كاملة وتشمل 17 شخصا يعانون حالات شديدة من مرض السكري من النوع الأول فقط حيث لا يتضمن العلاج النوع الثاني الأكثر شيوعا.
وقال خبير السكري في جامعة واشنطن الدكتور إيرل هيرش: “كنا نبحث عن شيء كهذا حرفيًا لعقود”.
وأضاف أنه يريد أن يرى النتيجة، التي لم تُنشر بعد في مجلة تمت مراجعتها من قبل العلماء، وما إذا كانت التجربة سيتم تكرارها على العديد من الأشخاص.
ويريد أن يعرف ما إذا كانت هناك آثار ضارة غير متوقعة وما إذا كانت الخلايا ستستمر مدى الحياة أو إذا كان العلاج سيتطلب تكرارها، لكنه قال: “خلاصة القول، إنها نتيجة مذهلة”.
خبير مرض السكري في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، الدكتور بيتر بتلر، وافق مع عرض المحاذير نفسها.
وقال بتلر: “إنها نتيجة رائعة”.. “أن تكون قادرًا على عكس مرض السكري من خلال إعادة الخلايا المفقودة إلى الجسم، يمكن مقارنته بالمعجزة عندما كان الإنسولين متاحًا لأول مرة منذ 100 عام“.
وبحسب الصحيفة، فإن الأمر كله بدأ ببحث لعالم من قرابة 30 عاماً وهو د. دوج ميلتون عالم الأحياء بجامعه هارفارد.
لم يفكر الدكتور ميلتون كثيرًا في مرض السكري حتى عام 1991 عندما بدأ طفله سام البالغ من العمر ستة أشهر يرتجف ويتقيأ ويلهث.
قال الدكتور ميلتون: “لقد كان مريضًا جدًا، وطبيب الأطفال لم يكن يعرف ما هو”، قام هو وزوجته جيل أوكيف بنقل طفلهما إلى مستشفى بوسطن للأطفال، كان بول سام ممتلئا بالسكر- علامة على مرض السكري.
المرض، الذي يحدث عندما يدمر الجهاز المناعي للجسم خلايا البنكرياس التي تفرز الإنسولين، غالبًا ما يبدأ في سن 13 أو 14 عامًا، على عكس داء السكري من النوع 2 الأكثر شيوعًا والأكثر اعتدالًا، فإن النوع الأول قاتل بسرعة ما لم يحصل المرضى على حقن الإنسولين، لا أحد يتحسن تلقائيًا”.
المرضى معرضون لخطر الإصابة بالعمى -مرض السكري هو السبب الرئيسي للعمى في أمريكا، وهو أيضًا السبب الرئيسي للفشل الكلوي، الأشخاص المصابون بداء السكري من النوع الأول معرضون لخطر بتر أرجلهم والموت في الليل بسبب انخفاض نسبة السكر في الدم لديهم أثناء النوم.
يزيد مرض السكري بشكل كبير من احتمالية الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية، إنه يضعف جهاز المناعة، وقد توفي مؤخرًا أحد مرضى السكري الذين تلقوا تطعيمًا كاملاً Covid-19.
يضاف إلى عبء المرض ارتفاع تكلفة الأنسولين، الذي يرتفع سعره كل عام.
العلاج الوحيد الذي نجح على الإطلاق هو زرع البنكرياس أو زرع مجموعات الخلايا المنتجة للإنسولين في البنكرياس، والمعروفة باسم خلايا الجزيرة، من بنكرياس متبرع بالأعضاء، لكن النقص في الأعضاء يجعل مثل هذا النهج مستحيلًا بالنسبة للغالبية العظمى من المصابين بالمرض.
وقال جراح زرع الأعضاء في جامعة بنسلفانيا الدكتور علي ناجي، والذي كان رائدًا في عمليات زرع الخلايا الجذيرية وهو الآن الباحث الرئيسي في التجربة التي عالجت السيد شيلتون: “حتى لو كنا في المدينة الفاضلة، فلن يكون لدينا ما يكفي من البنكرياس أبدًا لعلاج مرضى السكري من النوع الأول الخطير”.
بالنسبة للدكتور ميلتون والسيدة أوكيف، كانت رعاية طفل مصاب بالمرض مرعبة، اضطرت السيدة أوكيف إلى وخز أصابع وقدمي سام لفحص سكر الدم أربع مرات في اليوم، ثم كان عليها أن تحقنه بالإنسولين.
بمرور الوقت، أصيبت ابنتهما إيما، التي تكبر سام بأربع سنوات، بالمرض أيضًا، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
كان الدكتور ميلتون يدرس تطور الضفادع لكنه تخلى عن هذا العمل، مصممًا على إيجاد علاج لمرض السكري. تحول إلى الخلايا الجذعية الجنينية، والتي لديها القدرة على أن تصبح أي خلية في الجسم. كان هدفه هو تحويلها إلى خلايا جذيرة لعلاج المرضى.
كانت إحدى المشكلات هي مصدر الخلايا- فقد جاءت من بويضات مخصبة غير مستخدمة من عيادة الخصوبة. لكن في أغسطس 2001، منع الرئيس جورج دبليو بوش استخدام الأموال الفيدرالية لإجراء أبحاث على الأجنة البشرية.
اضطر الدكتور ميلتون إلى قطع مختبر الخلايا الجذعية الخاص به عن أي شيء آخر في جامعة هارفارد، حصل على تمويل خاص من معهد هوارد هيوز الطبي وجامعة هارفارد ومتبرعين لإنشاء مختبر منفصل تمامًا.
على مدار العشرين عامًا التي استغرقها المختبر على 15 شخصًا أو نحو ذلك لتحويل الخلايا الجذعية بنجاح إلى خلايا جذيرية، يقدر الدكتور ميلتون تكلفة المشروع بنحو 50 مليون دولار.
كان التحدي هو معرفة تسلسل الرسائل الكيميائية التي ستحول الخلايا الجذعية إلى خلايا جزيرة تفرز الإنسولين، تضمن العمل كشف التطور الطبيعي للبنكرياس، ومعرفة كيفية تكوين الجذر في البنكرياس وإجراء تجارب لا نهاية لها لتوجيه الخلايا الجذعية الجنينية إلى جذر صغيرة، كانت تسير ببطء.
بعد سنوات من عدم نجاح أي شيء، كان فريق صغير من الباحثين وفي المختبر ذات ليلة في عام 2014، لإجراء تجربة أخرى، ولأول مرة، صنعوا خلايا جذيرة البنكرياس العاملة من الخلايا الجذعية الجنينية.
كانت الخطوة التالية للدكتور ميلتون، وهو يعلم أنه سيحتاج إلى المزيد من الموارد لصنع دواء يمكن أن يصل إلى السوق، هي إنشاء شركة وبالفعل تأسست شركة Emma.
كان أحد التحديات هو معرفة كيفية زراعة الخلايا الجذيرية بكميات كبيرة بطريقة يمكن للآخرين تكرارها، استغرق ذلك خمس سنوات.
اختبرت الشركة، بقيادة باستيانوسانا، خبير العلاج بالخلايا والجينات، خلاياها على الفئران والجرذان، وأظهرت أنها تعمل بشكل جيد وتعالج مرض السكري في القوارض.
في هذه المرحلة، احتاجت الخطوة التالية -تجربة سريرية على المرضى- إلى شركة كبيرة وذات تمويل جيد وخبرة تضم مئات الموظفين. كان لا بد من عمل كل شيء وفقًا للمعايير الصارمة لإدارة الغذاء والدواء.
وبحسب “نيويورك تايمز“، لن تعلن الشركة عن سعر لعلاجها من مرض السكري حتى تتم الموافقة عليه، لكن من المحتمل أن تكون باهظة الثمن وهو أمر متوقع في البداية لكنه يمنح الأمل لملايين من المرضى في العالم في حياة أفضل.