مساواة غائبة وانتهاكات مستترة.. المرأة تعاني في الغرب رغم مزاعم إنصافها
مساواة غائبة وانتهاكات مستترة.. المرأة تعاني في الغرب رغم مزاعم إنصافها
في عالم يُفترض أنه قد قطع أشواطًا كبيرة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، ما تزال أوضاع المرأة في الغرب تواجه تحديات كبيرة، رغم التقدم التشريعي والاجتماعي الذي تحقق على مدار العقود الماضية.
وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن النساء في الدول الغربية ما يزلن يعانين انتهاكات متعددة، تراوح بين العنف المنزلي والتحرش الجنسي، وصولًا إلى التمييز في سوق العمل والفجوة في الأجور. هذه الانتهاكات، رغم أنها قد تكون أقل وضوحًا مقارنة بالدول النامية، فإنها تظل قائمة وتؤثر بشكل كبير في حياة الملايين من النساء.
ويأتي اليوم الدولي للمرأة هذا العام في ظل هذه الأرقام التي تذكرنا بأن الطريق نحو المساواة ما يزال طويلًا. هذا اليوم الذي بدأ كحركة عمالية في أوائل القرن العشرين، تحول إلى منصة عالمية للدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ومع ذلك فإن التقدم في تمثيل النساء في المجال السياسي يظل بطيئًا، ما يطرح تساؤلات حول فعالية الآليات المتبعة لتعزيز مشاركة المرأة، مثل نظام الكوتا النسائية، وما إذا كانت هذه الآليات كافية لتحقيق التمثيل العادل.
ففي الولايات المتحدة، تشير الإحصاءات الصادرة عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن واحدة من كل أربع نساء تتعرض للعنف الجسدي من قبل شريكها خلال حياتها، هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات باردة، بل هي مؤشر على معاناة يومية تعيشها ملايين النساء في بلد يُعد من أكثر الدول تقدمًا في مجال حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، فإن التحرش الجنسي في مكان العمل يظل أحد أبرز التحديات التي تواجهها النساء في الولايات المتحدة.
ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة "تايمز أب" (Times Up)، فإن 81% من النساء في الولايات المتحدة تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي في مكان العمل، ما يسلط الضوء على حجم المشكلة التي ما تزال قائمة رغم الحملات الكبيرة التي تمت في السنوات الأخيرة.
وفي أوروبا ما تزال الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجهها النساء وفقًا لتقرير صادر عن المفوضية الأوروبية، فإن النساء في الاتحاد الأوروبي يحصلن في المتوسط على 14% أقل من الرجال عن العمل نفسه. هذه الفجوة، رغم أنها قد تبدو صغيرة مقارنة بالدول النامية، فإنها تعكس تمييزًا منهجيًا يعوق تقدم النساء في سوق العمل، كما أن النساء في أوروبا غالبًا ما يواجهن صعوبات في الوصول إلى المناصب القيادية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة النساء في مجالس إدارة الشركات الكبرى لا تتجاوز 27%.
وفي المملكة المتحدة، تشير البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية إلى أن واحدة من كل خمس نساء تتعرض للعنف الجنسي خلال حياتها. هذه الأرقام رغم أنها قد تكون صادمة، فإنها تعكس واقعًا مريرًا تعيشه العديد من النساء في بلد يُعد من أكثر الدول تقدمًا في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء في المملكة المتحدة غالبًا ما يواجهن صعوبات في الوصول إلى العدالة، حيث تشير التقارير إلى أن نسبة قليلة فقط من حالات العنف الجنسي يتم الإبلاغ عنها، وأن نسبة أقل من ذلك يتم تقديم الجناة فيها إلى العدالة.
وفي كندا وأستراليا لا يختلف الوضع كثيرًا، وذلك بحسب الإحصاءات الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية ومكتب الإحصاء الأسترالي، الأمر الذي يثير المزيد من التساؤلات حول حقيقة الحماية التي تتمتع بها المرأة في الدول الغربية، والتي تنادي -باستمرار- بحماية المرأة، وتوفير كامل الحرية والحقوق لها.
شعارات المساواة وواقع الانتهاكات
وقال الخبير الحقوقي السويدي من أصل عربي، سامر التركي، إن المجتمعات الغربية التي طالما تغنت بشعارات المساواة والحرية، ما تزال المرأة فيها تواجه تحديات عدة، ما يعكس تناقضًا بين الخطاب الحقوقي والواقع الفعلي، فرغم الإنجازات التي حققتها الحركات النسوية والتشريعات التي تهدف إلى ضمان حقوق النساء، تبقى العديد من القضايا العالقة التي تعكس مدى هشاشة هذه الحقوق في مواجهة الممارسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وتابع التركي، في تصريحات لـ"جسور بوست": إن التمييز ضد المرأة في سوق العمل من أبرز القضايا التي تعانيها النساء في الغرب، فرغم التأكيدات المستمرة على ضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين، فإن النساء يواجهن حواجز خفية تمنعهن من الوصول إلى المناصب العليا، كما يُفرض عليهن في كثير من الأحيان أداء مهام إضافية دون الحصول على التقدير الكافي، بل إن بعض القطاعات تفرض على النساء بيئة عمل غير آمنة، حيث يتعرضن لمضايقات تنتهك كرامتهن وحقهن في بيئة عمل تحترم إنسانيتهن.
وفي الجانب الاجتماعي، قال إن الصورة النمطية التي تُرسم للمرأة في الإعلام الغربي ما تزال قائمة، إذ يتم تقديمها في كثير من الأحيان كسلعة أو كعنصر جمالي يُستغل لتحقيق مكاسب اقتصادية. هذه الصورة تكرس نظرة سطحية لدور المرأة، وتؤدي إلى فرض معايير غير واقعية للجمال والسلوك، ما يجعل نساءً كثيرات عرضةً لضغوط نفسية واجتماعية تؤثر في ثقتهن بأنفسهن، وتضعف إحساسهن بالقيمة الذاتية، كما أن المرأة كثيرًا ما تجد نفسها مضطرة للعيش وفق توقعات المجتمع، ما يقيد حريتها في اختيار نمط حياتها ومستقبلها.
وفيما يتعلق بالعنف ضد المرأة قال: يظل أحد أخطر التحديات التي تواجه النساء في الغرب، فعلى الرغم من القوانين التي تجرّم العنف الأسري والاعتداءات الجنسية، فإن الواقع يشير إلى أن النساء ما يزلن عرضة لهذه الانتهاكات بشكل يومي، والأسوأ من ذلك أن الكثير من الضحايا يجدن أنفسهن غير قادرات على الحصول على العدالة، بسبب ثقافة الإفلات من العقاب التي تحيط بهذه القضايا، وضعف استجابة السلطات المختصة، ما يجعل المرأة أكثر هشاشة في مواجهة هذه الجرائم.
وقال: لا يمكن إغفال معاناة النساء من التمييز في بعض المؤسسات التعليمية والأكاديمية، حيث تجد المرأة صعوبة في الحصول على الفرص ذاتها التي يحصل عليها الرجل، سواء في الأبحاث العلمية أو في المناصب القيادية داخل الجامعات. هذا الأمر يعكس تراجعًا في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، ويؤدي إلى تعطيل قدرات النساء وإهدار طاقاتهن في مجالات يمكن أن يكنّ فيها عناصر فاعلة ومؤثرة.
وأتم، النساء في الغرب، رغم ما تحقق لهن من مكاسب، ما يزلن يواجهن تحديات تجعل من حقوقهن أمرًا غير مستقر، ويحتجن إلى المزيد من الإصلاحات التي تضمن لهن حياة كريمة خالية من العنف والتمييز والاستغلال، فعلى الرغم من أن دولًا غربية كثيرة تتحدث عن المساواة باعتبارها قيمة أساسية، فإن التجربة الفعلية لكثير من النساء تثبت أن الطريق ما يزال طويلًا أمام تحقيق عدالة حقيقية تلغي أشكال التمييز كافة ضد المرأة، وتضمن لها حقوقها كاملة غير منقوصة.
مساواة معلنة وتمييز مستتر
وقالت تهاني مسعد، عربية مقيمة في ألمانيا، أعيش في ألمانيا منذ عقود، طالما أثارت قضية أوضاع المرأة في الغرب تساؤلات كثيرة في ذهني، خاصة مع الصورة المثالية التي تُرسم عن المجتمعات الغربية باعتبارها نموذجًا للمساواة والحرية، لكن الواقع أكثر تعقيدًا من هذه الصورة الوردية، فبينما تتمتع النساء في الغرب بالكثير من الحقوق التي ناضلن لأجلها لعقود، فما تزال هناك فجوة عميقة بين ما يُعلن عنه في الخطابات الرسمية والقوانين، وبين ما يحدث على أرض الواقع، المرأة في الغرب تعيش في مجتمع يُنظِّر للمساواة، لكنه في كثير من الأحيان يُمارس تمييزًا ناعمًا.
وتابعت تهاني، في تصريحات لـ"جسور بوست"، ورغم الخطابات التي تشجع على مشاركة المرأة وتمكينها، فإن فرص الصعود في السلم الوظيفي تظل محدودة مقارنة بنظرائها الرجال، حيث يواجهن تمييزًا مستترًا يتجلى في فروق الرواتب، وصعوبة الحصول على المناصب القيادية، والتشكيك المستمر في قدراتهن، وكأنهن مطالبات دائمًا بإثبات جدارتهن أكثر من الرجال، أما في الحياة الشخصية، فهناك تناقضات أخرى تفرض نفسها، صحيح أن القوانين تحمي النساء من العنف الأسري والاعتداءات، ولكن هذه القوانين لا تمنع حدوث الانتهاكات.
وقالت إنه لا يمكن الحديث عن أوضاع المرأة في الغرب دون التطرق إلى المعايير المزدوجة التي تحكم نظرة المجتمع إلى جسدها وسلوكها، فمن جهة هناك خطاب تحرري يشجع على الاستقلالية والتعبير عن الذات، ومن أخرى تُستغل صورة المرأة في الإعلام والإعلانات بطرق تعزز النظرة الاستهلاكية لجسدها، هذا التناقض يجعل نساءً كثيرات يشعرن بأنهن محاصرات بين رغبة في فرض وجودهن كشخصيات مستقلة، وضغوط اجتماعية تضع معايير غير واقعية للجمال والسلوك، وتجعل من الصعب عليهن أن يعشن وفق خياراتهن دون أن يتعرضن للنقد.
وأشارت إلى أنه في المجتمعات التي يُفترض أنها وصلت إلى مراحل متقدمة من المساواة، ما تزال المرأة تواجه تحديات عند اتخاذ قرارات مصيرية مثل الزواج أو الإنجاب، فبدلًا من أن يكون الخيار شخصيًا بالكامل، تجده محكومًا بعوامل اقتصادية واجتماعية تجعل النساء في كثير من الأحيان مضطرات إلى الموازنة بين تحقيق طموحاتهن المهنية، وبين تكوين أسرة، في ظل غياب سياسات داعمة.
وعن المرأة المهاجرة، قالت، إنها تواجه واقعًا أكثر تعقيدًا، حيث تتضاعف التحديات بسبب الطبقية والتمييز الثقافي. فعلى الرغم من أن المجتمعات الغربية تتحدث عن التنوع والشمولية، فإن النساء القادمات من ثقافات أخرى يواجهن نظرات دونية، وصعوبات في الاندماج المهني والاجتماعي، وغالبًا ما يُنظر إليهن إما كضحايا يجب "تحريرهن"، أو كأشخاص غير قادرين على تبني قيم المجتمع الجديد، ما يضعهن في موقع دفاعي دائم عن هوياتهن وخياراتهن.
وأتمت، في حين تتباهى الدول الغربية بريادتها في مجال حقوق المرأة، فإن الوقائع اليومية تُظهر أن هذه الحقوق ما تزال غير محققة بالكامل، وأن النساء في هذه المجتمعات يواجهن أشكالًا مختلفة من التمييز والعنف، بعضها ظاهر وبعضها الآخر مستتر خلف قوانين وممارسات تعيد إنتاج التفاوتات بطرق أكثر تعقيدًا. المساواة الحقيقية لا تتحقق بالشعارات، بل بتغيير عميق في البنى الاجتماعية والثقافية التي تجعل المرأة دائمًا في موقع النضال لإثبات ذاتها، حتى في أكثر المجتمعات تقدمًا.