اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق.. أربعة قرون من المعاناة تتطلب الاعتراف والتعويض

يُحتفل به في 25 مارس من كل عام

اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق.. أربعة قرون من المعاناة تتطلب الاعتراف والتعويض
سفينة العودة، النصب التذكاري لتكريم ضحايا العبودية وتجارة الرقيق

تقف البشرية في 25 مارس من كل عام أمام أحد أكثر الفصول قتامة في تاريخها الحديث، حين شهدت سواحل إفريقيا الغربية عمليات خطف منظمة لنحو 17 مليون إفريقي، نُقلوا عبر المحيط الأطلسي في ظروف غير إنسانية؛ ليعملوا عبيدًا في العالم الجديد، لم ينجُ من هذه الرحلة المشؤومة سوى 15 مليون شخص، في حين لقي مليونان حتفهم خلال العبور.

وفي اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، تحيي الأمم المتحدة ذكرى ضحايا تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، التي استمرت لأكثر من أربعة قرون، وتسببت في معاناة ملايين الأفارقة الذين انتُزعوا من أوطانهم، وعُذبوا، ومات الكثير منهم خلال رحلات النقل القاسية، ولا يهدف هذا اليوم إلى التذكير بالماضي فقط، بل إلى كشف الحقائق ومواجهة إرث العنصرية الذي ما يزال يؤثر في المجتمعات حتى اليوم.

نشأة الاحتفال

تعود جذور هذا اليوم الدولي إلى جهود دبلوماسية إفريقية مكثفة في مطلع الألفية الثالثة، حيث تقدمت مجموعة من الدول الإفريقية عام 1998 بمبادرة للجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بالاعتراف الرسمي بجريمة تجارة الرقيق، وبعد سنوات من النقاش، أصدرت الجمعية العامة القرار التاريخي رقم 61/19 في 28 نوفمبر 2006 الذي اعترف بأن تجارة الرقيق تمثل "أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في التاريخ"، وحدد يوم 25 مارس -ذكرى إصدار بريطانيا قانون إلغاء تجارة الرقيق عام 1807- موعدًا سنويًا للاحتفال بدءًا من 2007.

وفي عام 2008، عززت الأمم المتحدة هذه المناسبة بالقرار 62/122 الذي جعلها حدثاً سنوياً دائماً، حيث انضمت إليه 97 دولة، وواكب ذلك إطلاق برنامج التوعية التابع لإدارة الإعلام بالأمم المتحدة ومشروع "طريق الرقيق" تحت إشراف اليونسكو، بهدف توثيق هذه الفترة التاريخية ونشر الوعي حولها، وعلى مر السنين، تطورت فعاليات هذا اليوم لتصبح منصة عالمية، ليس فقط لإحياء الذكرى، ولكن أيضاً لربط الماضي بالحاضر في سياق مكافحة العنصرية بأشكالها المعاصرة، ودفع عجلة العدالة التاريخية عبر آليات دبلوماسية وحقوقية متوازنة.

تاريخ تجارة الرقيق عبر الأطلسي

بدأت تجارة الرقيق عبر الأطلسي في القرن الخامس عشر، عندما قامت الدول الأوروبية بنقل الأفارقة قسراً إلى الأمريكتين للعمل في المزارع، استمرت هذه الممارسة حتى القرن التاسع عشر، وراح ضحيتها ما يقارب 17 مليون إنسان، بالإضافة إلى ملايين آخرين لقوا حتفهم في أثناء النقل بسبب الظروف غير الإنسانية.

انطلقت السفن الأوروبية محملة بالسلع مثل الأسلحة والمنسوجات إلى غرب إفريقيا، حيث تم استبدالها بالعبيد، ثم عبرت السفن المحملة بالضحايا المحيط الأطلسي في 2000 رحلة قاسية عُرفت باسم "الممر الأوسط"، حيث كان العبيد يُحشرون في أماكن ضيقة وغير صحية، وبعد بيعهم في الأمريكتين، تعود السفن إلى أوروبا محملة بالسكر والقطن والتبغ، ما أسهم في ازدهار الاقتصاد الأوروبي على حساب حياة الملايين.

لم يستسلم العبيد لواقعهم، بل قاوموا بطرق مختلفة، من الهروب إلى تنظيم الثورات، وكان أشهرها ثورة هايتي (1791-1804)، التي نجحت في إقامة أول دولة مستقلة بقيادة سوداء، أسهمت هذه المقاومة، إلى جانب حملات إلغاء الرق في أوروبا وأمريكا، في إنهاء هذه التجارة تدريجياً، حيث أصدرت بريطانيا قانون إلغاء تجارة الرقيق عام 1807، تلتها دول أخرى حتى انتهت الممارسة رسمياً في البرازيل عام 1888.

إرث الرق اليوم 

ما تزال آثار تجارة الرقيق واضحة في المجتمعات الحديثة، من خلال عدم المساواة الاقتصادية والعنصرية النظامية، وما يزال أحفاد الضحايا يعانون التمييز في التعليم، والصحة، وفرص العمل، كما أن الأفكار العنصرية التي بُنيت لتبرير الرق ما تزال موجودة في بعض الخطابات الاجتماعية والسياسية.

تدعو الأمم المتحدة في عام 2025 إلى التركيز على العدالة التعويضية، من خلال سياسات تعترف بالظلم التاريخي وتعمل على تصحيح آثاره، يمكن للأفراد المشاركة عبر: تثقيف أنفسهم والآخرين حول هذه الفترة المظلمة، ودعم المشاريع التي تعزز العدالة الاجتماعية للمجتمعات المتضررة، ومواجهة العنصرية والتمييز في الحياة اليومية.

رسالة الأمم المتحدة

قال الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في رسالة بمناسبة إحياء تلك المناسبة في 2025: "لقد كانت التجارة في الأفارقة المأخوذين رقيقاً عبر المحيط الأطلسي جريمة ضد الإنسانية ما يزال صداها يتردد عبر التاريخ وما تزال ندوبها محفورة على جبين المجتمعات.. ونحن اليوم نحيي ذكرى النساء والأطفال والرجال الذين انتُزعوا من أهلهم وأُجبروا على العمل في ظروف مؤلمة، ثم عوقبوا بقسوة وسُلبت منهم كرامتهم وحقوقهم الإنسانية، كما نحيي ما قاموا به من أعمال للمقاومة والمطالبة بالعدالة".

وأوضح أنه: "على مدى أكثر من أربعة قرون، تعرض الملايين من الأفارقة للاختطاف والاتجار والإساءة، وجُردوا من إنسانيتهم.. واستندت هذه الممارسة المروّعة إلى كذبة مدمِّرة، هي كذبة تفوّق العرق الأبيض.. وكانت نتيجتها أن كدّس العديد من المستعمرين والشركات والمؤسسات ثروات لا تُحصى".

وأضاف: "لقد طال الأمد كثيراً وهذه الأعمال التي يندى لها الجبين متوارية خلف الإنكار والصمت والإهمال، في حين ما تزال مخلفاتها تلقي بظلالها على عالمنا إلى اليوم.. فكثيرون هم من لا يزالون يستفيدون من أرباح مقززة آتية من استرقاق الناس، كما أن العنصرية النظمية متغلغلة في المؤسسات والثقافات والنظم القانونية وغيرها، وما تزال ممارسات الإقصاء والتمييز العنصري والعنف المتجذرة تقطع على كثير ممن ينحدرون من أصل إفريقي سبل الازدهار والرخاء".

وشدد الأمين العام: "عسى أن يكون في موضوع اليوم الدولي لهذا العام ما يذكّرنا بأن الاعتراف بأهوال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي خطوة أساسية نحو معالجة الماضي وإصلاح الحاضر وبناء مستقبل ينعم فيه الجميع بالكرامة والعدالة.. فلا بد من وضع أطر للعدالة التعويضية تعالج هذا التاريخ الرهيب ومخلفاته، إذ يجب أن نقضي على شر العنصرية إلى الأبد".

فعاليات أممية

تنظم الأمم المتحدة والمؤسسات الثقافية حول العالم أنشطة توعوية في هذا اليوم، تشمل: معارض فنية توثق تاريخ المقاومة، وندوات أكاديمية تناقش سبل تحقيق العدالة، وحملات إعلامية لتوعية الشباب.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية