حقوقي ليبي لـ«جسور بوست»: المهاجرون يتعرضون للتعذيب في مراكز الاحتجاز
رئيس منظمة التعاون والإغاثة: توطين اللاجئين في ليبيا مرفوض رسمياً وشعبياً
اقترب الليبيون من إتمام 15 عاما من دوامات الفوضى التي أعقبت الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في 2011 وعجز الفرقاء السياسيين عن التوحد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تكون مقدمة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وإنهاء الانقسام واحتكار السلاح في يد السلطة، في ظل حالة من انعدام الأمن وانتهاك سيادة القانون بانتشار الميليشيات المسلحة التي يدعي كل منها حماية الثورة.
وتحولت ليبيا إلى واحدة من الطرق الرئيسية للهجرة غير الشرعية من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى شواطئ أوروبا، في رحلات يتعرض أصحابها لانتهاكات جسيمة منها الاحتجاز التعسفي والاتجار بالبشر، وقد تصل في أوقات كثيرة إلى القتل خارج نطاق القانون، ويُفاقم أوضاع طالبي اللجوء والمهاجرين عدم انضمام ليبيا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق اللاجئين.
وعجز الليبيون عن إجراء انتخابات رئاسية كانت مقررة نهاية عام 2021 وبرلمانية كانت مقررة في يناير 2022، بسبب "قوة قاهرة" تحول دون إتمام إجراء الانتخابات، ولم تنجح الجهود الوطنية أو الدولية في استعادة مناخ يسمح بهذه الانتخابات.
وفي حوار مع «جسور بوست» سلط رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية في ليبيا جمال المبروك الغرابلي، الضوء على أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء داخل الأراضي الليبية، وأسباب تأخر إجراء الانتخابات، وأثر غياب مؤسسات الدولة المنتخبة على أحلام الليبيين في التحول الديمقراطي والانطلاق نحو المستقبل.
وإلى نص الحوار..
- ما تقييمك لوضعية حقوق الإنسان في ليبيا؟
على الرغم ممّا يكتسي المشهد الليبي من تفاعلات في متغيرات النخب السياسية المسيطرة على البلاد وخريطة تحالفاتهم المؤقتة، فإن قواعد اللعبة لم تتغير، فلا يزال الوضع في ليبيا يتأرجح بين حالة الفوضى واللا نظام، ما أثر على الحالة العامة لحقوق الإنسان، فسطوة الجماعات المسلحة ما زالت تمارس نفوذها، خصوصا في الغرب الليبي، بقيامها بتنفيذ عمليات الاختطاف والاحتجاز القسري والتعذيب، وهناك انتهاكات تصل إلى القتل، مستغلة ضعف آليات إنفاذ القانون، وباختصار شديد، نقول إن الحالة العامة لحقوق الإنسان سيئة جدا، على الرغم مما يبذله مكتب النائب العام من جهود.
- وكيف أثرت إطالة أمد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على جمود الأداء الرسمي في الدولة حيال تعزيز حقوق الإنسان؟
التداول السلمي للسلطة يأتي في صلب العملية الديمقراطية، وعدم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي هي حق من حقوق الإنسان الليبي، والتي تم إجهاضها، ما تسبب في انتكاسة كبيرة على الداخل الليبي، والمواطنون يرون أن حقهم تم انتهاكه بعدم إجرائها، ويمكن القول إن المتصدرين للمشهد السياسي ومغتصبي السلطة مستفيدون من عدم إجراء الانتخابات حتى الآن، وهو ما زاد الانقسام حتى داخل مؤسسات الدولة.
- وما العائق الأكبر أمام عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد؟
العائق الأكبر أمام إتمام عملية الانتقال الديمقراطي يعود لسببين رئيسين من وجهة نظري، الأول محلي والآخر خارجي، ففي الداخل نصطدم بتشبث المسيطرين على السلطة حاليا بالوضع القائم، رغم عدم شرعية وجودهم، أما الخارجي فيعود لتدخلات دولية كانت سببا في إلغاء الانتخابات الماضية، ولا ننسى ما صرح به رئيس مفوضية الانتخابات حينما أعلن بأن هناك قوة قاهرة تجعلنا نوقف العملية الانتخابية.
- أثيرت في الأسابيع الماضية جدلية توطين الأجانب في ليبيا.. كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
توطين الأجانب في ليبيا موضوع حساس جدا، وليس سهلا إقناع الليبيين به، ليبيا دولة غير منضمة للاتفاقية الدولية الخاصة بحماية اللاجئين في العالم المعروفة باتفاقية"51" وبروتوكولات "67" اللاحقة لها، وكذلك وجود قانون صدر خلال السنة الماضية بشأن مكافحة التوطين، لذلك نرى أن التوطين في ليبيا أمر يرفضه الليبيون جملة وتفصيلا.
- وما الالتزامات الدولية على الدولة الليبية في ما يتعلق بملف المهاجرين الأجانب؟
في ليبيا ترسانة تشريعية تجرم الوجود غير القانوني على أراضيها، فتوجد نصوص قانونية في قانون العقوبات الليبي الصادر سنة 1952، وقانون تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا وخروجهم منها الصادر سنة 1986، والقانون رقم "19" لسنة 2010، وقانون العمل، وقانون مكافحة التوطين، ومع كل ذلك، تلتزم الدولة الليبية باحترام التزاماتها الدولية المتعلقة باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والمعاملة الإنسانية أثناء التعامل مع المهاجرين، ابتداءً من لحظة الضبط والإيواء وحتى مرحلة الترحيل.
- وما رأيك في الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع ملف المهاجرين واللاجئين؟
في الحقيقة، من خلال عملنا الحقوقي ومتابعتنا هذا الملف شديد الأهمية، نلاحظ وجود انتهاكات خطيرة بحق المهاجرين، خاصة المحتجزين في مراكز الإيواء، تتمثل في سوء المعاملة، خاصة مراكز الاحتجاز التي تقع خارج سلطة الدولة والتي تشتهر بوجود انتهاكات مثل التعذيب والاتجار بالبشر والابتزاز وحتى السُخرة.
- وكيف يمكن التمييز بين المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا؟
بما أن ليبيا بلد غير منضم لاتفاقية "51" المتعلقة بحماية اللاجئين، فالكل يُعتبر في حالة هجرة غير مشروعة، ويمكن ترحيلهم حتى ولو كانوا من حاملي شهادة اعتراف من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كطالبي لجوء.
- ما تقييمك لأداء الأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بالملف الليبي؟
الحقيقة أن أمر وجود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وعدم توصلها لحل ينهي الأزمة الليبية التي تعيش العشرية الثانية من عمرها، بات أمرا مثيرا للقلق، سواء عند الرأي العام والمواطن البسيط في الشارع، أو حتى عند النخب المتابعة والمهتمة بالشأن الليبي.
- ولماذا تعجز بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن التوصل لتفاهمات بين الفرقاء السياسيين للدفع باتجاه الانتخابات؟
أعتقد أن تشدد الأطراف الليبية المسيطرة حاليا في عدم حلحلة الأزمة له دور كبير في إعاقة البعثة، وكذلك التدخلات الدولية التي لا تخفى على أحد، وتناقض مصالح هذه القوى الدولية في ليبيا، فهذا وذاك سبب في إطالة الأزمة الليبية، وأسهموا في إعاقة البعثة للوصول لتحقيق نتائج ملموسة.. وباقي وكالات الأمم المتحدة الموجودة في ليبيا تقوم بمهامها كل حسب اختصاصه.
- هل تتفق مع القول بأن الحرب في غزة سحبت الأضواء بعيدا عن بقية القضايا في المنطقة؟
العدوان على غزة نظرا لهمجيته وللمؤامرة التي تستهدف الفلسطينيين عبر تهجيرهم القسري من أراضيهم، لا بد أن يحظى باهتمام عن باقي القضايا الأخرى، نظرا لخصوصية الحالة، باعتبار فلسطين هي القضية المركزية للعرب، ولا بد أن تحظى بأهمية خاصة على كل المستويات السياسية والحقوقية والاجتماعية وغيرها، ولا بد أن يرفض العرب ترحيل سكان غزة من حيث المبدأ.