حقوق الإنسان

حقوق الإنسان

 احترام حقوق الإنسان واحد من أهم المؤشرات على الاستقرار السياسى والاقتصادي. بالنظر إلى تجارب الدول المتقدمة نجد أن حقوق الإنسان تمثل فى آن نقطة انطلاق مسيرة التقدم ونقطة الوصول. بعبارة أخرى هى فى نفس الوقت وسيلة وغاية. حقوق الانسان اقتضاء حداثى وليس اقتراحاً مطروحا علينا لنقبله أو نرفضه. ولا يعنى هذا أننا مكرهون على قبوله. ينبغى تغيير النظرة إلى هذه الحقوق من أنها إملاء من قوى خارجية إلى أنها فرصة تاريخية مفيدة للوطن وللمواطنين.

يواجه مفهوم حقوق الإنسان حالياً حملة من جانب بعض وسائل الإعلام والسوشيال ميديا تستهدف نزع المصداقية عنه. وهذه الحملة ليست محض افتراء وإنما تستند إلى أسباب وجيهة وليست مختلقة. من بين هذه الأسباب:

أولاً: الاستخدام الذرائعى لفكرة حقوق الإنسان من جانب القوى الكبرى حيث تمثل فى بعض الأحيان غطاءً للتدخل فى شئون دولة ذات سيادة فى صورة عدوان مسلح أو عقوبات وحصار اقتصادى لتحقيق أغراض أخرى. إزاء هذا الفعل يتم تقديم الأمر على أن حقوق الانسان مفهوم فارغ لا يعبر عن واقع سياسى أو قانونى وتختزل حقيقتها إلى كونها مجرد ذريعة.

ثانياً: تندد القوى الكبرى بغياب حقوق الإنسان فى بلد لكنها تغض النظر عن غيابها فى بلد آخر وفقاً لمصالحها. وهو ما يطلق عليه الكيل بمكيالين، وبالتالى حينما تكون هناك إشارة إلى إخلال بحقوق الإنسان فى مجتمع ما فإن الإعلام يصوره على أنها علامة إيجاببة تشهد على استقلال إرادته السياسية وعدم إذعانه للقوى الكبرى.

ثالثاً: الاستشهاد بخبرات نجحت فى تحقيق التنمية والتقدم الاقتصادى فى ظل غياب حقوق الإنسان وتقديم هذه التجارب على أنها نموذج ملائم لظروفنا يجدر بنا أن نحذو حذوه، وهذا يعنى اختزال التقدم فى حدود المردودية الاقتصادية والتعامل مع المواطنين على أنهم وسيلة وليسوا غاية.

رابعاً: حجة ترتيب الأولويات، فمن الناحية التاريخية ظهرت أولاً فى القرن الثامن عشر حقوق الإنسان السياسية ويطلق عليها الحقوق السلبية، حيث المطلوب من الدولة ألا تتدخل وتتمثل هذه الحقوق فى حرية التعبير والاعتقاد، وحرية الاجتماع، والحق فى الحماية القانونية، وهى حقوق الجيل الأول. والجيل الثانى يتمثل فى الحقوق الاجتماعية وظهرت فى أواخر القرن التاسع عشر مثل الحق فى العمل والسكن والتأمين الصحى والمعاش وهى حقوق تتطلب من الدولة أن تتدخل لكنها ليست ملزمة، إنما هى اعتراف اجتماعى بواجبات الدولة تجاه المواطنين. والجيل الثالث ويقصد به الحقوق الثقافية. ظهرت فى أواخر القرن العشرين فى المجتمعات المكونة حديثاً والتى تتسم بتعدد الأعراق والثقافات بسبب الهجرة . ومما لاشك فيه أن السياق قد يقتضى إعادة ترتيب الأولويات ولكن تأتى المشكلة حين تستخدم هذه الحجة لإعفاء السلطات التشريعية والتنفيذية من واجب التقدم فى مجال حقوق الإنسان بصورة تشمل جميع الأوجه.

خامساً: الخصوصية وهى حجة طويلة المدى وعميقة الجذور تنطلق من واقع أن لنا عادات مستقرة وتراث فكرى دام قروناً يتعارض مع بعض هذه الحقوق. الخصوصية بالطبع جديرة بأن تراعى ولكن ليس لدرجة الذهاب إلى الزعم بأن لنا تصورنا الخاص عن حقوق الإنسان والذى يختلف عن المبادىء والمواثيق الدولية. ويقدم الأمر وكأن البلاد التى تقدمت فى مسيرة احترام حقوق الإنسان لم يكن لها هى الأخرى تراث وعادات تتعارض مع هذه الحقوق.

التعامل مع هذه العوائق يفرض مهمة مزدوجة تقتضى التمسك باحترام حقوق الإنسان والإعلاء من شأنها، مع التنديد فى نفس الوقت بما يستحق الشجب والإدانة مثل الاستخدامات التبريرية المغرضة لهذا المفهوم من قبل القوى الكبرى. ونحن نعلم أن الحس الشعبى أو المواطن العادى يميل إلى تبنى مثل هذه الأقاويل المتشككة فى حقوق الانسان ويعيد إنتاجها مرارا وتكراراً، ولكن لا ينبغى أن يجعلنا ذلك نغفل عن الأثر النفسى المدمر لمثل هذه الاعتراضات، حيث يتسرب إلى المواطن شعور بأنه غير جدير بالتمتع بهذه الحقوق وينتابه اليأس من أن يجد نفسه يُعامل بكرامة فى وطنه.

احترام حقوق الإنسان مطلب إنسانى كونى وصار يمثل القاعدة فى الإدارة السياسية للمجتمعات الحديثة. ولهذا نلاحظ أن بعض الدول تتذرع بالظروف الطارئة، وأن ذلك وضع مؤقت واستثنائى سوف تسعى لتجاوزه؛ ونلاحظ أيضاً أنه حينما تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أننا حققنا تقدماً فى مجال حقوق الإنسان تخرج من صدورنا زفرة ارتياح، لأن ذلك يمثل لنا نوعاً من الاطمئنان بأننا نسير فى الطريق السليم الذى يحقق تقدم الوطن وكرامة المواطن.


نقلاً عن بوابة الأهرام



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية