مسؤول أممي لـ«جسور بوست»: الوضع الحقوقي في سوريا ولبنان هش.. والأمم المتحدة توثق انتهاكات حزب الله

مسؤول أممي لـ«جسور بوست»: الوضع الحقوقي في سوريا ولبنان هش.. والأمم المتحدة توثق انتهاكات حزب الله
محمد النسور- رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان

في زوايا سوريا المنهكة بالحرب، ولبنان المثقل بالأزمات والانهيارات، تعيش الأقليات الدينية والعرقية واحدة من أكثر الفترات هشاشة في تاريخها الحديث.

من الطائفة العلوية التي تواجه اتهامات بالاستهداف في الساحل السوري، إلى اللاجئين السوريين في لبنان الذين يكافحون للحفاظ على كرامتهم في وجه خطاب كراهية وسياسات ترحيل محتملة، تتصاعد المخاوف من أن تغدو هذه الفئات وقوداً لصراعات سياسية أو عسكرية جديدة.

في ظل هذا الواقع المضطرب، يصبح دور الأمم المتحدة مهماً للغاية، فهل تحمي فعلاً هذه المنظمة الدولية حقوق الأقليات؟ وهل تملك أدوات التأثير في سياق تتشابك فيه الحسابات الإقليمية والدولية؟

في حوار مع "جسور بوست" تحدث محمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، عن المشهد الحقوقي في سوريا ولبنان، وفتح نافذة صريحة على تقييم الأمم المتحدة للأوضاع الراهنة.

وتحدث النسور عن الرؤية الأممية لحماية الأقليات، وشرح كيف تتحرك حقوق الإنسان في حقول ألغام السياسة.

كيف تقيّم الأمم المتحدة وضع حقوق الأقليات في سوريا، خصوصاً في ظل ما ورد من تقارير تشير إلى تصعيد في الانتهاكات ضد الطائفة العلوية؟ هل ثمة دلائل على وجود استهداف ممنهج؟

من الناحية القانونية، من الصعب أن نصف الوضع الحالي بأنه "استهداف ممنهج" للطائفة العلوية، فالمفهوم القانوني للاستهداف الممنهج يتطلب توافر عناصر محددة، مثل وجود سياسة رسمية أو أوامر عليا باستهداف فئة بعينها، ويجب أن تكون هذه الأوامر ممنهجة ومستمرة عبر فترة زمنية محددة. في الحالة السورية، لم نصل بعد إلى هذا الوصف القانوني.

ومع ذلك، هناك انتهاكات حدثت بالفعل، وهذا أمر اعترفت به حتى السلطات السورية الحالية، حيث قامت الحكومة بإنشاء لجنة تحقيق وطنية معنية بتقصي هذه الانتهاكات، نحن بدورنا في الأمم المتحدة على تواصل مباشر مع هذه اللجنة، ونسعى لتزويدها بكل ما يصلنا من معلومات وتقارير حول ما نرصده من ممارسات مقلقة.

ومن جهة أخرى، لا تزال لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، والتي تم تشكيلها من قبل مجلس حقوق الإنسان منذ عام 2011، قائمة وتعمل بفاعلية. هذه اللجنة زارت سوريا مؤخراً وتتابع عن كثب ما يرد إليها من تقارير بشأن الانتهاكات، بما في ذلك ما قيل عن استهداف للطائفة العلوية في الساحل السوري. نحن الآن بانتظار ما ستؤول إليه نتائج لجنتي التحقيق، الوطنية والدولية.

هناك تقارير حقوقية تتحدث عن عمليات تجنيد قسري وتهجير ممنهج لبعض الفئات في سوريا.. كيف تنظر الأمم المتحدة إلى هذه التقارير؟

علينا أولاً أن نستحضر أن عمليات التهجير ليست وليدة اليوم. في السابق، وتحديداً خلال سنوات النظام السابق، سُجلت حالات تهجير لمكوّنات سكانية من مناطقهم إلى مناطق أخرى بهدف إحداث تغيير ديموغرافي واضح. هذا النوع من السياسات ليس بالأمر الجديد.

أما الآن، فالحكومة السورية الحالية أعلنت رفضها العلني لأي استهداف لمكوّن اجتماعي أو ديني داخل البلاد، بل وأكدت التزامها بالإعلان الدستوري الذي تم تبنيه مؤخراً، والذي ينص على احترام المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ومن بين هذه المواثيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها.

لكن هذه الالتزامات النظرية يجب أن تُترجم إلى أفعال ملموسة على الأرض. نحن في الأمم المتحدة نراقب هذا الأمر عن كثب ونتعاون مع الحكومة في تقديم المشورة الفنية بشأن كيفية الوفاء بتلك الالتزامات، وجودنا الحالي في دمشق يسمح لنا بمواصلة هذا الدور، بعد أن كانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان ممنوعة من العمل داخل سوريا في الفترة السابقة.

في ضوء ما تقدم، هل ترى الأمم المتحدة أن سوريا تسير في اتجاه إصلاح حقيقي؟ 

يُمكننا القول إننا لا نزال في مرحلة "اختبار النوايا والسياسات المعلنة". الحكومة الحالية ورثت تركة ثقيلة من النظام السابق، ليس فقط على الصعيد السياسي بل أيضاً الاجتماعي والاقتصادي.

خلال زياراتنا الميدانية لبعض الأحياء في دمشق، مثل جوبر وحرستا، وجدنا دماراً شبه كامل للبنية التحتية. هذه الأحياء كانت مسرحاً لعمليات عسكرية كثيفة، خلّفت دماراً مادياً ونفسياً واسع النطاق.

من جهة أخرى، لا يزال مصير أكثر من 100 ألف سوري مجهولاً، وهؤلاء يُعتقد أنهم فقدوا نتيجة ممارسات النظام السابق. هذا الرقم يشير إلى أزمة إنسانية حقيقية، وهي واحدة من التحديات الكبرى التي تواجهها السلطات الحالية.

ومع ذلك، نحن نمنح الحكومة الحالية الفرصة لتطبيق السياسات الجديدة، ونراقب عن كثب مدى انعكاس هذه السياسات على حياة المواطن السوري بكل طوائفه ومكوّناته، سواء كانوا من السنة، أم العلويين، أم المسيحيين، أم الأكراد، أم غيرهم.

كيف تنظر المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى المبادرات الروسية والإيرانية في سوريا، لا سيما تلك التي ترفع شعار "حماية الأقليات"؟ هل ترون أنها تخدم قضايا حقوق الإنسان؟

من الضروري أن نؤكد على مبدأ أساسي في القانون الدولي، وهو أن أي دولة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان في بلد آخر، يجب أن تكون هي نفسها نموذجاً في هذا المجال داخل أراضيها، للأسف، سجل إيران في حقوق الأقليات، سواء الدينية أو العرقية، لا يزال مقلقاً، وقد وثقنا ذلك في تقارير رسمية صادرة عن المفوضية.

أما في ما يتعلق بروسيا، فقد عبّرت عدة دول، من بينها أعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عن قلقها إزاء السياسات الروسية في سوريا، خصوصاً في ما يتعلق بتأثيرها على التوازنات الطائفية.

في زيارة المفوض السامي لسوريا في يناير الماضي، تم التأكيد على ضرورة وجود عملية انتقال سياسي شاملة لا تُقصي أحداً، وضرورة تجنّب أي شكل من أشكال الانتقام أو التصفية، إلى جانب تنفيذ آليات العدالة الانتقالية.

ننتقل إلى الملف اللبناني، كيف تقيّمون التزام الحكومة اللبنانية بالاتفاقيات الدولية بشأن حماية اللاجئين؟

لبنان يعيش وضعاً اقتصادياً هشاً، والحكومة اللبنانية عبّرت مراراً عن الضغوط التي يفرضها الوجود السوري على بنيتها التحتية وقدراتها المالية.. نحن نتفهم هذا القلق المشروع، ولكننا في الوقت نفسه نرفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال استهداف اللاجئين، سواء كان ذلك عبر تصريحات سياسية أو عبر ممارسات على الأرض.

موقف الأمم المتحدة واضح.. لا يجوز إعادة أي لاجئ إلى سوريا ما لم تكن عودته آمنة وبمحض إرادته، هذا مبدأ راسخ في القانون الدولي.

ومن الجدير بالذكر أن الأردن كان سبّاقاً في تبنّي هذه المقاربة، وقد صرّح مسؤولوه مراراً بأنهم لن يُجبروا أي لاجئ على العودة ما لم تتوافر الظروف الآمنة، ونأمل أن تلتزم الحكومة اللبنانية بالنهج نفسه.

في ظل التصعيد العسكري مؤخراً على الحدود الجنوبية للبنان، ما الذي تقوم به الأمم المتحدة لحماية المدنيين، خصوصاً الأقليات الدينية المعرضة للخطر؟

حماية المدنيين هي أولوية قصوى للأمم المتحدة، دون النظر إلى خلفياتهم الدينية أو العرقية، عند اندلاع العمليات العسكرية الأخيرة في جنوب لبنان أصدرنا بيانات واضحة تدين استهداف المرافق المدنية، من مستشفيات ودور عبادة ومنازل، سواء من قبل إسرائيل أو أي طرف آخر.

نحن الآن بصدد إعداد تقرير مفصّل حول خروقات القانون الدولي الإنساني التي وقعت في الجنوب، ويشمل هذا التقرير تقييماً للانتهاكات الإسرائيلية، وكذلك الانتهاكات التي ارتكبها "حزب الله" عندما استهدف مناطق مدنية داخل إسرائيل، رغم أن هذا قد يكون غير مألوف للمستمع العربي، إلا أننا نؤمن بمبدأ واحد وهو أنه لا يجوز استهداف المدنيين أو المرافق المحمية بموجب القانون الدولي، أياً كان الفاعل.

ما الإستراتيجية التي تعتمدها الأمم المتحدة لتعزيز الحوار بين الطوائف الدينية المختلفة في لبنان والمنطقة؟

سبق أن قدمنا مبادرات عديدة خاصة بالشباب اللبناني من مختلف الطوائف، بهدف تعزيز التعلّم من تجارب الماضي، وخاصة تجربة الحرب الأهلية في السبعينيات، نحن نؤمن أن حقوق الإنسان تشكّل المدخل الأنسب لبناء نظام سياسي عادل.

النظام الطائفي في لبنان يُعد مصدر “قلق دائم”، لأنه يكرّس الانقسام بدلاً من بناء الوحدة الوطنية، لذلك نحث دائماً على تبني مقاربة قائمة على المواطنة المتساوية، حيث يتمتع الجميع بنفس الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي.

في نهاية المطاف، اللبنانيون هم من ارتضوا هذا النظام السياسي، ولكن عليهم اليوم معالجة الثغرات فيه بما يضمن مستقبلاً أكثر عدالة وشمولية لجميع المواطنين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية