صحة النساء بالعالم العربي.. آمال في التحسن رغم الفقر والنزاعات والعنف
صحة النساء بالعالم العربي.. آمال في التحسن رغم الفقر والنزاعات والعنف
تواجه النساء في دول عربية عدة تحديات صحية وإنسانية معقدة، خاصة في مجالات الصحة الإنجابية والرعاية في أثناء الولادة، فضلاً عن الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ولا تقتصر هذه التحديات على الجوانب الطبية فحسب، بل تمتد إلى قضايا اجتماعية واقتصادية وثقافية تعكس التدهور الذي تعيشه المنظومات الصحية في بعض البلدان، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والسياسية القاسية في مناطق أخرى.
ورغم وجود جهود لتحسين الوضع الصحي في بعض الدول العربية، فإن الوصول إلى الرعاية الصحية يظل محدودًا، خاصة في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة والفقر المدقع.
فجوة في الرعاية الصحية
تعد الصحة الإنجابية جزءًا أساسيًا من صحة المرأة بشكل عام، ورغم بعض التقدم الذي أحرزته دول عربية في هذا المجال، فإن الواقع لا يزال بعيدًا عن المعايير العالمية.
وفي بعض البلدان مثل لبنان والأردن، تصل نسبة النساء اللواتي يحصلن على رعاية صحية في أثناء الحمل إلى أكثر من 90%، في حين أنه في دول أخرى مثل اليمن والسودان، لا تتجاوز هذه النسبة 50%. تُظهر هذه الإحصاءات الفجوة الكبيرة في مستوى الرعاية الصحية بين الدول العربية.
وتظل النساء في المناطق الريفية والنائية عرضة لمضاعفات صحية خطِرة بسبب نقص المستشفيات والمرافق الصحية، وقلة الكوادر الطبية المتخصصة، ففي مصر، بينما تتلقى نسبة جيدة من النساء في المدن الكبرى الرعاية الصحية اللازمة، لا تتجاوز النسبة في القرى والأرياف 60% في أحسن الأحوال، ما يعرضهن لأخطار صحية عدة مثل الولادة المبكرة والتسمم الحملي.
الرعاية الصحية خلال الولادة
تعد الرعاية الصحية في أثناء الولادة عاملًا حاسمًا في ضمان سلامة الأم والطفل، في الدول المتأثرة بالصراعات المسلحة مثل اليمن وسوريا، تزداد الصعوبة في الوصول إلى مرافق صحية مجهزة.
وفي اليمن، على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن معدل وفيات الأمهات يعد من بين الأعلى في العالم، حيث سجلت تقارير عام 2020 نحو 385 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية.
ويعود هذا إلى تدمير البنية التحتية الصحية جراء الحرب، ما جعل نساءً عدة يضطررن للولادة في ظروف غير آمنة، ما يزيد من احتمالية حدوث مضاعفات صحية خطِرة.
الولادة في بيئة غير مجهزة
في العديد من الدول التي تشهد نزاعات مسلحة أو أزمات اقتصادية خانقة، تجد النساء أنفسهن في مواجهة خطر مزدوج؛ أولاً، خطر الولادة في بيئة غير مجهزة، وثانيًا، خطر العنف الجسدي والنفسي إذا حدثت مضاعفات صحية.
ويتطلب هذا الوضع استجابة عاجلة من الحكومات والمنظمات الدولية لتقديم الدعم الصحي في هذه المناطق المنكوبة.
ولا تقتصر التحديات الصحية على الصحة الإنجابية والولادة فقط، بل تشمل أيضًا انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي يتخذ أشكالًا متعددة من العنف الجسدي والنفسي.
ووفقًا لتقارير منظمات مثل منظمة العفو الدولية، تعرض ما يقرب من 40% من النساء في بعض الدول العربية للعنف من قبل شركائهن أو في مكان العمل، وتزداد هذه الأرقام في المناطق الريفية حيث يصعب على النساء التحدث عن مشاكلهن أو الحصول على الدعم اللازم.
مخاوف النساء في النزاعات المسلحة
في دول مثل العراق وسوريا، تزداد معدلات العنف الجنسي والنفسي بسبب النزاعات المسلحة، ما يجعل من الصعب على النساء الحصول على الرعاية الصحية النفسية والجسدية بسبب الخوف من العواقب الاجتماعية أو القانونية.
ولا يزال الحديث عن العنف ضد النساء في هذه البلدان محاطًا بالكثير من المحاذير الاجتماعية، ما يمنع الضحايا من الإبلاغ عن حالاتهن والحصول على الدعم المطلوب.
وتظل الفجوة الصحية بين المناطق الغنية والفقيرة أحد أبرز العوامل التي تزيد من معاناة النساء. في الدول التي تعاني الفقر المدقع أو النزاعات المسلحة، يصبح الوصول إلى الخدمات الصحية أمرًا بالغ الصعوبة.
وفي دول مثل اليمن والسودان، تفتقر النساء إلى المرافق الصحية التي توفر الرعاية المناسبة، ما يعرضهن لأخطار صحية عدة، مثل الأمراض المنقولة جنسيًا أو السرطان.
محدودية الوصول إلى الرعاية
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن 30% من سكان الدول العربية يعانون صعوبة في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وهذا يعكس صعوبة في الحصول على العلاج المناسب، ما يزيد من معاناة النساء اللاتي يعانين أمراضًا مزمنة أو نقصًا في رعاية الأمومة.
ويعد نقص التمويل وضعف البنية التحتية الصحية من أبرز التحديات التي تواجهها الدول العربية. في مناطق النزاع مثل سوريا واليمن، يصبح تقديم الرعاية الصحية بشكل فعال شبه مستحيل بسبب تدمير المستشفيات أو سيطرة الجماعات المسلحة على بعض المناطق. وفي بعض الدول العربية الأخرى، حتى في غياب النزاعات، يظل القطاع الصحي يعاني قصورًا في الموارد.
وتواجه المناطق الريفية نقصًا حادًا في الأطباء والمرافق الصحية، ما يفاقم المشكلات الصحية للنساء، خصوصًا في مجال الصحة الإنجابية، وتعكس الفجوة في الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة والرعاية الصحية في أثناء الحمل والولادة، الواقع الصعب الذي يواجهه سكان هذه المناطق.
تحسين الرعاية الصحية للنساء
أكدت البرلمانية المغربية كليلة بونعيلات، أن تحسين الوضع الصحي للنساء في المغرب يتطلب اتخاذ مجموعة من الخطوات الفعالة، التي من شأنها أن تسهم في تعزيز وصولهن إلى الخدمات الصحية، وتقليل الأخطار التي قد يتعرضن لها في مختلف مراحل حياتهن، خاصة في مجال الصحة الإنجابية، وهناك ضرورة ملحة لتوفير وسائل النقل الملائمة لنقل النساء إلى المرافق الصحية، خصوصًا في حالات الطوارئ، وذلك لتيسير وصولهن إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب.
وأضافت بونعيلات، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أحد أبرز التحديات التي تواجه النساء في بعض المناطق النائية والريفية هو صعوبة الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية، وهو ما يعرضهن لخطر مضاعفات صحية قد تؤثر سلبًا في حياتهن وحياة أطفالهن، توفير وسائل نقل طبية مؤهلة، بما في ذلك سيارات إسعاف مجهزة، من شأنه أن يسهم في تسهيل الوصول إلى العلاج المطلوب، خاصة في حالات الحمل الطارئة أو الولادة المبكرة.
وأكدت أهمية التوعية والتعليم المجتمعي، موضحة أن تنظيم حملات توعية تستهدف النساء في مختلف المناطق، لتعريفهن بأهمية الرعاية الصحية الإنجابية، يعد خطوة أساسية نحو تحسين صحة المرأة في المجتمع.
وأضافت بونعيلات، أنه من خلال هذه الحملات، يجب تسليط الضوء على كيفية الوقاية من الأخطار الصحية المتعلقة بالحمل والولادة، بالإضافة إلى التوعية بأهمية الفحوصات الدورية، واستخدام وسائل تنظيم الأسرة.
وشددت على أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يعد من أبرز المشكلات التي تواجه النساء، إذ يمكن أن يؤدي إلى إصابات جسدية خطِرة مثل الكسور والكدمات، والتي قد تتسبب في إعاقات دائمة.
إصابة النساء بأمراض مزمنة
وحذرت بونعيلات من أن العنف الجسدي والنفسي المستمر قد يسهم في إصابة النساء بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، نتيجة للتوتر المستمر الذي يعانينه.
وأضافت أن الأضرار الصحية الناتجة عن العنف قد تتسبب في تداعيات صحية طويلة الأمد، تضاف إلى الأعباء النفسية والجسدية التي تتحملها النساء في ظل الظروف الراهنة.
وأشارت البرلمانية المغربية إلى أن هذه القضايا تتطلب تدخلات عاجلة وشاملة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة، والمنظمات المدنية، ووسائل الإعلام، للعمل على وضع سياسات وبرامج تسهم في رفع الوعي وتوفير الدعم للنساء المعنفات، بالإضافة إلى ضمان الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
وأكدت ضرورة تعزيز التشريعات لحماية حقوق المرأة وضمان تنفيذ القوانين التي تحارب العنف ضد النساء وتحمي صحتهن.
وأوضحت بونعيلات في ختام تصريحها، أن التقدم في هذه الملفات يتطلب تضافر جهود مختلف الجهات المعنية، لتحقيق بيئة صحية وآمنة للنساء، حيث لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال العمل المشترك على الأرض وتوفير الإمكانات اللازمة لتحسين صحة المرأة في المغرب.