«شهادات للغارديان».. جنود إسرائيليون: «دمرنا كل شيء وقتلنا دون تمييز في غزة»
«شهادات للغارديان».. جنود إسرائيليون: «دمرنا كل شيء وقتلنا دون تمييز في غزة»
نفّذ الجيش الإسرائيلي خطة عسكرية صارمة قضت بتدمير مساحات واسعة داخل محيط قطاع غزة، وأمر بتحويلها إلى ما أُطلق عليه اسم "منطقة قتل"، حيث أصبح كل من يدخلها هدفًا مباشرًا، وفقًا لشهادات عدد من الجنود الذين شاركوا ميدانيًا في تنفيذ هذه الخطة.
نشرت صحيفة "الغارديان" الإثنين تقريرًا موسّعًا بعنوان "المحيط"، استند إلى مقابلات أجرتها مع أربعة جنود إسرائيليين، بالتعاون مع منظمة "كسر الصمت" – وهي جماعة أسسها جنود سابقون لكشف ممارسات الجيش في الأراضي الفلسطينية.
وقال جنود إنهم تلقوا أوامر بتسوية منازل ومصانع وأراضٍ زراعية بالأرض على امتداد كيلومتر واحد داخل غزة، في مسعى لإنشاء "منطقة عازلة" واسعة.
وذكر أحدهم أن المنظر العام للمنطقة بعد تدميرها يُشبه ما خلّفته القنبلة النووية في هيروشيما.
أوامر بالتدمير دون استثناءات
وأكّد التقرير أن الجنود تلقوا تعليمات واضحة بتنفيذ "تدمير متعمد ومنهجي لكل ما يقع داخل المحيط"، بما يشمل أحياء سكنية بكاملها، مؤسسات تعليمية، مساجد، مقابر، ومبانٍ عامة، مع استثناءات نادرة.
وأضاف التقرير أن الهدف المُعلن كان إنشاء منطقة خالية من أي وجود بشري أو بنية تحتية، تسمح برؤية واضحة وتعزيز قدرة الجيش على "تحديد المسلحين وقتلهم".
كشف أحد رقباء سلاح المهندسين القتاليين أن الجنود كانوا يبدؤون كل يوم بمهمات لتفجير ما بين خمسة إلى سبعة منازل، دون معرفة هوية مالكيها أو السبب وراء استهدافها، وأضاف: "كان ما نفعله، برأيي الآن، غير مشروع، تجاوز كل ما يمكنني تبريره".
وأكد بعض الجنود أن التدمير كان يُنظر إليه من قبل القادة كوسيلة للانتقام من هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل واختطاف مئات الأشخاص، وأشعل شرارة الحرب المستمرة.
كل من يدخل يُقتل
صرّح جندي لمنظمة "كسر الصمت" أن وحدته تلقت أوامر بإطلاق النار فورًا على أي شخص يدخل المنطقة المحيطة، مضيفًا: "في عقلية وحدتنا، لم يكن هناك شيء اسمه مدني. كل من يدخل هو إرهابي".
ووفقًا لرقيب في سلاح المدرعات، فقد تلقى الجنود في عام 2024 أوامر بإطلاق النار بقصد القتل على أي رجل بالغ يتجاوز السياج الحدودي، أما النساء والأطفال، فكانت التعليمات بإطلاق النار لتحذيرهم ومنعهم من التقدّم، باستخدام نيران الدبابات.
في حين أشار نقيب خدم في وقت سابق من الحرب إلى أن "الخط الحدودي" تحول إلى "منطقة قتل" لا يُسمح لأحد بتجاوزها، وقال نقيب آخر إن التعليمات كانت غامضة، وإن استخدام القوة النارية كان مفرطًا ويهدف أحيانًا إلى "التحريض على القتل من أجل التحريض فقط"، في ظل غياب أي قواعد واضحة للاشتباك.
عقيدة تبرر القتل الجماعي
أوضح أحد الضباط أن الجيش دخل الحرب مدفوعًا بالغضب والشعور بالإهانة: "لم يكن أحد يهتم بالتمييز بين المدنيين والبنية التحتية لحماس. كل من يعيش خلف خطٍّ وهمي أصبح مشتبهاً به".
وأشار إلى أن الفلسطينيين لم يتم إبلاغهم بوجود هذا "الخط غير المرئي"، ما أدى إلى مقتل أو إصابة عدد كبير ممن عبروا هذا الخط دون أن يعرفوا بوجوده، وأضاف: "مات أو أُصيب عدد كافٍ، لذا لم يعد أحد يقترب".
توسيع المنطقة العازلة
وقبل الحرب الأخيرة، كانت إسرائيل قد أنشأت "منطقة عازلة" بطول 300 متر داخل غزة، إلا أن الشهادات الأخيرة تشير إلى توسيعها لتصل إلى ما بين 800 و1500 متر، أي ما يعادل أكثر من 15% من مساحة القطاع.
وتؤكد صور الأقمار الصناعية أن الجيش الإسرائيلي دمر مئات المباني داخل هذه المنطقة، في عملية يُنظر إليها كعقاب جماعي، وطالبت منظمات حقوقية بفتح تحقيقات دولية بشأنها باعتبارها "جريمة حرب"، ويمثّل هذا المحيط ما يقارب 35% من الأراضي الزراعية في غزة، بحسب التقرير.
ورغم أوامر إطلاق النار، قال أحد ضباط الصف المتمركزين شمال غزة إن الفلسطينيين ظلوا يحاولون العودة إلى أراضيهم لجمع نباتات برية مثل "الخبيزة" و"الملوخية"، في ظل الجوع الحاد الذي يواجهونه.
وأضاف: "كان بعضهم ينجو بطعامه وحياته، لكنّ الجيش الإسرائيلي، في هذه المرحلة، كان يعكس رغبة الشارع الإسرائيلي الذي بات يردد: لا يوجد أبرياء في غزة".
شهادة مؤلمة من الداخل
وفي إحدى الشهادات الأكثر قسوة، قال جندي: "ذهب الكثير منا إلى هناك مدفوعين بالغضب، قلت لنفسي: قتلونا وسنقتلهم، لكنني اكتشفت أننا لا نقتلهم فقط، بل نقتل زوجاتهم وأطفالهم وقططهم وكلابهم، ندمر منازلهم ونتبول على قبورهم".
يذكر أن إسرائيل استأنفت في 18 مارس الماضي عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة منهيةً بذلك هدنة هشة استمرت لنحو شهرين كانت قد بدأت في يناير الماضي بوساطة مصرية قطرية أمريكية، ونفذت سلسلة غارات جوية مكثفة وأحزمة نارية على عدة مناطق في القطاع مع إحكام الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
أسفرت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر للعام 2023 عن استشهاد أكثر من 50 ألف شخص وإصابة أكثر من 115 ألفًا، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة وسط أزمة واحتياجات إنسانية هائلة.