«فورين بوليسي»: الصين تدرس إجراءات انتقامية تعيد رسم العلاقات مع واشنطن

«فورين بوليسي»: الصين تدرس إجراءات انتقامية تعيد رسم العلاقات مع واشنطن
إعادة رسم ملامح العلاقات الأمريكية الصينية

أعدّت بكين قائمة محتملة من التدابير الانتقامية ضمن تصعيد المواجهة التجارية مع واشنطن، وفقًا لما نشره محللان صينيان بارزان على حساباتهما في وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم أن هذه الحسابات ليست رسمية، فإن صلتهما المباشرة بمسؤولين حكوميين تمنح المنشورات ثقلًا سياسيًا، وفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي"، الأربعاء.

نشر كبير المحررين في منصة "شينخوا" التابعة لوكالة أنباء الدولة، ليو هونغ، قائمة تدابير مشابهة لتلك التي نشرها حساب قومي معروف باسم "رئيس الأرانب"، يُعتقد أنه يدار من قبل حفيد مسؤول بارز في الحزب الشيوعي، نسب المحللان القائمة إلى "مصادر"، وهو مصطلح شائع الاستخدام في الصين للإشارة إلى مسؤولين في المستويات الوسطى أو مستشارين سياسيين.

وأرفق كل منهما تعليقًا يضفي طابعًا تحليليًا على القائمة، فوصف "رئيس الأرانب" النزاع بأنه "حرب بلا دخان بنادق"، وهو تعبير متداول في الأدبيات الاستراتيجية الصينية، لكن تبقى هوية الجهة التي أعدّت القائمة الفعلية مجهولة، ما يفتح الباب لاحتمالات عدة، من بينها استخدامها كبالون اختبار أو إنتاجها من دوائر قومية على الإنترنت.

تدابير متعددة ضمن قائمة الردود

أدرجت القائمة عدة خيارات تصعيدية تشمل تعليق التعاون في مكافحة تهريب الفنتانيل، وفرض قيود إضافية على واردات زراعية أمريكية مثل فول الصويا والذرة، إضافة إلى تقليص صادرات الدواجن الأمريكية إلى الصين.

وتضمنت خطوات تتعلق بالخدمات التعليمية والثقافية، وصولًا إلى إجراء تحقيقات بشأن مكاسب الشركات الأمريكية من الملكية الفكرية داخل الصين.

واعتُبر تعليق التعاون في ملف الفنتانيل من أخطر الخيارات وأقلها احتمالًا، ورغم استئناف التنسيق الأمريكي الصيني بشأن هذه المادة بعد قمة بايدن وشي في نوفمبر 2023، فإن أي انسحاب مفاجئ منه قد يُفسر على أنه دعم غير مباشر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استخدم الملف أداةً رئيسية في حملته الانتخابية.

وأبدت بكين في السنوات الأخيرة حرصًا على تجنب التورط في السياسة الداخلية الأمريكية، ما يجعل اتخاذ هذه الخطوة غير مرجح، كما أن تجميد التعاون في ملف حساس مثل الفنتانيل قد يؤدي إلى تدهور أوسع في العلاقات العسكرية والدبلوماسية، ويعكس انعدام فهمٍ عميق لديناميكيات الحكم في واشنطن.

المنتجات الزراعية والدواجن

اختارت الصين بالفعل فرض رسوم جمركية على محاصيل أمريكية مثل فول الصويا، ويُرجّح أن تعزز هذا التوجه عبر توسيع قائمة المنتجات المشمولة بالقيود.

ويعاني المزارعون الأمريكيون أزمة حادة بعد تراجع دعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في حين تتجه الصين إلى تنويع مصادرها الزراعية، ولا سيما من البرازيل، التي شهدت زيادة كبيرة في إنتاج فول الصويا.

واستهدفت السلطات الصينية الدواجن الأمريكية سابقًا خلال أزمات تجارية سابقة، ولا يُستبعد أن تُكرّر الخطوة مستغلةً تفشي إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة.

وفي المقابل، تعتمد الصين سياسة تلقيح شاملة ضد الفيروس، ما يعزز قدرتها على فرض حظر مزدوج بدوافع صحية وتجارية.

التعليم والخدمات الثقافية

أشارت القائمة إلى إمكانية توسيع الردود الصينية لتشمل الخدمات، وهو تصعيد غير مسبوق قد يُربك الأسواق والمستثمرين، يُعد التعليم أبرز صادرات الخدمات الأمريكية إلى الصين، ويستقطب اهتمامًا كبيرًا من النخب الصينية، التي لا تزال تتذمّر من حملة 2021 الصارمة على التعليم الخاص.

وأدى القلق من حجب التعليم الغربي إلى بروز سلوكيات غير معتادة، مثل تخزين كتب اللغة الإنجليزية في شنغهاي، ورغم أن الطلاب الصينيين لم يكونوا محور استهداف مباشر من إدارة ترامب سابقًا، فإن تغيير هذا الاتجاه قد يدفع الأسر الصينية إلى البحث عن بدائل في دول مثل أستراليا وكندا.

ويُخشى أن يؤدي هذا التوجه إلى إحباط جهود الرئيس الصيني شي جين بينغ في جذب الاستثمار الأجنبي، خاصة في قطاعات حيوية كالرعاية الصحية، التي بدأت تتعافى تدريجيًا بعد جائحة كوفيد-19.

السينما في مرمى الحظر

اقترحت القائمة تقليص أو حظر دخول الأفلام الأمريكية إلى السوق الصينية، وهو خيار قابل للتنفيذ بسهولة.

وشهدت السنوات الأخيرة تراجعًا في عدد الأفلام الأمريكية التي يُسمح بعرضها داخل الصين، حتى في ظل غياب أزمات سياسية حادة، وفي الوقت ذاته، يحقق الإنتاج المحلي إيرادات ضخمة، كما حدث مع فيلم "ني تشا 2"، الذي سجل أرقامًا قياسية.

ويشير هذا إلى أن فرض قيود إضافية على الأفلام الأمريكية لن يضر كثيرًا بالسوق المحلية، بل قد يُنظر إليه داخليًا كونه مظهرًا من مظاهر السيادة الثقافية.

وأدرج المحللان ضمن القائمة خيارًا يتمثل في فتح تحقيقات حول مكاسب الشركات الأمريكية من الملكية الفكرية داخل الصين، ورغم الطابع الرمزي لهذه الخطوة بالنظر إلى البيئة القانونية الحالية، فإنها قد تُستخدم ذريعةً لاستهداف شركات محددة، وربما تُفضي إلى احتجاز بعض التنفيذيين الأجانب.

ويتوافق هذا الخيار مع ميل السلطات الصينية إلى توظيف أدوات القانون لأغراض سياسية وتجارية، وقد يكون وسيلة للضغط على واشنطن دون اللجوء إلى خطوات اقتصادية شديدة الأثر.

مشهد مفتوح على الاحتمالات

ترسم هذه المؤشرات ملامح مرحلة جديدة من الحرب التجارية، تتجاوز الرسوم الجمركية إلى معركة أكثر تعقيدًا تشمل الثقافة والتعليم والخدمات.

وبينما تحاول بكين الحفاظ على صورة الشريك المسؤول، فإن الضغوط الداخلية والخارجية قد تدفعها إلى خيارات أكثر جرأة، سيكون لها بلا شك تبعات عميقة على الاقتصاد العالمي.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية