بول كاغامي.. «اللاجئ الرواندي الصغير» الذي أنهى أكبر إبادة جماعية في إفريقيا

بول كاغامي.. «اللاجئ الرواندي الصغير» الذي أنهى أكبر إبادة جماعية في إفريقيا

في 7 أبريل من كل عام يتذكر العالم مأساة الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994 ضد التوتسي في رواندا، في أحد أكثر الفصول دموية في التاريخ البشري، حيث قُتل في أقل من ثلاثة أشهر ما يزيد على مليون إنسان يتذكرهم الروانديون والعالم الذي وقف عاجزاً في تلك الفترة عن إيقاف تلك المأساة، والتي ستظل دوماً ذكرى حزينة، إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة في فعالية خاصة بتلك المناسبة، إن "الإبادة الجماعية ضد التوتسي عام 1994 تشكل فصلا مُروِّعاً في تاريخ البشرية".

"كانت رحلتنا طويلة وشاقة.. والدروس التي تعلمناها محفورة بالدم، والمجتمع الدولي خذلنا، أما الآن فسياستنا ليست قائمة على أساس العرق أو الدين، ولن تكون هكذا مرة أخرى أبداً.. شعبنا لن يُترك للموت مرة أخرى"، هكذا لخص الرئيس الرواندي، بول كاغامي الرجل الذي ينسب إليه الفضل في إنهاء تلك المعاناة وقيادة رحلة بلاده من سنوات الدم إلى عدم "تكرار تجربة الموت مرة أخرى".

كانت تجربة رواندا في الإبادة الجماعية، بلا شك، أحد فصول التاريخ دموية والتي ينبغي التوقف أمامها من أجل التحول إلى عالم ينبذ خطابات الكراهية والانقسام ودعوات العنف والقتل والتدمير، ويتبنى التسامح ومبادئ حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.

من الإبادة إلى التنمية

وتحمل التجربة الرواندية مع الإبادة في معاناتها وذكريات الألم فيها، أملاً خاصاً لأي مجتمع آخر يعاني -بالمثل- التحول إلى الدولة حقيقية وفعالة في محيطها الإقليمي سارت بخطوات ثابتة إلى تبنى مبادئ التنمية وتفعيل مبادئ حقوق الإنسان.

تعرف الإبادة الجماعية في رواندا بأعمال العنف واسعة النطاق التي بدأت في 7 أبريل، واستمرت حتى منتصف يوليو من عام 1994، عندما شنّ القادة المتطرفون في جماعة الهوتو حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة توتسي، وضد رافضي الإبادة من جماعتهم حتى.

ولم تنتهِ الإبادة بشكل فعلي إلا في 15 يوليو 1994 عندما نجحت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي في طرد المتطرفين وحكومتهم المؤقتة.

جماعة التوتسي العرقية

وُلد بول كاغامي في جنوب رواندا 1957 لعائلة بارزة من جماعة التوتسي العرقية، قبل أن يغادر بلاده لاجئاً مع عائلته، باحثين عن مكان آمن كان في نهاية مطاف مستعمرة بريطانية في أوغندا البريطانية.

كان بول كاغامي في الثانية من عمره فقط عندما فرّت عائلته إلى ملاذ اللجوء، وبدأ الدراسة في مخيم للاجئين وهناك التقى بصديقه ورفيقه المستقبلي فريد رويغيما.

التحق كاغامي بمراحل الدراسة المختلفة في العاصمة الأوغندية كامبالا، وبعد تخرجه سافر كاغامي من وإلى رواندا سراً لزيارة عائلته والتعرف إلى وطنه الأم، والتحق بالجيش الأوغندي وتم اختياره للسفر للدراسة في "كلية القيادة والأركان العامة للجيش الأمريكي".

وفي هذه الفترة كانت أوغندا تشهد اضطرابات لا حدّ لها، وفي 1979 أطاح متمردون أوغنديون، بمساعدة القوات التنزانية، برئيسها عيداي أمين، لكن خليفته، ميلتون أوبوتي، هدد باضطهاد اللاجئين الروانديين.

جيش المقاومة الوطنية

انضم كاغامي ورويغيما إلى حركة مسلحة جديدة ضد حكم أوبوتي، وهي جيش المقاومة الوطنية، التي أنهت تلك التجربة وأصبح كاغامي ضابطاً رفيع المستوى في الجيش الأوغندي الجديد.

وفي أوغندا تمكن كاغامي، الذي لم ينسَ قط وطنه الأم، من تأسيس الجبهة الوطنية الرواندية، وبحلول عام 1993، حققت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة كاغامي مكاسب إقليمية كبيرة في رواندا، ووافقت الحكومة الرواندية على وقف إطلاق النار.

وبينما كانت المفاوضات تستمر أُسقطت طائرة تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا عند اقترابها من العاصمة، وكانت هذه بداية الفصل الجديد للإبادة، حيث دعا زعماء الهوتو المتطرفون إلى قتل وتهجير سكان التوتسي.

واجتاحت البلاد موجة من القتل العشوائي واستأنف كاغامي والجبهة الوطنية الرواندية حربهما على النظام الرواندي ونجح كاغامي ورفاقه في الإطاحة بالحكومة التي يقودها الهوتو، ووضْع حدّ للقتل الجماعي لمواطنيهم.

وبعد إنهاء هذا الفصل من المأساة عُيّن بول كاغامي نائباً للرئيس ووزيراً للدفاع، وإيماناً بالمبادئ الإنسانية قدّم كاغامي جنوداً من جبهته للمحاكمة، بعدما تبين أنهم مارسوا أعمالاً انتقامية خلال مواجهة المسلحين المسؤولين عن الإبادة.

رئاسة رواندا

وفي 2003 وصل كاغامي إلى رئاسة رواندا، وحينها لخص إيمانه بقضية وطنه "لقد فهمتُ مباشرةً مشكلات اللجوء.. خطر ببالي أنه لا داعي لأن يمرّ أحدٌ بمثل هذه التجارب.. فكرتُ أنه مهما فعلتُ ومهما كانت مسؤولياتي، سأسعى دائماً لإيجاد طريقةٍ لمعالجة هذه المشكلة.

وبعد انتخابه وافق كاغامي على تسوية سلمية دولية وانطلق في عملية المصالحة والتنمية الاقتصادية، وأعلن عن برنامج أطلق عليه "رؤية 2020" يهدف إلى تحقيق بلده مستوى الدخل المتوسط بحلول عام 2020.
وبين عامي 2004 و2010 حقق البلد نمواً اقتصادياً سنوياً متوسطاً بلغ 8% كما تم اختيار رواندا كأفضل دولة إصلاحية في العالم في تقرير البنك الدولي لعام 2010.

وأسهمت حكومته في تحسين وضع المرأة وتعزيز مشاركتها السياسية، وتعد نسبة مشاركة المرأة في المناصب الحكومية من أفضل النسب عالمياً، ما أسهم في استمرار انتخابه رئيساً لأكثر من ولايتين.

ولم يتسامح كاغامي مع الإبادة الجماعية، ووضع قانوناً يحاسب من ينكرها أو يتعرض للضحايا، وعده الشعب الرواندي رئيساً قوياً "لا أعلم لو تولى زعيم ضعيف قيادة هذا البلد، أين كنا سنصبح".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية