«واشنطن بوست»: الحرب التجارية تُعمق تراجع ثقة المستهلكين الأمريكيين
«واشنطن بوست»: الحرب التجارية تُعمق تراجع ثقة المستهلكين الأمريكيين
شهدت ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة تراجعًا ملحوظًا في الأشهر الأخيرة، وهو ما يعكس القلق المتزايد حول تأثير ارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية للأسر الأمريكية، وتزايد التوقعات بأن معدل التضخم سيظل مرتفعًا، في وقت يعاني فيه المستهلكون ضغوطًا اقتصادية شديدة.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الجمعة، أظهرت نتائج استطلاع حديث أجرته جامعة ميشيغان أن توقعات المستهلكين بشأن التضخم لعام 2024 ارتفعت بشكل حاد إلى 6.7%، وهو أعلى مستوى يتم تسجيله منذ عام 1981.
ويشير هذا إلى القلق المتزايد من أن الأسعار قد تستمر في الارتفاع لفترة طويلة، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على الأسر الأمريكية من جميع الفئات السكانية، خاصة في ظل حالة من عدم اليقين حول السياسات التجارية والاقتصادية الأمريكية.
استمرار تأثير الحرب التجارية
يعتقد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هي العامل الرئيسي الذي يسهم في هذا القلق المتزايد، على الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي شهد نموًا ملحوظًا في السنوات الماضية، فإن التوترات التجارية، وعلى وجه الخصوص الرسوم الجمركية المفروضة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أثرت بشكل كبير في الاستقرار الاقتصادي.
والوقت الذي يعبر فيه المستهلكون عن مخاوفهم من تأثيرات التضخم، وجد البعض صعوبة في التنبؤ بما إذا كانت الولايات المتحدة ستواجه ركودًا اقتصاديًا أو استمرارًا في تفشي التضخم، كما أن تأثير هذه الحرب التجارية بدأ ينعكس بشكل واضح على الأسواق المالية.
وعلى الرغم من القلق الكبير من تأثيرات التضخم على المستهلكين، فإن الأسواق المالية الأمريكية أظهرت أداءً إيجابيًا في الآونة الأخيرة، ففي يوم الجمعة، ارتفعت مؤشرات الأسهم الرئيسية في وول ستريت، مسجلة أكبر مكاسب أسبوعية لها منذ عام 2023، وذلك بعد سلسلة من التقلبات الحادة في الأيام السابقة.
وارتفع مؤشر "ناسداك المركب" الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا بنسبة 2%، في حين سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" زيادة بنسبة 1.8%، كما صعد مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 1.6%، وقد جاء هذا الارتفاع في الأسواق بعد فترة من التقلبات، ما يعكس نوعًا من الاستقرار النسبي في ظل الأحداث الاقتصادية المتلاحقة.
ومن خلال هذه المكاسب، حققت أسواق الأسهم الأمريكية أفضل أداء لها منذ نوفمبر 2023، حيث سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" و"داو جونز الصناعي" زيادة بنسبة 5.7% و5% على التوالي، في حين سجل مؤشر "ناسداك المركب" زيادة تجاوزت 7%، وهو ما يعد أفضل أداء أسبوعي له منذ نوفمبر 2022، وعلى الرغم من هذه المكاسب، تظل المؤشرات الثلاثة أقل من ذروتها التي سجلتها في فبراير الماضي، ما يشير إلى استمرار التقلبات في الأسواق المالية.
تداعيات الحرب التجارية
بينما تعكس أسواق الأسهم في الولايات المتحدة نوعًا من الاستقرار النسبي، إلا أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا للاقتصاد العالمي.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلنت الصين عن زيادة في الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الأمريكية، في خطوة وصفها الخبراء بأنها ستزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة.
وأشار مختبر الميزانية بجامعة ييل إلى أن استمرار الحرب التجارية قد يؤدي إلى خسائر كبيرة للأسرة الأمريكية المتوسطة، تصل إلى 4700 دولار سنويًا، كما أن هذه السياسات الجمركية ستؤدي أيضًا إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 1.1%.
وتستمر التوترات التجارية في التأثير على الأسواق العالمية أيضًا، فقد شهدت أسواق الأسهم في هونغ كونغ والصين وبعض الأسواق الآسيوية الأخرى تباينًا في أدائها، ومع ذلك، تبقى هذه التوترات بمنزلة عامل رئيسي في التدهور الاقتصادي العالمي، ما يضع ضغوطًا إضافية على حكومات الدول المتأثرة بالحروب التجارية.
تأثير الرسوم الجمركية
تستمر الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية في زيادة الضغوط الاقتصادية على الولايات المتحدة، حيث توقع العديد من الخبراء أن تطبيق هذه الرسوم سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع بنسبة 4.5% على الأقل.
أكدت الخبيرة الاقتصادية في أكسفورد إيكونوميكس، غريس زويمر، أن هذه الرسوم ستكون لها آثار تضخمية كبيرة على الاقتصاد الأمريكي، ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى حالة من الركود إذا تم تطبيق الرسوم بشكل كامل.
وأضافت أن هذه الزيادة في الأسعار ستؤثر بشكل كبير في الأسر الأمريكية، خاصة تلك التي تعتمد على السلع المستوردة من الصين.
وفي الأسواق المالية، شهدت سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعًا في العوائد بعد أن تجاوزت عوائد السندات لأجل 10 سنوات حاجز 4.5%، ويمثل هذا الارتفاع في العوائد تحذيرًا من المخاطر التضخمية التي قد تكون ناتجة عن الرسوم الجمركية.
عادةً ما يُعد الاستثمار في السندات الأمريكية ملاذًا آمنًا خلال فترات الاضطراب الاقتصادي، ولكن مع تزايد المخاوف من التضخم، يتجه العديد من المستثمرين إلى سحب استثماراتهم، ما يخلق نقصًا في السيولة في السوق.
الاقتصاد الأمريكي والدولار
على الرغم من أن الأسواق شهدت تحسنًا في الأسهم الأمريكية، فإن الدولار الأمريكي واصل انخفاضه المستمر الذي بدأ منذ عدة أشهر، مسجلًا أكبر انخفاض له في يوم واحد منذ عام 2022، ما يعكس تراجعًا في ثقة المستثمرين في القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.
وفي المقابل، ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، حيث تم تداوله عند 3255.30 دولارًا للأوقية، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من 40 عامًا، وتعد هذه الزيادة في الذهب انعكاسًا للمخاوف المستمرة في الأسواق العالمية بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
ومن المتوقع أن تستمر التوترات التجارية في التأثير بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي، ففي اليابان، صرح شيغيرو إيشيبا، رئيس الوزراء الياباني، بأن طوكيو ستسعى لمعالجة الرسوم الجمركية الأمريكية التي تؤثر سلبًا في صناعات السيارات والصلب اليابانية.
وفي كوريا الجنوبية، أعلن وزير المالية تشوي سانغ موك عن تخصيص 6.2 مليار دولار مساعدات للمصنعين الكوريين الذين يتأثرون بالرسوم الجمركية الأمريكية.
أما في تايوان، فقد أشار لاي تشينغ تي، الرئيس التايواني، إلى أن بلاده ستسعى لشراء مزيد من الأسلحة الأمريكية وتوسيع استثماراتها في الولايات المتحدة، في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المعقدة.
توجهات الاقتصاد الأمريكي
أكد كبار المسؤولين في الشركات الأمريكية الكبرى مثل الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، لاري فينك، والرئيس التنفيذي لشركة جي بي مورغان تشيس، جيمي ديمون، أن الاقتصاد الأمريكي قد يواجه تباطؤًا اقتصاديًا حادًا في حال استمرار الحرب التجارية والتوترات الاقتصادية.
ورغم هذه التحديات، أشار ديمون إلى أن أمن العالم وحريته من أجل الديمقراطية يجب أن يكون أولوية، على الرغم من الآثار الاقتصادية السلبية التي قد تترتب على هذا الصراع.
وتستمر التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في التأثير على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي، من المتوقع أن تزداد الضغوط على الاقتصاد الأمريكي في حال استمرار فرض الرسوم الجمركية، وهو ما يهدد بزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع.