«فايننشيال تايمز»: حرب ترامب التجارية تُبدد آمال انتعاش سوق السلع الفاخرة

«فايننشيال تايمز»: حرب ترامب التجارية تُبدد آمال انتعاش سوق السلع الفاخرة
أداء متفاوت بين العلامات في سوق السلع الفاخرة

بددت الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الآمال المُعلّقة على تعافي سوق السلع الفاخرة في عام 2025، وتسببت الرسوم الجمركية المرتفعة بين الولايات المتحدة والصين في إطالة أمد التباطؤ في هذا القطاع، ما أدى إلى تراجع حاد في الطلب على المنتجات الراقية مثل الحقائب والساعات الفاخرة.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، الأحد، واصلت واشنطن وبكين، وهما أكبر سوقين استهلاكيين للسلع الفاخرة في العالم، تبادل فرض الرسوم الجمركية على منتجات بعضهما بعضا، وأدى ذلك إلى تآكل ثقة المستهلكين وإشاعة جو من التوتر التجاري انعكس سلبًا على قرارات الشراء في الطبقة المتوسطة والعليا.

وخفض المحللون في مختلف المؤسسات المالية توقعاتهم لنمو القطاع بشكل جماعي، وتوقعت شركة "بيرنشتاين" هذا الأسبوع تراجع الإيرادات بنسبة 2% في عام 2025، بعدما كانت تتوقع نموًا بنسبة 5%، في ظل تزايد احتمالات دخول الاقتصاد العالمي مرحلة ركود نتيجة تفاقم الغموض السياسي والاقتصادي.

وصرّح أحد المصرفيين العاملين في القطاع بأن "الافتراض الأساسي الآن هو أن أي تعافٍ حقيقي لن يتحقق قبل عام 2026 على الأقل".

إعفاءات تقنية مربكة

منحت الإدارة الأمريكية إعفاءات مؤقتة لشركات التكنولوجيا من بعض الرسوم الجديدة، ما أوحى بإمكانية التراجع عن نهج التصعيد، قبل أن تُعلن يوم الأحد أن الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية ستُعامل وفق نظام رسوم مستقل، وأظهرت هذه التقلبات أن التنبؤ بتأثير الرسوم على قطاعات معينة بات شبه مستحيل.

وأكد المصرفي نفسه أن "الكثير من الضرر قد وقع بالفعل"، في إشارة إلى آثار نفسية ومادية أحدثتها السياسات التجارية المتقلبة.

وسافَرَ برنارد أرنو، رئيس مجموعة LVMH وأحد أبرز الفاعلين في قطاع السلع الفاخرة، إلى واشنطن في مارس الماضي لعقد اجتماعات مع ترامب، الذي تجمعه به علاقة صداقة قديمة، وكان أرنو قد حضر حفل تنصيب ترامب في يناير، وأشاد بما أسماه "رياح التفاؤل" التي عصفت بالأسواق الأمريكية آنذاك.

وأشار أرنو حينها إلى أنه يدرس توسيع إنتاج LVMH داخل الولايات المتحدة، في مؤشر على التفاؤل الذي كان سائداً قبل أن تنقلب المؤشرات.

أرباح متراجعة وتقديرات حذرة

أطلقت LVMH موسم الإعلان عن نتائج الشركات الفاخرة هذا الأسبوع، وسط توقعات متشائمة، وقدّر بنك باركليز أن المبيعات العضوية لقسم الأزياء والمنتجات الجلدية –وهو الأكثر تأثيرًا في السوق– ستنخفض بنسبة 1% في الربع الأول من 2025، مع استقرار مبيعات المجموعة إجمالاً مقارنة بالفترة ذاتها من 2024.

وتمسك المحلل لوكا سولكا من "بيرنشتاين" بتقديراته المتراجعة، رغم إعلان ترامب عن تعليق مؤقت لمدة 90 يومًا للرسوم الجمركية المتبادلة على الدول التي تبدي استعدادًا لإعادة التفاوض على الاتفاقات التجارية.

وأوضح سولكا: "العودة إلى أرقام ما قبل الحرب التجارية أمر غير وارد، لأن الضرر في الأسواق المالية والاقتصاد بات ملموسًا".

وأضاف: "عدم اليقين الذي نعيشه اليوم يُعد أرضًا خصبة لحدوث ركود اقتصادي شامل".

قطاع الرفاهية يتلقى ضربة

شهد قطاع السلع الفاخرة ازدهارًا تاريخيًا خلال جائحة كورونا، مع تزايد إنفاق المستهلكين على المنتجات الراقية والمشروبات الفاخرة، إلا أن الوضع انعكس في السنوات اللاحقة، وتسبب تعثر الاقتصاد الصيني في كبح جماح الطلب، فيما قلّص المستهلكون من الطبقة المتوسطة في الغرب نفقاتهم.

وفرض ترامب على الصين، أكبر سوق للسلع الفاخرة، رسومًا جمركية بلغت 145%، وردّت بكين برفع الرسوم على المنتجات الأمريكية إلى 125%.

وتُنتَج معظم السلع الفاخرة في فرنسا وإيطاليا، فيما تُصنّع الساعات الراقية في سويسرا، وفرضت الولايات المتحدة رسومًا بنسبة 10% على هذه الدول بعد تخفيف نسب أعلى كانت قد فُرضت سابقًا.

وأكد أحد المديرين التنفيذيين أن شركته اضطرت إلى تعديل تصنيف الشحنات الموجهة إلى السوق الأمريكية ثلاث مرات خلال أسبوع واحد فقط، وقال: "غياب الاستقرار في الإجراءات الجمركية أدى إلى فقدان ثقة طويلة الأمد لدى شركائنا والمستهلكين".

تأثير نفسي يفوق العبء المالي

أوضح محللون أن الرسوم الجمركية الحالية تُعد أكثر قابلية للإدارة بالنسبة للعلامات التجارية القوية، حيث تستطيع التكيّف معها عبر رفع الأسعار، غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في الكلفة المباشرة، بل في الأثر النفسي العميق الذي يتركه الغموض والتقلب السياسي على ثقة المستهلكين.

وتعرضت أسواق الأسهم العالمية لعمليات بيع مكثفة منذ بداية العام، ما انعكس سلبًا على مزاج المستهلكين، وصرّح برونو بافلوفسكي، رئيس قسم الأزياء في "شانيل"، بأن مراقبة ما يحدث في سوق الأسهم كفيلة بالتنبؤ بحجم المبيعات في متاجرهم.

وفي مذكرة تحليلية، كتب إروان رامبورغ، من بنك HSBC، أن التهديد الأكبر للقطاع يتمثل في مزيج من تقلص الثروات الفردية، وتراجع القدرة الشرائية في الولايات المتحدة، وانهيار ثقة المستهلكين.

وقال: "نتوقع انخفاضًا فعليًا في عدد زجاجات الشمبانيا التي سيتم فتحها هذا العام".

أداء متفاوت بين العلامات

توقع بنك HSBC استقرار المبيعات العضوية في 2025، بعدما كان يتوقع نموًا بنسبة 5%، وأشار محللو البنك إلى أنهم رفعوا تصنيف معظم أسهم الشركات الفاخرة أواخر العام الماضي، توقعًا لعودة الإنفاق بقوة، إلا أن هذه الرؤية لم تعد واقعية.

وتبدو آمال "النمو الطفيف" في السوق الصينية بعد عام 2024 غير واقعية هي الأخرى، وفقًا للتقارير الجديدة.

ورغم ذلك، حافظت "هيرميس"، المعروفة بحقائب بيركين المرغوبة، على مكانتها كمجموعة مرشحة لتسجيل أداء أفضل من بقية الشركات، وقدّر بنك باركليز نمو مبيعاتها بنسبة 8% في الربع الأول.

وفي المقابل، تواجه "كيرينغ"، المالكة لعلامة "غوتشي"، ضغوطًا كبيرة، وتوقع باركليز انخفاض مبيعات "غوتشي" بنسبة 25% في الربع الأول، بينما أكدت "بيرنشتاين" أن فرص تحقيق "كيرينغ" لأهدافها المالية في عام 2025 باتت ضئيلة للغاية، سواء على صعيد الإيرادات أو الأرباح التشغيلية.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية