هرباً من الجوع.. أطفال غزة يتزاحمون على موائد التكية
هرباً من الجوع.. أطفال غزة يتزاحمون على موائد التكية
يهرع الطفل الفلسطيني يوسف النجار، البالغ من العمر 10 سنوات، مع بزوغ الفجر حافي القدمين وحاملًا قدرًا مهترئًا، نحو طابور طويل أمام إحدى التكايا الخيرية في مدينة غزة.
وبينما يلتقط أنفاسه في الطابور المكتظ، يروي بصوت خافت كيف "يتزاحم الناس ويخافون أن يخسروا دورهم"، مشيرًا إلى أن الأطفال يتعرضون للسقوط تحت الأقدام في مشاهد يلفّها الصراخ والاضطراب، وفق وكالة فرانس برس.
وأكد برنامج الغذاء العالمي، وفق بيان له، الإثنين، أن مخزوناته الغذائية في قطاع غزة قد نفدت بالكامل تقريبًا، محذرًا من كارثة إنسانية وشيكة مع استمرار تدفق آلاف العائلات نحو المطابخ الخيرية كل صباح بحثًا عن وجبة تسد رمقهم.
وأصبحت التكايا المصدر شبه الوحيد للطعام في ظل الحصار الخانق وإغلاق المعابر، في وقت تتضاءل فيه كل مقومات الحياة الأساسية.
جحيم يتصاعد في غزة
وأعلن المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، المسؤول الإنساني بيير كراهنبول، خلال منتدى عقد في الدوحة، الإثنين، أن "شرارة جحيم جديد" انطلقت مجددًا مع استئناف الحرب في غزة في الثاني من مارس الماضي بعد نحو ستة أسابيع من هدنة هشة.
ووصف الوضع بالقول: "نشهد موتًا وإصابات وأطرافًا مبتورة، نزوحًا متكررًا، جوعًا وحرمانًا من المساعدات والكرامة على نطاق واسع".
ومن بين هؤلاء الذين يواجهون الجوع القاتل، يقف يوسف النجار، الذي فقد والده في الحرب الأخيرة، مجسدًا قصص الطفولة المنهوبة.
ويقول بحزن: "أبي استشهد.. وأنا الأكبر بين إخوتي.. يجب أن أكون رجلا"، مضيفًا أن أحلامه لم تعد تدور حول اللعب أو الاستمتاع بطفولته، بل مجرد أمنية بسيطة: "أن نجلس معًا حول مائدة طعام دون خوف".
رحلة محفوفة بالمخاطر
يسابق يوسف الزمن كل صباح للوصول إلى المطبخ الخيري، غير أن الازدحام الشديد غالبًا ما يؤدي إلى وقوع القدر من يديه، وضياع الوجبة الثمينة، ما يملأ قلبه بالحسرة.
وتوثق عدسة وكالة فرانس برس مشاهد أطفال يتدافعون بأوانيهم وسط زحام خانق للحصول على الطعام القليل المتبقي، حيث تسجل حالات إصابة وجروح بسبب التدافع الشديد.
وفي ظل غياب الطحين من الأسواق، وإغلاق المخابز، وتحول الخضراوات الأساسية إلى سلع نادرة، أصبحت التكايا الخيرية هي الملاذ الوحيد لعشرات الآلاف من الجوعى.
وأعلن برنامج الغذاء العالمي أن هذه المطابخ ستفرغ تمامًا من الطعام خلال الأيام القادمة إذا استمر الوضع القائم، مما يفاقم الأزمة الإنسانية بشكل خطير.
قصص ألم لا تنتهي
وتحكي عايدة أبو ريالة، وهي أم لأربعة أطفال من منطقة النصيرات، مأساة يومية تتكرر: "لا أملك كسرة خبز في البيت. أذهب مع ابني للتكية، وأحيانًا نعود بلا شيء".
وتعيش أبو ريالة وعائلتها في خيمة من النايلون بعد تدمير منزلها في غارة جوية. تروي بحسرة كيف قضت ساعات طويلة تحت الشمس بلا جدوى، لتعود إلى أطفالها خالية الوفاض، قائلة: "بكوا من الجوع، وتمنيت لو متّ بدل أن أراهم هكذا".
في شمال القطاع، تدير فاتن المدهون (52 عامًا) مطبخًا خيريًا في بيت لاهيا مع فريق من 13 متطوعًا. تطهو وجبات بسيطة على نيران الحطب وسط نقص حاد في المعدات والمواد الغذائية.
تقول المدهون: "أحيانًا نجهز 500 وجبة، لكن يأتي إلينا أكثر من 600 شخص. الحاجة هائلة، ومع استمرار إغلاق المعابر، تزداد الكارثة كل يوم".
بحث يائس عن الكرامة
في خان يونس، يروي علاء أبو عميرة، نازح من بيت لاهيا، معاناة طويلة تبدأ قبل شروق الشمس أمام طوابير التكايا.
ويقول: "رأيت أطفالًا يسقطون ويُصابون من شدة الازدحام، وآخرين أحرقتهم الصحون الساخنة وسط الفوضى"، ورغم أن الطعام الذي يحصلون عليه غالبًا ما يكون باردا أو غير ناضج، إلا أنه يضيف بحسرة: "الجوع يكسر كل شيء".
وتختم عايدة أبو ريالة قصتها بجملة تختصر معاناة عشرات الآلاف: "نريد فقط أن نعيش بكرامة".