الطبيب محمد مصطفى.. مهمة إنسانية في قلب الإبادة
الطبيب محمد مصطفى.. مهمة إنسانية في قلب الإبادة
لم يكن القطاع الطبي في غزة مستقرًا قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع المحاصر منذ عام 2007؛ فبين نقص الكوادر البشرية، وندرة الأدوية، أصبح هشًا إلى حد بعيد.
ومع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وانطلاق آلة القتل الوحشية من قِبل إسرائيل، دخل القطاع الطبي في غزة مرحلة مأساوية، في ظل ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى إلى مستويات غير مسبوقة وتعمد القوات الإسرائيلية استهداف المرافق الصحية والفرق الطبية، حتى إن تقارير دولية وصفت غزة بأنها أصبحت "مقبرةً للأطباء والعاملين في القطاع الصحي".
ورغم ذلك، لم يتردد الطبيب الأسترالي البريطاني من أصل فلسطيني، محمد مصطفى، في اتخاذ قراره بالذهاب إلى قطاع غزة، قاطعًا الطريق نحو جحيم الحرب التي فتحتها إسرائيل، فأسفرت عن إبادة عشرات الآلاف وخلّفت آلاف الجرحى من سكان القطاع الفلسطيني.
مصطفى قرر أن يسلك هذا الطريق، أملًا في تقديم المساعدة للجرحى الذين يتألمون في مستشفيات غزة، وللأطفال الذين استشهد منهم ما يقرب من عشرين ألفًا.
جائزة حقوقية مرموقة
هذا الأسبوع، فاز الطبيب محمد مصطفى بجائزة "ليبرتي فيكتوريا فولتير لحقوق الإنسان" -وهي جائزة أسترالية مرموقة- تقديرًا لجهوده في دعم سكان قطاع غزة، ومناصرته لحقوق أطفالها في الرعاية الصحية والكرامة والحق في الحياة الكريمة، سواء قبل الحرب أو خلالها.
في يونيو 2024، غادر مصطفى مدينة بيرث الأسترالية إلى قطاع غزة، متعاونًا مع منظمات إنسانية دولية بهدف تقديم الدعم الطبي لسكان القطاع، فعمل في عدد من المستشفيات التي كانت تكتظ بالجرحى والشهداء، رغم أنها كانت عرضة للاستهداف الإسرائيلي المباشر.
غادر مصطفى غزة بعد عدة أشهر من وصوله، حاملاً معه شريطًا طويلًا من الآلام والمآسي التي شاهدها هناك، يقول: “لا أجهزة تنفس، ونقص حاد في المضادات الحيوية والمسكنات، ومعدات طبية وأدوات جراحية شبه معدومة”.
حصة واحدة من الطعام
في بعض الأيام، لم يكن لدى موظفي المستشفى سوى حصة واحدة من الأرز أو العدس طوال اليوم، يقول: "كنا نتوقف عن الأكل تمامًا أحيانًا، لنوفر الطعام لمن هم في حاجة أكبر".
ورغم هذه الظروف، عاد مصطفى مرة أخرى إلى غزة خلال الهدنة الأخيرة في مطلع عام 2025 –التي انهارت بعد تعثر المفاوضات بسبب تعنت إسرائيل– وهناك واصل توثيق المعاناة، فنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من داخل أقسام الطوارئ، أظهرت حجم الدمار وآثار القصف.
وقال: "لقد وثّقت رحلتي عندما كنت في غزة، وقيل لي إنه لا يُسمح بذلك، لكنني فعلته على أي حال.. شعرت أنه التزام أخلاقي".
الدفاع عن غزة
ومع انهيار الهدنة، قرر مصطفى تكريس حياته للدفاع عن غزة والمطالبة بوقف الحرب، وكان أحد المشاركين في أسطول الحرية الذي ضم 12 ناشطًا، من بينهم الناشطة السويدية جريتا ثونبرج، حيث أبحروا على متن يخت نحو غزة لتسليم مساعدات إنسانية، قبل أن تعترضهم البحرية الإسرائيلية وتعتقل جميع من كانوا على متنه.
وفي أستراليا، قاد مصطفى جهودًا كبيرة لمشاركة ما شاهده في غزة، بهدف رفع مستوى الوعي الشعبي والسياسي، وحشد دعم موحد لتقديم المساعدات الطبية المنقذة للحياة، خاصة للأطفال الذين يعانون من أوضاع لا يمكن تصوّرها.
أمام البرلمان الأسترالي، ألقى مصطفى خطابًا مؤثرًا دعا فيه إلى وقف الحرب، مطالبًا الحكومة بدعم مشروع لإنشاء مستشفى للأطفال في غزة.. وقال في خطابه: "أنا طبيب، ولست سياسيًا، لا أستطيع إيقاف هذه القنابل، لكن ما أستطيع فعله هو إنقاذ الأرواح".
ورغم قساوة المشاهد التي عاشها، لا يزال مصطفى يفكر في العودة إلى غزة، يقول: "لن أنسى أبدًا الأطفال الذين اضطررت إلى تركهم يموتون بسبب إصاباتهم البالغة.. أحيانًا كنا نُجبر على الاختيار: أنعالج شخصًا في أنفاسه الأخيرة؟ أم شخصًا آخر قد ينجو بجراحه؟".