"الإيكونوميست": صدمة تجارية تهدد الاقتصاد الأمريكي خلال أسابيع
"الإيكونوميست": صدمة تجارية تهدد الاقتصاد الأمريكي خلال أسابيع
شهدت السنوات الخمس الماضية اضطرابات غير مسبوقة، بدأت مع جائحة كوفيد-19، ودفعت الاقتصاديين إلى الاعتماد على مؤشرات جديدة مثل بيانات التنقل وحجوزات المطاعم لمراقبة النشاط الاقتصادي في الزمن الحقيقي، واليوم، يعيد هؤلاء الخبراء الكَرّة، لكن هذه المرة بهدف تقييم الآثار الكاملة للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على البضائع الصينية.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "الإيكونوميست"، اليوم الأربعاء، ترصد هذه الأدوات مؤشرات مقلقة تفيد بأن الاقتصاد الأمريكي لم يستعد توازنه بعد، وقد يكون الأسوأ في الطريق.
وأظهرت نتائج استطلاع أجراه الاحتياطي الفيدرالي في دالاس في 9 أبريل أن مستوى إنتاج المصانع الأمريكية تراجع إلى أدنى مستوياته المسجلة، وعبّر المستهلكون والشركات عن قلقهم حتى قبل بدء تطبيق الحزمة الجديدة من الرسوم الجمركية.
تقييم الأمريكيين لحالة الاقتصاد
ورغم ذلك، يصعب الوثوق بشكل كامل في هذه المؤشرات، إذ تُظهر التجربة أن المزاج السياسي يؤثر على تقييم الأمريكيين لحالة الاقتصاد، فعلى الرغم من استمرار الإنفاق خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، ظلّت مؤشرات الثقة منخفضة، ما أفقد البيانات طابعها التنبؤي.
وفي المقابل، توحي البيانات "الثابتة" مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي أو مستويات التوظيف بصورة غير دقيقة، لأنها تستند إلى ظروف سابقة، على سبيل المثال، عكست بيانات التوظيف القوية لشهر مارس سلوك شركات لم تكن قد استوعبت بعد تداعيات الرسوم الجديدة.
واعتمد خبراء الاقتصاد على بيانات آنية تُجنّبهم التناقض بين المعطيات السلوكية والمعطيات الرسمية، تساعد هذه البيانات في رسم صورة لحركة التجارة العالمية استنادًا إلى تتبع السفن ومحتوياتها، ما يُوفّر تقديرًا عمليًا للتغيّرات الجارية.
وفي الأسبوع المنتهي في 25 أبريل، وصلت عشر سفن شحن محملة بـ555 ألف طن من البضائع إلى موانئ لوس أنجلوس ولونغ بيتش، وهي كمية مماثلة لما تم تسجيله في نفس الفترة من العام الماضي، لكن هذه السفن غالبًا ما غادرت الصين قبل تطبيق الرسوم، ما يجعل أرقامها مضللة عند تقييم تأثير القرارات الأخيرة.
مؤشرات اقتصادية مقلقة
انخفضت حجوزات الشحن الجديدة بين الصين وأمريكا بنسبة 45% خلال أسبوعٍ واحد فقط من أبريل، بحسب شركة "فيزيون" لتحليل البيانات، وارتفع عدد الرحلات "الفارغة" إلى 40% من مجمل الرحلات المجدولة، وهي نسبة تشير إلى اختلال كبير في سلاسل التوريد.
تراجعت تكلفة الشحن بين شنغهاي ولوس أنجلوس بمقدار 1000 دولار في الشهر الماضي، نتيجة توقف الشركات عن استباق الرسوم بزيادة الواردات، واختيارها تجنّب التوريد المباشر من الصين.
وفي المقابل، ارتفعت أسعار الشحن من فيتنام إلى أمريكا بنسبة مماثلة، ما يكشف عن تغيّر وجهات الاستيراد لصالح دول بديلة.
المؤشرات قصيرة الأجل
لا يمكن اعتبار كل المؤشرات دليلاً على أزمة مؤكدة، فبيانات الشحن ذات طابع موسمي وتُظهر تذبذبًا طبيعيًا، فعلى سبيل المثال، الانخفاض بنسبة 30% في الحجوزات إلى لوس أنجلوس يقع ضمن هامش التقلب الأسبوعي المعتاد.
وتشهد موانئ أصغر مثل سياتل متوسط وصول لا يتجاوز سفينة واحدة يوميًا، وبالتالي فإن غياب حركة الشحن لأيام لا يُعد أمرًا استثنائيًا، وفي نفس السياق، لم تُظهر المؤشرات عالية التردد مثل الإنفاق ببطاقات الائتمان أو عدد الوظائف المتاحة في أبريل انخفاضًا يُذكر مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفقًا لتقديرات بنك "باركليز".
ورغم غياب إشارات واضحة على التباطؤ الآني، تشير الأنماط التاريخية إلى أن تأثير الصدمات التجارية يتأخر عادة في الظهور، فقد عمدت بعض الشركات إلى تخزين البضائع قبل بدء الرسوم، كما ارتفع الطلب على المستودعات الجمركية لتأجيل دفع الرسوم.
وتمتنع شركات عديدة عن رفع الأسعار رغم الضغوط، حفاظًا على علاقاتها مع العملاء أو التزامًا بعقودٍ سابقة، لكن إذا استمرت حالة عدم اليقين، فقد تضطر هذه الشركات قريبًا إلى تعديل استراتيجياتها.
سياسات جمركية غير مستقرة
يؤكد خبير الاستشارات اللوجستية في شركة "زينيتا"، بيتر ساند، أن التقلبات في السياسات التجارية التي يتّبعها ترامب تربك شركات الشحن الكبرى، حتى بعد عقد كامل من التعامل مع أزمات مثل جائحة كوفيد-19، وإغلاق قناة السويس، وهجمات البحر الأحمر.
ويحذر من أن هذه الإجراءات العقابية، حتى لو أُلغيت قريبًا، قد تخلّف آثارًا سلبية طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي، فالسفن التي لم تنطلق في موعدها، لن تصل في الوقت المحدد أو لن تصل مطلقًا، وستنضب المخزونات، وتتجمّد خطط الاستثمار والتوظيف، وسيكون من الصعب إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد بسرعة.
ولم تصب أمريكا حتى الآن بعاصفة تجارية مكتملة الأركان، لكنها قد تكون على بُعد أسابيع فقط منها، وتشير معطيات الشحن إلى أن التحذيرات هذه المرة تستحق كل الانتباه.