سمير قصير.. عشرون عامًا على اغتيال صوت لبنان الحر

سمير قصير.. عشرون عامًا على اغتيال صوت لبنان الحر
سمير قصير

في الثاني من يونيو عام 2005، هز انفجار كبير منطقة الأشرفية في العاصمة اللبنانية بيروت، ولم يكن المستهدف في التفجير الناجم عن سيارة مفخخة، زعيماً لتيار أو رئيساً لحزب سياسي، ولكنه كان رجلاً أكثر تأثيراً من كل هولاء، حالماً بـ"بلاد تنهل من اختلافاتها لتحولها مصدر قوة وتماسك"، و"بلاد متحررة من قيود الأنانيات الطائفية والعائلية".. كان الصحفي والكاتب سمير قصير.

في ذلك اليوم قُتل سمير قصير جسداً، لكن في المقابل ظل خالداً في ذاكرة ماضي لبنان، وحاضراً في واقعه الآن، فالذي كان أبرز الوجوه في "ثورة الأرز" قبل عقدين، لا تزال أفكاره حاضرة اليوم في التطلع إلى واقع أفضل لبيروت بلا طائفية سياسية أو محاصصة أو اغتيالات.

في 2025 مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، يكون قد مر 20 عاماً على اغتيال سمير قصير، 20 عاماً كاملة ومَن قرر أن حياة كاتبٍ ومثقفٍ من طراز رفيع، وصاحب مواقف سياسية رافضة وغاضبة في أحيان كثيرة، وثائرة في أخرى، يجب أن تنتهي؛ مُفلتٌ من العقاب، بعد أن قطع الطريق على ذلك الرجل الذي لم يواجه إلا بالقلم، وحرمه من استكمال مشروعه التنويري في لبنان؛ إذ كان مؤمناً بالمبادئ والحريات.

في ذاكرة لبنان

مع كل محنة يتعرض لها اللبنانيون، يتذكرون مشروع سمير قصير، ويعضون الأصابع ندماً عليه وقهراً، ذلك المشروع الذي لم يُكتب، ذلك الصوت الذي قاوم الجميع، فقرروا إسكاته، وحرمانه من خط مقاله الأخير، ورؤية لبنان الذي طالما حلم به، لبنان الذي يساع الناس جميعاً، بكل أطيافهم، يتذكرون كيف كان مقاوماً لم يحمل من الأسلحة إلا القلم، وكيف عاش من أجل بيروت، وفوق ذلك لم ينسَ جذور وطنه في فلسطين؛ إذ كان مؤمناً بأنه حتماً سينتصر على الاحتلال.

في منطقة الأشرفية البيروتية في الرابع من مايو عام 1960 وُلد سمير قصير الذي التقت فيه البلاد الثلاثة؛ فالأب فلسطيني، والأم سورية، وعاش على أرض لبنان؛ إذ درس في مدرسة "الليسيه الفرنسي"، ومع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان غادر سمير إلى باريس لدراسة الفلسفة، وفي عام 1984 حصل على دبلوم دراسات معمّقة في الفلسفة والفلسفة السياسية من "جامعة السوربون".

ومن باريس تفاعل قصير مع المشهد في لبنان والمنطقة العربية، فنشر مقالات وقراءات في صحيفة الحياة، ولوريان لوجور، ولوموند ديبلوماتيك، وأسهم في الطبعة الفرنسية من مجلة الدراسات الفلسطينية.

حرر مع زميل له كتاب "مسارات من باريس إلى القدس: فرنسا والصراع العربي الإسرائيلي" في 1992 راصداً ومحللاً تاريخ السياسات الفرنسية في المشرق العربي، المتعلقة بالنكبة الفلسطينية وبالصراع العربي الإسرائيلي. وبعد إصداره الكتاب، عاد إلى بيروت ليعمل مديراً للنشر في صحيفة النهار البارزة، وعاملاً بالتدريس في جامعة القديس يوسف.

تألق على صفحات النهار

وعلى صفحات النهار اللبنانية وافتتاحياتها التقى القراء بكتابات سمير قصير الذي كان صوتاً مختلفاً، وناقداً بشدة لمختلف الأوضاع الداخلية اللبنانية، طارحاً وجهات نظر جديدة، طارقاً أبواباً لم يشأ أحد الاقتراب منها، داعياً إلى تحرر لبنان من أي سطوة أو سيطرة خارجية من أي طرف.
 

 

وواجه في سبيل ذلك مضايقات لم تنتهِ من القوى المسيطرة على المؤسسات والأجهزة الحكومية في لبنان، حتى فُرضت عليه قيود خاصة بالسفر في أكثر من مرة، لكنه كان عازماً على استكمال المواجهة التي لم تنتهِ إلا باغتياله.

كتب

بعد عودته إلى لبنان أصدر كتاب "الحرب اللبنانية: من الانقسام الأهلي إلى الصراع الإقليمي"، وأطلق مجلة "لوريان إكسبرس" التي أسهمت في حراك الحالة الثقافية في لبنان، وأسس أيضاً دار نشر باسم "ليالي" نشر من خلالها أكثر من كتاب، من ذلك "ديمقراطية سوريا واستقلال لبنان: البحث عن ربيع دمشق"، و"تاريخ بيروت".


آملاً في إحداث حراك سياسي بلبنان، شارك قصير في تأسيس "حركة اليسار الديمقراطي" التي تبنت استقلال لبنان الكامل سياسياً، بعيداً عن سيطرة سوريا، وعُرف باعتباره مُنَظِّراً لثورة الأرز التي أُطلق عليها انتفاضة الاستقلال.

اغتيال لم يجهض المشروع

لم يجهض الاغتيال الذي جاء في نفس العام الذي تعرضت فيه شخصيات لبنانية رفيعة لنفس الأمر، وعلى رأسهم رفيق الحريري، مشروع سمير قصير في استعادة لبنان للبنانيين، والحفاظ على استقلاله، وتحقيق العدالة الكاملة فيه.
 


كتب سمير إلى اللبنانيين "ﻟﻴﺲ الإﺣﺒﺎط ﻗﺪراً"، وقد عاش مؤمناً بذلك، فما دام له صوت، يجب أن يُسمع، وما دام قادراً على الكتابة، يجب ألا يتوقف ويترك القلم، ومشروعه يجب أن يكتمل، وعلى الرغم من موت صاحب المشروع، فإن المشروع لم يمت بموت صاحبه.

بعد عام

بعد عام من اغتياله، قررت مجموعة من المثقفين والأصدقاء إنشاء مؤسسة سمير قصير التي تبنت العمل في إطارَي الثقافة والمجتمع المدني، من أجل نشر الثقافة الديمقراطية في لبنان والعالم العربي، وتشجيع المواهب الصحفية الجديدة والحرة، والعمل على نشر الوعي بضرورة النهضة الثقافية.
 

جائزة الصحافة

أطلق الاتحاد الأوروبي جائزة "سمير قصير لحرية الصحافة" في 2006، لتكريم صحفيين من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج، كانت الجائزة تُمنح لفئتين: أفضل مقال، وأفضل أطروحة دراسات عليا، وبعد ذلك عادت الجائزة لتركز على الصحافة المكتوبة من خلال فئتين: أفضل مقال رأي، وأفضل تحقيق استقصائي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية