"المال لا يعوضنا".. صرخة ضحايا الاعتداء الجنسي في لوس أنجلوس بعد تسوية الـ4 مليارات
"المال لا يعوضنا".. صرخة ضحايا الاعتداء الجنسي في لوس أنجلوس بعد تسوية الـ4 مليارات
وافقت سلطات مقاطعة لوس أنجلوس بالإجماع على تسوية تاريخية بقيمة 4 مليارات دولار لتعويض نحو 7000 ضحية تعرضوا لانتهاكات جنسية داخل مرافق تديرها المقاطعة، في واحدة من أضخم القضايا الحقوقية بتاريخ الولايات المتحدة.
وفقًا لما أوردته صحيفة "الغارديان" البريطانية، الأحد، تعود بعض المزاعم إلى خمسينيات القرن الماضي، إلا أن الغالبية العظمى من الحالات وقعت بين ثمانينيات القرن العشرين وبداية الألفية.
مركز ماكلارين في قلب الفضيحة
تركزت شكاوى عدة على مركز ماكلارين للأطفال المغلق، الذي أنشئ عام 1961 كمأوى مؤقت للأطفال قبل نقلهم إلى أسر حاضنة، غير أن المنشأة تحوّلت إلى بيئة مكتظة تُحتجز فيها الأطفال لأشهر، وسط اتهامات بالتخدير وسوء المعاملة والتهديد بالانتقام في حال التبليغ عن الانتهاكات، وكشف تحقيق لهيئة محلفين أن بعض العاملين بالمركز لديهم سوابق جنائية.
أُغلق مركز ماكلارين في عام 2003 عقب ضغوط من منظمات حقوقية ودعوى من اتحاد الحريات المدنية الأمريكية، لكن لم تتم محاكمة أي شخص في القضية، رغم أن بعض الحالات أحيلت للتحقيق، ويقول الضحايا إن ذكريات العنف لا تزال تطاردهم حتى اليوم.
شهادات موجعة
جيمي فيجيل، الذي يعمل حاليًا مديرًا لحالات الصحة النفسية بكاليفورنيا، استرجع تجربته حين سُجن في سن الرابعة عشرة داخل قاعة "لوس بادرينوس" للأحداث، وصرّح بأن طبيبًا أساء معاملته، وجرى تكبيله لساعات رغم مناداته طلبًا للمساعدة، كما اتُّهم الموظفون بتنظيم اشتباكات بين الأطفال لإجبارهم على العنف، فيما تم تجاهل شكاوى الضحايا، بل وقطع الاتصال بعائلاتهم.
وقال فيجيل: "لم يمنحني الاتفاق أي شعور بالراحة، لا شيء يمكنه محو ما حدث لي كمراهق. احتجت لسنوات من العلاج النفسي لأتعافى". وأكد أن النظام لم يركز على التأهيل أو التعليم، بل خلق بيئة قمعية وصف فيها الأطفال بـ"الوحوش" في حين كان هو السبب في تدميرهم.
مسؤولون يعترفون بعمق الكارثة
أقرت كاثرين بارغر، مشرفة مقاطعة لوس أنجلوس، بأن هذه التسوية غير مسبوقة، ووصفتها بأنها "فصل مظلم من تاريخنا"، وأكدت أن التسوية تسعى للاعتراف بالانتهاكات الجسيمة وتقديم تعويضات مستحقة، لكنها في الوقت نفسه تمثل "إدانة مرعبة لإساءة استغلال السلطة وفشل الرقابة المؤسسية".
وكشفت السلطات عن إصلاحات وُصفت بـ"الجذرية"، تشمل إنشاء خط ساخن للإبلاغ عن الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وتسريع إجراءات التحقيق، ومنح الصلاحية الكاملة لإيقاف الموظفين المتورطين وتحويلهم مباشرة إلى السلطات القانونية.
الضحايا يطالبون بالعدالة لا التعويض فقط
عبّر فيجيل عن دعمه للإصلاحات، لكنه شدد على أن "العدالة الحقيقية لن تتحقق إلا بمحاسبة من أساؤوا للأطفال"، وقال: "أشعر أنهم أفلتوا من العقاب، العدالة بالنسبة لي هي أن يُحاكَم هؤلاء الأفراد بأقصى ما يسمح به القانون".
وجاءت التسوية عقب تعديل كبير على قانون التقادم في كاليفورنيا عام 2020، ما سمح بفتح "نافذة استرجاعية" لثلاث سنوات أتاحت للضحايا تقديم شكاوى حتى لو تعود لعقود مضت، وقد أسهم ذلك في تدفق آلاف القضايا الجديدة، ليس فقط ضد دور الرعاية، بل ضد مؤسسات دينية وتعليمية أيضًا، حتى لو كان الجناة قد توفوا منذ زمن طويل، بحسب ما أفادت صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
حوادث الاعتداء الجنسي
تُعد حوادث الاعتداء الجنسي في الولايات المتحدة من أبرز الأزمات الاجتماعية والإنسانية التي خلفت آثارًا نفسية طويلة الأمد على الضحايا، وغالبًا ما ارتبطت بمؤسسات يفترض أن تكون حاضنة وراعية للأطفال، مثل دور الرعاية والمرافق الإصلاحية والمدارس والكنائس.
وقد كشفت تحقيقات موسعة على مدار العقود الماضية عن أنماط منهجية من الانتهاكات داخل هذه المؤسسات، حيث أُسيء استغلال السلطة والنفوذ من قبل موظفين ومقدمي رعاية وقيادات دينية، ما أدى إلى تكرار الانتهاكات وسط صمت رسمي أو تواطؤ مؤسسي، وتظهر التقارير أن كثيرًا من الضحايا كانوا من الأطفال والفتيان المنتمين إلى مجتمعات مهمشة، ممن يفتقرون إلى الحماية والدعم القانوني.
من أبرز الأخطار المترتبة على هذه الحوادث التأثيرات النفسية العميقة، مثل اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، وصعوبات بناء الثقة، ومشكلات في العلاقات المستقبلية، بالإضافة إلى ضعف الأداء التعليمي والانخراط في سلوكيات خطرة أو مدمّرة. وغالبًا ما يعاني الضحايا من التهميش وعدم التصديق، ما يفاقم من معاناتهم.
على الرغم من التقدّم القانوني في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تعديل قوانين التقادم وفتح "نوافذ قانونية" أمام الضحايا للتقدّم بدعاوى متأخرة، فإن غياب المحاسبة الشاملة والتأخر في التحقيقات، يجعل العدالة منقوصة في أعين كثير من الناجين.
وتبقى الحاجة ملحة لتعزيز أنظمة الرقابة والوقاية داخل المؤسسات، وضمان ثقافة الإبلاغ والحماية، وتحقيق عدالة شاملة لا تكتفي بالتعويض المالي بل تسعى لمحاسبة الجناة وإصلاح جذور الخلل المؤسسي.