مزارعون في سويسرا يتهمون الحكومة بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات فعّالة لحماية المناخ
مزارعون في سويسرا يتهمون الحكومة بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات فعّالة لحماية المناخ
تقدّم تسعة مزارعين ومزارعات وخمس جمعيات زراعية صغيرة بدعوى قانونية ضد الحكومة السويسرية، متهمين إياها بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات فعّالة لحماية المناخ، ما يهدد وجودهم ومصدر رزقهم.
من الشوارع إلى المحاكم
وفق تقرير نشره موقع "سويس إنفو" اليوم الجمعة، شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة، احتجاجات صاخبة من المزارعين، غضبًا من السياسات البيئية، وتكاليف الإنتاج المرتفعة، وضغط المنافسة العالمية، لكن الدعوى السويسرية تقدم مسارًا هادئًا وحاسمًا، حيث تقول المجموعة إن السلطات لم تحترم التزاماتها المناخية، مما ألحق أضرارًا مباشرة بعملهم الزراعي.
ويأتي هذا التحرك في وقتٍ تتزايد فيه القضايا القانونية المناخية عالميًا: من 540 دعوى عام 2023 إلى نحو 900 دعوى في 2024، معظمها يستهدف تقاعس الحكومات أو شركات الوقود الأحفوري عن الحد من الانبعاثات الكربونية.
عادةً ما تُتهم الزراعة، خصوصًا تربية المواشي، بأنها أحد مصادر الانبعاثات الكربونية الكبرى. إلا أن هذه الدعوى تُقلب هذه الفرضية رأسًا على عقب، تقول إميلي برادين، محللة السياسات في معهد غرانثام البريطاني: "إنها خطوة لافتة لأنها تُبرز المزارعين كمُتضررين من التغير المناخي، لا مجرد مساهمين فيه".
وتؤكد شارلوت بلاتنر، أستاذة القانون البيئي بجامعة لوزان في سويسرا، أن ما يحدث هو "تغيير نوعي في دور المزارعين داخل القضايا البيئية".
الاحتباس الحراري
تُعدّ الزراعة من أكثر القطاعات هشاشة أمام تغير المناخ، فموجات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، وانتشار الآفات، كلها عوامل تهدد المحاصيل.
يقول إيف باتاردون، مزارع كروم من جنيف وأحد مقدّمي الدعوى: "نحاول التكيّف، لكن إذا أصبحت حرارة 40 درجة أمرًا معتادًا، فلن ينمو شيء"، وكان قد خسر عشرات الآلاف من الفرنكات في صيف 2022 بسبب الجفاف.
خسائر في الإيرادات الزراعية
بحسب جمعية "محامون من أجل المناخ" التي تمثل المزارعين، تسببت موجات الطقس المتطرّف خلال السنوات الثلاث الأخيرة في خفض عوائد المزارعين بنسبة تراوحت بين 10% و40%.
كما تؤكد أن السياسة المناخية الحالية تُهدد الحرية الاقتصادية للمزارعين وحقهم في الملكية، وهو ما يعد انتهاكًا دستوريًا.
ويستند فريق الدفاع إلى تقارير دولية، منها ما يؤكد أن سويسرا تُعد من بين الأسوأ عالميًا من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد (14 طنًا، مقابل 6 عالميًا).
نضال حتى الرمق الأخير
رغم رفض وزارة البيئة السويسرية للطلب واعتبارها أن الأضرار ليست حصرية على القطاع الزراعي، فإن الفريق القانوني قرر التصعيد، وفي حال خسروا أمام المحكمة الإدارية الفدرالية، فهم مستعدون للذهاب حتى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
يقول رئيس الجمعية القانونية أرنو نوسباومر: "إنه اختبار لمبدأ فصل السلطات. سنواصل النضال حتى النهاية".
بحسب خبراء، قد تُلهم هذه الدعوى مزارعين في دول أخرى، كالدنمارك ونيوزيلندا والولايات المتحدة، حيث تُواجه قطاعات الزراعة الصناعية انتقادات متزايدة بسبب انبعاثاتها من غاز الميثان.
وتوضح الباحثة القانونية كورينا هيري: "هذه القضية تُثبت أن خفض الانبعاثات هو السبيل الوحيد لحماية الزراعة والأمن الغذائي"، في حين ترى داينا براي، من جامعة ييل، أن التوقيت مثالي لهذه الدعوى، وأن "الضغط على الحكومات لتنظيم كبرى شركات الإنتاج الحيواني بات ضرورة، لا خيارًا".
وسواء ربحت الدعوى أو خسرتها، فإنها تمثل نقطة تحوّل حقيقية في علاقة القطاع الزراعي مع ملف المناخ، كما تقول بلاتنر: "هذه الدعوى تفتح أفقًا جديدًا: لم يعد المزارعون في موقع الدفاع، بل باتوا في موقع المطالبة بالعدالة المناخية".
أزمة تغيّر المناخ
تغيّر المناخ هو أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، ويقصد به التحولات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس، وعلى الرغم من أن التغيرات المناخية يمكن أن تكون طبيعية، فإن النشاط البشري، وخاصة حرق الوقود الأحفوري (كالنفط والفحم والغاز)، أصبح المحرّك الرئيسي لهذا التغيّر منذ بداية الثورة الصناعية.
ينتج عن هذه الأنشطة انبعاث كميات هائلة من غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والميثان (CH₄)، التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بشكل غير مسبوق.
أبرز مظاهر الأزمة: ازدياد موجات الحر الشديدة والجفاف، وذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستويات البحار، واشتداد العواصف والفيضانات والحرائق، وكذلك تهديد التنوع البيولوجي والأمن الغذائي.
وتؤثر هذه الظواهر على قطاعات حيوية مثل الزراعة، والصحة، والمياه، والطاقة، وتهدد استقرار المجتمعات الهشة حول العالم.
وأُبرمت عدة اتفاقيات لمواجهة الأزمة، أبرزها اتفاق باريس للمناخ (2015)، الذي يهدف إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين، ويفضل إلى 1.5 درجة مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ومع ذلك، تُجمع التقارير العلمية على أن الإجراءات الحالية لا تزال غير كافية، وأن العالم يسير نحو مسار أكثر سخونة، يتطلب تحوّلات جذرية في أنظمة الطاقة والنقل والغذاء.