صفقات اقتصادية واعترافات تاريخية.. ترامب بين الاعتراف بالخليج العربي وأزمة فلسطين
وسط ترقب لحدوث هدنة غزة
برزت قضيتا الاعتراف بـ"الخليج العربي" و"الدولة الفلسطينية" كأهم الملفات المرتبطة بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة إلى الشرق الأوسط، وهي الزيارة الأولى له إلى المنطقة منذ تنصيبه رئيساً في 20 يناير الماضي، وسط تقارير أمريكية وإسرائيلية تشير إلى إمكانية اتخاذ خطوات رسمية في هذين الاتجاهين.
وفي تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، رأى خبراء في الشؤون العربية والدولية، من بينهم عضو في الحزب الجمهوري، أن الاعتراف الأمريكي بمسمى "الخليج العربي" قد يصدر بشكل رسمي رغم التحذيرات الإيرانية، في حين شككوا في أن تشمل الزيارة إقراراً فعلياً بقيام الدولة الفلسطينية، أو التوصل إلى صفقة شاملة تهدف إلى التهدئة في قطاع غزة، مرجّحين في المقابل احتمال إعلان هدنة إنسانية مؤقتة.
وأشار الخبراء إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية كان محور وعود أمريكية سابقة لم تُنفذ، معتبرين تحقيق ذلك مرهوناً بـ"صفقة شرق أوسطية" جادة تحقق مكاسب سياسية داخلية للرئيس الأمريكي، وتعزز النفوذ الأمريكي إقليمياً، وتستجيب في الوقت ذاته للمطالب العربية، التي تزداد فرصها في ظل سعي ترامب لعقد صفقات اقتصادية خلال زيارته، ولو تطلب الأمر إرضاء بعض الأطراف العربية مؤقتاً على حساب المصالح الإسرائيلية.
ويُرتقب أن يبدأ ترامب جولته الإقليمية في الفترة بين 13 و16 مايو الجاري، وتشمل السعودية وقطر والإمارات، وتُعدّ هذه الجولة زيارته الخارجية الثانية في ولايته الجديدة، بعد مشاركته في جنازة بابا الفاتيكان بروما، وستمثل أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ توليه الفترة الرئاسية الثانية في يناير 2025.
إعلان كبير للغاية
استبق ترامب زيارته المرتقبة بتصريحات مثيرة، إذ قال خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في 6 مايو الجاري في البيت الأبيض إنه سيصدر "إعلاناً كبيراً للغاية" قبيل توجهه إلى الشرق الأوسط، مضيفاً أنه سيكون "من أهم الإعلانات في السنوات الأخيرة" بخصوص "موضوع معين".
وفي اليوم التالي، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤولين أمريكيين أن الرئيس يعتزم اعتماد تسمية "الخليج العربي" أو "خليج العرب" بدلاً من "الخليج الفارسي" داخل الولايات المتحدة.
وتُعدّ هذه الخطوة غير مستبعدة على إدارة ترامب، خاصة بعد قرارات سابقة له بإعادة تسمية بعض المواقع الجغرافية، مثل "خليج المكسيك" الذي أصبح يُدرج على خرائط جوجل باسم "خليج أمريكا".
وتحظى تسمية "الخليج العربي" بقبول واسع في دول المنطقة، نظراً لتموضع معظم الدول العربية على ضفتي الخليج.
وفي 8 مايو الجاري، نقلت شبكة "CNN" عن مصدرين في الإدارة الأمريكية تأكيدهما نية ترامب إعلان اعتماد بلاده تسمية "الخليج العربي" خلال جولته الشرق أوسطية، موضحَين أن المباحثات حول هذا القرار ما زالت جارية، ولا يزال موعد الإعلان الرسمي غير محدد.
وعند سؤاله في فعالية داخل المكتب البيضاوي عن موقفه من إعادة التسمية، قال ترامب: "سيسألونني عن ذلك عندما أصل إلى هناك، وسيتعين عليّ اتخاذ قرار، لا أريد أن أجرح مشاعر أحد"، مشيراً إلى أنه سيطلع على التفاصيل قبل اتخاذ القرار النهائي.
وفي 8 مايو الجاري، حذر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عبر منصة إكس من أن تغيير تسمية الخليج إلى "الخليج العربي" سيثير "غضب جميع الإيرانيين بمختلف توجهاتهم السياسية".
وأضاف عراقجي: "أنا واثق من أن ترامب يدرك أن اسم الخليج الفارسي يعود إلى قرون مضت، وهو معترف به من جميع رسامي الخرائط والهيئات الدولية، واستخدمه قادة المنطقة في اتصالاتهم الرسمية حتى ستينيات القرن الماضي"، مندداً بمحاولات تغيير الاسم التاريخي للخليج الفارسي، التي عدها "ذات دوافع سياسية".
من جانبه، عاد مستشار الشؤون الدولية لقائد الثورة الإسلامية في إيران، علي أكبر ولايتي، في 6 مايو لتحذير الرئيس الأمريكي من اتخاذ خطوة مماثلة، قائلاً: "على ترامب أن يدرك أن إيران ليست أمريكا اللاتينية، ومضيق هرمز ليس مضيق مالفيناس، وباب المندب ليس قناة بنما، والخليج الفارسي ليس خليج المكسيك".
وأضاف: "من الأفضل لرئيس دولة كبرى مثل أمريكا أن يعلم أن دولة عمرها 250 عامًا لا يمكنها تغيير الحقائق التاريخية لدولة تمتد حضارتها لأكثر من 22 ألف عام".
الاعتراف المؤجل
وسط هذه التحذيرات الإيرانية، ظهرت تقارير صحفية تشير إلى احتمال إعلان الرئيس الأمريكي اعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطين خلال القمة العربية المقبلة في السعودية.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن وكالة "ذا ميديا لاين" الأمريكية، أن مصدرًا دبلوماسيًا خليجيًا ذكر أن ترامب سيعلن عن الاعتراف الأمريكي بفلسطين، مع التأكيد على أنه سيكون "دون وجود حركة حماس".
واعتبر المصدر أن هذا الإعلان سيُحدث تحولًا في موازين القوى بالشرق الأوسط، وقد يدفع مزيدًا من الدول للانضمام إلى "اتفاقيات إبراهيم" مع إسرائيل.
وأكدت التقارير أن الولايات المتحدة ستعقد اتفاقيات اقتصادية مع الدول الخليجية، بعضها تم الإعلان عنه مسبقًا، مع احتمالية إعفاء هذه الدول من الرسوم الجمركية.
وفي 3 مايو الجاري، ذكر موقع "أكسيوس" أن ترامب يخطط للمشاركة في قمة مع قادة دول الخليج خلال زيارته للسعودية، في إطار مساعي الإدارة الأمريكية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
ومن جهته، وصف السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، التقارير التي أفادت بإعلان ترامب عن الاعتراف بفلسطين بأنها "سخيفة".
وكتب على منصة إكس: "تحتاج صحيفة جيروزاليم بوست إلى مصادر أفضل من هذا المصدر المجهول.. حفيدي تيدي البالغ من العمر 4 سنوات أكثر مصداقية.. اسألوا تيدي".
وأضاف أن الموقف الرسمي للولايات المتحدة لم يتغير وأن أي قرارات بشأن القضية الفلسطينية ستُتخذ بالتنسيق مع الحلفاء في المنطقة.
القرار المفاجئ
في تطور آخر، تحدثت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن ضغوط أمريكية على إسرائيل للتوصل إلى صفقة مع حركة حماس في غزة قبل زيارة ترامب للمنطقة. وأفادت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية حذرت إسرائيل من أنها إذا لم تُحرز تقدمًا مع واشنطن نحو التوصل إلى صفقة، فإن إسرائيل ستجد نفسها في موقف صعب.
وأفادت صحيفة "يسرائيل هيوم" بأن ترامب قد يزور إسرائيل إذا تم التوصل إلى صفقة بشأن قضية الرهائن.
وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترامب يفكر في الإعلان عن خطة لتوفير المساعدات الإنسانية إلى غزة قبيل رحلته، بعد أن أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن التوصل إلى حل لتوفير المساعدات الغذائية لغزة "على بُعد خطوات قليلة".
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي الدكتور نبيل ميخائيل: "ليست احتمالية بل هو أمر أكيد أن يَصدر قرار رسمي بإعادة تسمية الخليج الفارسي باسم الخليج العربي. لكن لا أعتقد أنه سوف يكون هناك اعتراف بدولة فلسطينية خلال الزيارة".
وأضاف ميخائيل، في تصريح لـ"جسور بوست": "هناك بوادر خلاف أمريكي - إسرائيلي، وهذا مادفع سفير أمريكا في إسرائيل مايك هاكابي بالإعلان عن قيام هيئة غير حماس بتوزيع المعونات الإنسانية على قطاع غزة"، مستطردًا: "ربما يكون هناك دعم لمؤسسات مثل هذه لإنهاء حكم حماس لقطاع غزة خلال مناقشات ملف غزة بالزيارة".
توازن المصالح
وبحسب تقديرات الخبير السياسي اللبناني بشؤون الشرق الأوسط، طارق أبو زينب، فإن "فرص تحقيق الاعتراف بالخليج العربي والدولة الفلسطينية دون حماس تعتمد على توازن المصالح".
وأوضح أبو زينب، في تصريح لـ"جسور بوست"، أنه "بالنسبة للخليج العربي، قد تسعى الولايات المتحدة لإقصاء إيران بتعزيز التسمية الخليج العربي ، خاصة إذا كان ذلك يعزز تطبيع العلاقات مع بين الدول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية في وجهه النفوذ الإيراني".
وأضاف أبو زينب: "أما الدولة الفلسطينية دون حماس، فتتطلب تغييرات كبيرة في القيادة الفلسطينية وتقديم حوافز اقتصادية وأمنية لجذب الدعم الشعبي، وهو أمر ممكن، لكنه صعب التنفيذ إذا بحال حماس تستمر خطف قرار غزة".
ويرى أن "ترامب قد يبدو جادًا بشأن صفقة شرق أوسطية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وتعزيز النفوذ الأمريكي، لكن خلفية سياساته تشير إلى أن التركيز قد يكون على الخطوات الرمزية بدلاً من حلول جذرية. تقلباته السياسية وخياراته الشعبوية تجعل هذا الطرح محل شكوك".
وأوضح أنه "خلال زيارة ترامب، قد تتجه الأمور نحو مبادرات محدودة مثل تسهيل المساعدات الإنسانية أو التهدئة في غزة"، مضيفًا: "طرح صفقة شاملة يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن، ومن المرجح أن تكون الخطوات المعلنة إما مؤقتة أو إنسانية أكثر منها استراتيجية، مع التركيز على تطمين الحلفاء في الخليج وتعزيز أمن إسرائيل".
وعود متكررة
ولا يعتقد أستاذ القانون الدولي الفلسطيني الدكتور أمجد شهاب، أن هناك إمكانية لعقد صفقة شاملة، مضيفًا: "نحن سمعنا وعودًا كثيرة عن حل الدولتين، لكن المعطيات الأساسية تقول إن حل الدواتين دُفن منذ ربع قرن وأعتقد أن الاعتراف بدولة فلسطين غير موجود على الأرض، فعلى أمريكا أن توقف قتل المدنيين والاستيطان والاسيتلاء على الأرض وقتل المدنيين".
وأضاف شهاب في تصريح لـ"جسور بوست": "من الممكن لو وضعت الولايات أن تضع حدًّا لها أن نتوقع أمرًا ما في هذا الاتجاه، ولكن الاعتماد على تصريحات دون أن تكون مصحوبة بإجراءات تطبق على الأرض، تعد مسألة كسب مزيد من الوقت للتهدئة؛ لأن الواقع في الضفة والقدس وغزة كارثي وسحق للتاريخ والهوية الفلسطينية والعربية والإسلامية وللحجر والبشر".
ونبه الدكتور أمجد شهاب، أن "الهدف الأساسي لترامب من الزيارة هو اقتصادي لجلب مئات المليارات من الدولارات استثمارات مع تحرك نحو تضخيم لوجود خلاف بين إسرائيل وأمريكا وضغوط يمارسها ترامب على غير الحقيقية، لأن الحقيقة أن هناك تباينًا فقط في الآراء، لكن اتفاق على المضامين والمصالح الاستراتيجية والسياسية وكل شيء".
وأشار إلى أن وعود إقامة دولة فلسطينية موجودة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين من قبل، لكن لم تنفذ على الأرض الواقع، والآن صارت القضية الفلسطينية في إطار إنساني يبحث عن هدنة إنسانية ومساعدات وكان من الطبيعي والضروري أن يتكون قضية سياسية لشعب له حقوق ومن حقه تقرير مصيره وبناء دولته، مشددًا على أهمية أن تدفع الدول العربية في إطار حفظها على الأمن القومي في اتجاه تنفيذ مبادرة السلام العربية؛ لأن ما دونها تهديد للعرب لمصلحة هيمنة إسرائيل ستعزز عدم استقرار المنطقة.
ويعتقد الدكتور أمجد شهاب أنه أمام الدول العربية فرصة كبيرة للتحدث بقوة أمام ترامب الباحث عن الصفقات والاستثمارات للذهاب لصياغة تحقق التوازن في المنطقة وتحقق مطالب العرب وفي مقدمتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية.