"العدالة لا تُنتقى".. الكنيسة الأمريكية ترفض إعادة توطين لاجئين من جنوب إفريقيا
"العدالة لا تُنتقى".. الكنيسة الأمريكية ترفض إعادة توطين لاجئين من جنوب إفريقيا
أعلنت الكنيسة الأسقفية في الولايات المتحدة، الثلاثاء، عبر رئيس أساقفتها شون رو، رفضها تنفيذ توجيه حكومي لإعادة توطين مجموعة من اللاجئين البيض القادمين من جنوب إفريقيا، معتبرة أن الخطوة تتعارض مع التزامها الطويل بـ"العدالة العرقية والمصالحة".
ويأتي هذا الرفض قبيل وصول 59 جنوبَ إفريقي إلى مطار دالاس الدولي بواشنطن على متن طائرة خاصة، في إطار برنامج استثنائي مدعوم من الحكومة الفيدرالية، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقال رو -في بيان رسمي- إن الوزارة الأسقفية للهجرة، الذراع الإنسانية للكنيسة، ستوقف شراكتها الممتدة منذ قرابة أربعة عقود مع الحكومة الفيدرالية بشأن إعادة توطين اللاجئين، مشيرًا إلى أن طلب الحكومة تضمن "معاملة تفضيلية" لفئة دون أخرى.
وأضاف: "من المؤلم أن نشهد لاجئين مختارين بطريقة غير معتادة يحصلون على الأولوية، في وقت يُترك فيه آخرون -كثير منهم خدموا جنبًا إلى جنب مع الجيش الأمريكي أو عانوا من اضطهاد ديني- لمواجهة مصير مجهول".
إرث عنصري مثير للجدل
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد فتحت باب "اللجوء المُعجل" للأقليات البيضاء في جنوب إفريقيا، خصوصًا من "الأفريكانيين"، متذرعة بما وصفته "تمييزًا حكوميًا ضدهم"، وهي مزاعم نفتها حكومة جنوب إفريقيا مرارًا.
في المقابل، يرى منتقدو القرار أن هذه المعاملة الخاصة تأتي على حساب عشرات الآلاف من طالبي اللجوء، الذين ينتظرون لسنوات في مخيمات حول العالم دون تقدم يُذكر في ملفاتهم.
وتاريخيًا، كانت الكنيسة الأسقفية جزءًا من الحركة المناهضة للفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ولها روابط وثيقة مع الكنيسة الأنجليكانية هناك، ما يُفسّر، بحسب رو، رفضها للتمييز العكسي الذي يُعيد إنتاج منطق الفصل ولكن بـ"اتجاه مقلوب".
موقف متباين للمنظمات الدينية
ورغم انسحاب الكنيسة الأسقفية، قالت "خدمة الكنيسة العالمية" (CWS)، وهي منظمة دينية أخرى تعمل في مجال اللاجئين، إنها ستواصل تقديم الدعم لكل اللاجئين المؤهلين، بمن فيهم القادمون من جنوب إفريقيا.
وقال ريك سانتوس، مدير المنظمة: "نحن قلقون من أن الحكومة قادرة على تسريع ملفات بعض اللاجئين، في حين ترفض تنفيذ أوامر محكمة لإعادة توطين آخرين مهددين بالخطر".
وأضاف أن هذه الواقعة تثبت أن الحكومة الأمريكية تمتلك القدرة على معالجة ملفات اللاجئين بسرعة حين ترغب في ذلك، وهو ما يثير أسئلة حول أولوياتها.
نهاية شراكة تاريخية
يمثل قرار الكنيسة الأسقفية نهاية شراكة مع الحكومة الأمريكية دامت قرابة 40 عامًا، أسهمت خلالها في إعادة توطين ما يقرب من 110 آلاف لاجئ من مناطق نزاع حول العالم، من بينها أوكرانيا وميانمار والكونغو.
واختتم رو بيانه بالتأكيد على أن الكنيسة ستواصل التزامها بالعمل مع اللاجئين والمهاجرين، لكن على أساس من العدالة المتساوية وليس الانتقائية السياسية أو العرقية.
يشكّل ملف الهجرة واللجوء أحد أكثر القضايا انقسامًا في السياسة الأمريكية، ولا سيما في ظل التغيرات المتكررة التي طرأت عليه منذ عهد إدارة بايدن، وخلال فترتي ترامب الأولى والثانية وبينما يشدد بعض المسؤولين على أولويات أمنية ولوجستية، وترى منظمات حقوق الإنسان أن السياسات الأخيرة تفرّق بشكل غير عادل بين اللاجئين على أسس عرقية وجغرافية.
ويفتح هذا القرار بإعادة توطين لاجئين من الأقلية البيضاء الباب لتساؤلات جديدة حول نية واشنطن في "إعادة تعريف" مفهوم اللجوء السياسي والإنساني، في وقت لا تزال فيه العديد من النزاعات حول العالم تنتج ملايين اللاجئين والمشرّدين دون حلول ملموسة.