على مسارح بيروت.. نساء يحكين وجع العاملات الأجنبيات خلال الحرب
على مسارح بيروت.. نساء يحكين وجع العاملات الأجنبيات خلال الحرب
جسّدت ثلاث نساء، بمزيج من التمثيل والرقص والموسيقى، معاناة عاملات أجنبيات علقن في لبنان خلال الحرب المدمّرة بين إسرائيل وحزب الله، من خلال عرض مسرحي حمل عنوان "عندما رأيت البحر"، عُرض مؤخرًا في بيروت.
أطلق العرض المخرج ومصمم الرقص علي شحرور (35 عامًا)، الذي تأثر بمصير العاملات المهاجرات خلال الحرب التي استمرت أكثر من عام، وشرّد القصف خلالها مئات الآلاف، وأودى بحياة الآلاف، ودمر مناطق بأكملها بحسب فرانس برس.
قال شحرور: "وُلد هذا المشروع في قلب الحرب، كنا نتمرّن ونجري أبحاثنا رغم أصوات القصف"، مضيفًا: "أنا لا أعرف كيف أقاتل، أعرف فقط كيف أصنع الرقص.. وهذه هي أداتي للمقاومة".
معاناة العاملات المهاجرات
قدّمت المسرحية قصة ثلاث نساء: إحداهن لبنانية لأم إثيوبية، واثنتين إثيوبيتين، ونقلن بالحركة والكلمات والأغاني الفولكلورية معاناة العاملات المهاجرات من سوء المعاملة، والهجرة القسرية، وآلام الحرب.
وأوضح شحرور: "أردنا تكريم النساء اللاتي شُرّدن أو فارقن الحياة خلال الحرب، واللاتي تُركن لمواجهة الموت وحدهن بعد أن هجرت العائلات منازلها".
خلال القصف، التجأت مئات العاملات المهاجرات إلى ملاجئ جمعيات أهلية، بينما افترشت أخريات شوارع بيروت، من الوسط إلى البحر، قال شحرور: "إصرار هؤلاء السيدات أعطاني القوة للاستمرار، المسرح أداة مقاومة تُبقي القصص حيّة".
المسرح علاج وسط الدمار
لم تكن الحرب فقط مصدر إلهام، بل شكّلت أيضًا تدخّلًا مباشرًا في مضمون العرض المسرحي "ضيقة عليي"، الذي كتبته وأخرجته فاطمة بزي (32 عامًا).
رغم اضطرارها إلى مغادرة منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت واللجوء إلى العراق خلال القصف، عادت بزي بعد وقف إطلاق النار في نوفمبر وأصرّت على إنجاز العمل، الذي استُعرض على مسرح زقاق في مايو.
قالت بزي: "كان العرض بداية عن علاقة امرأة بزوجها الذكوري، لكن الحرب اقتحمت النص"، وأضافت: "في لحظة، كان الممثلون يؤدون مشهدًا، وفجأة يقطعه صوت قصف.. فيهرعون لهواتفهم ليتأكدوا من مكان الغارة".
تحدثت عن محاولات التواصل عن بُعد خلال الحرب، وأوضحت: "استخدمنا هذه المسافة والانفصال في العرض.. العمل كان مهربًا.. علاجًا من كل ما عشناه".
المسرح اللبناني يقاوم
شهدت المسارح اللبنانية انتعاشًا مؤخرًا، بعد أن تأجلت عشرات العروض بسبب الحرب، في ظل غياب الدعم الرسمي وسط أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد منذ عام 2019.
قال عمر أبي عازار (41 عامًا)، مؤسس فرقة زقاق: "أجّلنا مهرجانًا كاملاً كان سيضم أكثر من 40 عرضًا بسبب الحرب"، من ضمنها عرض فاطمة بزي، لكنه أضاف: "الآن بدأنا نعود تدريجًا".
أخرج أبي عازار عرضًا آخر بعنوان "ستوب كولينغ بيروت" (Stop Calling Beirut)، يستعيد فيه ذكريات طفولته خلال الحرب الأهلية، ويروي فقدانه لشقيقه، وكان من المفترض عرضه في نهاية 2023، لكنه تأجل حتى مايو.
أولاد الحرب
قال أبي عازار: "نحن أولاد الحرب، نشأنا وسط الأزمات، هذا ليس تحديًا، بل واقع نحياه"، وأضاف: "لو كان هذا الواقع قادرًا على سحقنا لفعل ذلك منذ زمن.. لكنه لم ينجح".
شهد لبنان حروبًا متكررة منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وصولًا إلى حرب يوليو 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وعلى مر العقود، شكّلت المسارح اللبنانية مساحات بديلة للتوثيق والمقاومة الثقافية، في بلد يُعرف بتنوعه الثقافي وحيوية مشهده الفني، رغم الاضطرابات السياسية والانهيار الاقتصادي.
وتعد عروض مثل "عندما رأيت البحر" و"ضيقة عليي"، ليست فقط عروضًا فنية، بل شهادات حيّة ومؤلمة تعبّر عن صراع الهامش مع المركز، والأفراد مع النسيان، والذاكرة مع التشويه.