عبد المنعم الحر: تعزيز ثقافة حقوق الإنسان أساس الاستقرار في العالم العربي (حوار)
في مواجهة الانتهاكات.. هل تستجيب الحكومات العربية لصوت الحقوق؟
في ظل تصاعد الأزمات السياسية والاجتماعية وتدهور أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، تتقدم المنظمات الحقوقية الإقليمية إلى الواجهة كصوت لا غنى عنه في الدفاع عن الكرامة الإنسانية ومناهضة الظلم.. من بين هذه المنظمات، تبرز المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بخبرتها الممتدة على مدى أكثر من أربعة عقود، كمؤسسة مرجعية تناضل في وجه التحديات المزمنة والجديدة.
وفي حوار مع "جسور بوست" يسلّط الدكتور عبد المنعم الحر، رئيس المنظمة في ليبيا وأستاذ القانون الدولي، الضوء على التحديات الحقوقية المتفاقمة في المنطقة، ويشرح كيف تسعى المنظمة إلى التوفيق بين الالتزام بالمواثيق الدولية ومراعاة الخصوصيات الثقافية للمجتمعات العربية، كما يناقش واقع التعاون مع الحكومات، ويؤكد أن الإصلاح يبدأ من نشر ثقافة حقوق الإنسان في التعليم والسياسات العامة، مشددًا على أن احترام التعددية هو السبيل إلى مجتمعات أكثر عدلًا واستقرارًا.
تحديات حقوقية متعددة
وعن أبرز التحديات التي تواجهها المنظمة، يشير رئيسها إلى أن المنطقة العربية تعيش على وقع أزمات متفاقمة، في مقدمتها النزاعات المسلحة الممتدة، والتي غالبًا ما يصحبها انتهاكات جسيمة، كاستهداف المدنيين، وتدمير البنية التحتية الصحية، وتهجير السكان قسرًا، وهو ما يشكل خرقًا فادحًا للقانون الدولي الإنساني.
ولا تقتصر التحديات على الأوضاع السياسية والأمنية فحسب، بل تتعداها إلى آثار التغير المناخي، الذي أضحى يشكل تهديدًا وجوديًا في بعض المناطق، بسبب موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية، والتي تنعكس مباشرة على حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الحياة، والسكن، والصحة.
كما أشار إلى تنامي خطاب الكراهية، وازدياد وتيرة اضطهاد الأقليات العرقية والدينية، والمهاجرين، وهو ما يدعو -حسب تعبيره- إلى إعادة النظر في السياسات الحكومية والالتزام الجاد بمبادئ العدالة وعدم التمييز.
تقارير مرجعية
وعن أداء المنظمة، أوضح الحر أن المنظمة العربية لحقوق الإنسان كانت تصدر تقارير سنوية شاملة عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية، يُعتمد فيها على منهجية دقيقة في الرصد والتوثيق والتحليل، إلا أن العقبة الأبرز في الوقت الحالي، وفقًا له، تتمثل في قلة الموارد المالية، لدينا تقارير محفوظة في الأرشيف، لكنها لم تُطبع بسبب الكلفة العالية، ورغم ذلك نواصل عملنا من خلال الشراكات والنشاطات الميدانية وبرامج التدريب.
تفاوت استجابة الحكومات
وعند سؤاله عن استجابة الحكومات العربية لتوصيات المنظمة الحقوقية، أشار إلى أن “الردود متباينة”، فبعض الحكومات تبدي تجاوبًا وتقوم بإنشاء آليات شبه حكومية أو مستقلة تُعنى بحقوق الإنسان، في حين أن هناك دولاً أخرى لا تمتلك الإرادة أو القدرة على تنفيذ التوصيات، وبعضها يتجاهلها بالكامل.
رغم ذلك، يرى أن للمنظمة مصداقية كبيرة كونها “بيت خبرة” في المنطقة، ما يمنحها قدرة على فتح قنوات تواصل وتنسيق مع مختلف الجهات، بما فيها الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني.
علاقات دولية ومحلية متينة
وأكد الحر أن المنظمة تحتفظ بعلاقات تعاون قوية مع منظمات المجتمع المدني داخل الدول العربية، وتحرص على التنسيق وتبادل المعلومات، بل وتشارك في صياغة بيانات مشتركة تُحال إلى الجهات المعنية إقليميًا ودوليًا، كما أشار إلى أن المنظمة تفتح أبوابها للتعاون مع الجميع، باستثناء الكيان الإسرائيلي، انطلاقًا من التزامها بمبادئها الأساسية وميثاقها التأسيسي.
وعلى المستوى الدولي، قال الحر إن المنظمة تمتلك الصفة الاستشارية لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكذلك لدى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان، وهو ما يتيح لها تقديم مداخلات وتوصيات في المحافل الدولية.
حقوق الإنسان ليست قالبًا واحدًا
في تقييمه لأوضاع حقوق الإنسان بالدول العربية، يرى رئيس المنظمة في ليبيا أن من الخطأ النظر إليها ككتلة واحدة، فهناك دول حققت تقدمًا ملحوظًا في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأخرى تتمتع بهوامش مقبولة من الحريات السياسية، في حين تعاني بعض الدول من قمع ممنهج وغياب شبه كامل لمبدأ سيادة القانون.
وأضاف: حتى على مستوى الحقوق الثقافية، هناك دول تعترف بالتعدد وتمنحه حيزًا في السياسات العامة، في حين أن دولًا أخرى ترفضه بالكامل وتستند إلى منطق الأكثرية العددية لفرض هوية واحدة، وهذا يُحدث شرخًا في النسيج المجتمعي ويقوّض أسس التعايش.
الخصوصية الثقافية لا تعني الانغلاق
وتحدث الحر عن إشكالية تطبيق بعض المبادئ الأممية في السياق العربي، قائلاً: لا يمكن تجاهل أن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية والدينية والاجتماعية، على سبيل المثال موضوع حقوق المثليين حاضر في المواثيق الدولية، لكنه لا يجد تقبلاً في المجتمعات الإسلامية، هذا لا يعني أننا نرفض المبادئ، بل نؤمن بضرورة مراعاة السياق المحلي عند التطبيق، وهذا موقف نحمله بوضوح أمام المؤسسات الدولية.
رسالة إلى المجتمعات والحكومات
في ختام حديثه، وجّه الدكتور "عبد المنعم الحر" رسالة للمجتمعات العربية دعا فيها إلى نبذ خطاب الكراهية والعمل على ترسيخ ثقافة التعددية واحترام الآخر، معتبرًا أن بناء مجتمعات آمنة ومستقرة يبدأ من الاعتراف المتبادل بين مكوناتها واحترام تنوعها.
كما شدد على أهمية دمج مبادئ حقوق الإنسان في المناهج الدراسية من المرحلة الأساسية وحتى التعليم الجامعي، مشيرًا إلى أن الجهل بهذه المبادئ يُسهم في تكريس الانتهاكات وتبريرها.
موجهاً دعوة للحكومات العربية والمنظمات الناشئة إلى الالتزام بنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، وإقامة العدالة، مشددًا على ضرورة التمسك بقيم المواطنة الفاعلة، والعمل من أجل مستقبل تحترم فيه كرامة الإنسان ويُضمن فيه العدل للجميع.